الحلقةالثانية
* تحقيق سعيد الدحية:
هذه هي الحلقة الثانية والأخيرة من هذا التحقيق الذي يتعلق بمسألة قصور دور الصحافة والنقاد تجاه الشعراء الشباب، أو شعراء الجيل الحالي. ويبدو ان «الجزيرة الثقافية» قد وضعت يدها على موضع الجرح فما وصلنا من تعليقات حول ما نشرناه في الحلقة الأولى خير دليل على ذلك، تلك التعليقات التي أثبتت ان ما يعانيه مبدعونا وشعراؤنا الشباب من تجاهل الصحافة لأسمائهم ومن تعالي النقاد عن إنتاجهم، لهو آمر يصعب احتواؤه في عمل صحفي. فليتنا نتجه وبصدق إلى حل هذه الإشكالية والتي حتما ستأخذنا ان تمكنا من حلها إلى عوالم أكثر جمالاً وإبداعاً وتشريفاً.
في هذا التحقيق شاركنا كل من الشاعر أحمد حميد الرشيدي والشاعر محمد ابراهيم يعقوب.
حيث كانت مشاركة الأستاذ الرشيدي كما يلي:
أظن انني غير متحامل على نقادنا ولا على صحافتنا إذا قلت انهما لم يقدما إلا الشيء القليل جدا فيما يخدم «إبداع الشباب» ويهتم بهذه الفئة العمرية الإبداعية التي هي في حاجة شديدة لإفساح المجال لها وإعطائها مساحة من الضوء لإثبات وجودها وهويتها الإبداعية سواء كانت شعرية أو نثرية.
ويأتي دور الصحافة سابقا لدور النقد في عملية إيصال الإبداع لمتلقيه إذ انها حلقة الوصل بين المبدع والمتلقي والناقد.
وكما هو واضح فان صحافتنا العربية بشكل عام تفتقر إلى ما يسمى ب«الصحافة الشبابية» وهي ذلك النوع من الصحافة الذي يهتم بتوجيه الشباب وتوعيتهم وتثقيفهم ونشر إنتاجهم الإبداعي والعلمي وعلى الرغم من تطور الإعلام الصحفي وتقنية الاتصال في العصر الحديث إلا أن شعراءنا الشباب والناشئين منهم ما زالوا يعانون من هذه الإشكالية ألا وهي قلة إتاحة الفرص من قبل الإعلام والصحافة لهم لإبراز ما يكتبونه من إبداع بالإضافة إلى ندرة الأنشطة الثقافية التي تنظمها المؤسسات المختصة بالشؤون الثقافية لهؤلاء الشباب كالمهرجانات والأسابيع الثقافية والشعرية وما سوى ذلك.
إن بعض هذه المؤسسات حقيقة لم تخدم الهدف الأصلي الذي وجدت من أجله. ولم تعد قادرة على استيعاب الشعراء الناضجين الذين اكتملت تجربتهم الشعرية، وطبع إنتاجهم وتمويل مثل هذه المشاريع الثقافية ودعمها مادياً ومعنوياً، فكيف الحال بالشعراء الشباب إذن؟! .. أظن الأمر سيكون أسوأ في هذه الحالة.
ثم إن هناك جانباً آخر بودي الإشارة إليه فيما يتعلق بتقليص مساحة الإبداع الشعري الشبابي ألا وهو أن هناك كثيرا من الصحف والمجلات تركز على أسماء شعرية كبيرة بارزة ومعروفة تساعد في تسويق المطبوعة وتتجاهل الأسماء الشعرية غير البارزة التي لا يبحث عنها القارئ أي أن المسألة هنا أصبحت تجارية أكثر من كونها إبداعية.
ومسألة تحول معظم شعراء الجيل الحالي من الشعر إلى الرواية مسألة نسبية وليست دقيقة. ومهما يكن يبقى الشعراء أكثر من الروائيين عددا حتى الشعراء الذين ينتقلون من الشعر إلى الرواية فانهم يمارسون كتابة الشعر ولا يتركونه بالاكتفاء بكتابة الرواية.
ومثل هؤلاء كثير من أمثال الدكتور غازي القصيبي الذي اتجه في العقدين الأخيرين لكتابة الرواية وهو أصلا شاعر ولا يزال ومثل علي الدميني وغيرهما.
أما الأستاذ يعقوب فقد شاركنا قائلا: في البدء لا يخفى دور النقد في حركة الإبداع بكافة أشكاله.. ونحن نعلم أن الحركات الإبداعية التي يواكبها نقد موازٍ لها في الجدية والجودة هي التي استطاعت أن تحظى بدور تأثيري في حركة الأدب عامة..
والحركة الثقافية السعودية شهدت عبر تحولاتها المختلفة حركة نقدية فاعلة بل ان بعض النقاد قد كرّس أسماء إبداعية استطاعت فيما بعد أن تشكل تيارات جديدة تحت نظر النقاد وفي ظل قاماتهم!!.
أما عن جيل الشعراء الشباب أو الحالي فبصورة أو بأخرى لم يجد العناية الكافية من بعض النقاد الذين أقل ما يقال عنهم أنهم تخلوا عن دورهم الحقيقي والرئيسي في نفس الوقت.
وانصراف النقاد عن الشعراء الشباب له أسباب متعددة ليس من أهمها الموجة الروائية العارمة كما تسميها .. بل لأن بعض النقاد مثلا سعى إلى أمجاد شخصية وهذا من حقهم هذا بالإضافة إلى أن النقد أصبح الآن يبحث في الكليات ويعتمد على النظريات، بل وكاد يصل بعض النقاد إلى أن قراءة نقدية لديوان شعر أو مجموعة قصصية قد يقلل من قيمته النقدية.وأنا هنا لا أخلي ساحة الشعراء من المسؤولية تماماً فالشعر بالفعل يمر بأزمة كينونة فهو قد فقد أعز ما يملك وهو التأثير بالغموض المبالغ فيه الى حد الضحك على النفس.. وفي نفس الوقت فقد أعز ما يملك وهو الإيحاء والمراوغة بالمباشرة والركاكة والخطابية.
وأنا وللحق ومن خلال تجربتي الشخصية لا بد أن أشير إلى أن ديواني الأول «رهبة الظل» قد وجد التفاتاً جميلا من بعض النقاد الذين أدين لهم بالشكر والتقدير فقد حصل الديوان على عدة قراءات من أهمها ما كتبه الدكتور عبدالعزيز المقالح والأستاذ عبدالله السمطي والأستاذ معجب العدواني والدكتور يوسف العارف والأستاذ عبدالله فراج الشريف وآخرون مما يدل على أن تعميم النظرة على كل النقاد وأيضا على كل التجارب الإبداعية من الخطأ البيّن.
أما عن اتجاه بعض الشعراء إلى كتابة الرواية ففي ظل الأزمة التي يعيشها الشعر وكما نلتمس لبعض النقاد العذر في التحول إلى التنظير نلتمس لبعض الشعراء أيضا التحول إلى كتابة الرواية، بل إن بعض الشعراء كتب في مجال الرواية إبداعاً يفوق كل إبداعاتهم الشعرية.. وتظل الرواية جنساً أدبياً مثله مثل الشعر، وهذا أبداً لن يسحب البساط من تحت أقدام الشعر كما يخشى البعض فالشعر ذاكرة العرب الأولى وستظل.
|