Saturday 21st December,200211041العددالسبت 17 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

استعداء في غير محله استعداء في غير محله
أ.د عبدالمحسن بن وني الضويان/ عميد الدراسات العليا جامعة الملك سعود

الحملة الإعلامية التي تشنها جهات مشبوهة في الولايات المتحدة الأمريكية على المملكة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي ما فتئت تظهر في الصحف والمجلات والإذاعات ومحطات التليفزيون إذ لا يمر يوم دون ظهور مقال أو افتتاحية أو برنامج إذاعي أو تلفزيوني يصف المملكة بأنها عدو أمريكا وأنها بؤرة تفريخ عناصر الإرهاب الذي شن ويشن حربا على كثير من دول العالم وبالأخص على الولايات الأمريكية، هذه الحملة التي تتنوع أساليبها ومصادرها وطرق طرحها كان يمكن أن يكون لها ردة فعل عنيفة من جانب الحكومة الأمريكية ومن جانب حكومة المملكة العربية السعودية لولا الله ثم موقف المملكة المتسم بالاتزان والموضوعية، أقول كان يمكن أن يكون لهذه الحملة الإعلامية اثر سيئ لو لم تكن المملكة تنطلق في تعاملها مع أمريكا من أسس متينة في العلاقات الدولية أهمها الاحترام المتبادل وتبادل المصالح المشتركة والمواقف التي من الصعب وجود ثغرات يمكن لذوي المصالح المشبوهة التسلل من خلالها، والدليل على صدق هذا النهج هو موقف الحكومة الأمريكية المعلن من المملكة فكلما نعق ناعق وكلما نشر تقرير أو كتب مقال يحاول تشويه موقف المملكة والاصطياد في المياه العكرة كلما وجدت الحكومة الأمريكية حرجا شديدا يحملها على المبادرة بالتذكير بمواقف المملكة المشرفة وأنها شريك مهم يعتمد على مواقفه في التعامل البنَّاء بين الدولتين وكان يمكن للعلاقات أن تسوء وتزداد سوءاً لولا فهم المملكة للألاعيب السياسية وثعالبها هناك وحرص المملكة على عدم إعطاء الفرصة لهم لتحقيق أغراضهم وإلا فان الأجواء مشحونة وتزيد كثير من وسائل الإعلام العربية وخاصة بعض الفضائيات من أوار الحملة حيث تتلقف ما يبث هناك من أكاذيب واتهامات للمملكة وتضخمها وتعظم من شأنها وتعقد لها الحوارات والمناقشات لأسباب لاتخلو من سوء النية.
ويغيب عن بال هؤلاء جميعا أن العلاقات بين الدول وخاصة دولة مثل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لم تبن في يوم وليلة ولم تتسم بالعاطفة أو بمحاولة المملكة بناء هالة إعلامية ومكانة تعتمد على مبدأ خالف تذكر ولكنها مكانة حقيقية للمملكة ذات الموقع الاستراتيجي الهام والقوة الاقتصادية وعلاقتها المتميزة مع الدول، واهم من ذلك كله مكانتها في العالم الإسلامي واحتضانها للحرمين الشريفين وتشرفها بخدمة ضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين يرون ما تقدمه المملكة من خدمات جليلة تجعلهم يؤدون فريضة الحج بيسر وسهولة ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو مكابر.
والولايات المتحدة من جانبها تدرك ذلك تماما وتعرف مواقف المملكة وسياستها الحكيمة واحترام المواثيق والمعاهدات ومن الصعب على أمريكا أن تجد صديقا مثل المملكة يقدر المصالح المشتركة فيما بينهما وتتعامل معها بشفافية ووضوح، وأمريكا نفسها عانت من سياسات كثير من دول العالم المتقلبة التي يصعب التكهن بمستقبلها، ونحن نعرف أن كثيرا من دول الجوار تأرجحت علاقاتها مع أمريكا من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار ومن موقف الحليف إلى موقف الضد، وتعاملت مع دول لا يملك بعض قادتها ابسط قواعد التعامل مع الآخرين.
أما المملكة فالوضع مختلف تماما ليس مع أمريكا فحسب وإنما مع دول العالم جميعا، فمتى كانت المملكة تطلق لأجهزتها الإعلامية العنان للنقد الجارح والنيل من الآخرين بل إن المملكة في احلك المواقف وعندما تشن بعض الدول حملات إعلامية ضدها تصل إلى درجة الإسفاف والإيذاء كانت المملكة تلتزم الموضوعية ولاترد على السباب بسباب مثله ولكن توضح الحقائق وتحاول أن تضع الأمور في نصابها، كل ذلك تعرفه الولايات المتحدة الأمريكية ولذلك من الصعب عليها أن تجد شريكا بمثل مكانة ومواقف المملكة. الساسة المنصفون كلهم في أمريكا لا تخدعهم الحملات الإعلامية ويدركون مصادرها وأغراضها، ولئن كان لبعضهم مواقف مشرفة من المملكة ضد هذه الحملات الإعلامية إلا أن أصواتهم «للأسف» تخفت أحيانا ويتوارى بعضهم عن الأنظار لأسباب لا نعرفها مع انهم يقولون إن الإعلام في أمريكا ينعم بهامش واسع من الحرية وإبداء الرأي، فكان يتوقع منهم دور أكبر ومساهمة أكثر فاعلية في إظهار الحق والرد على هذه الحملات المسعورة ليس فقط لصالح المملكة ولكن من اجل خدمة المصالح الأمريكية. ليس من الحكمة استعداء المملكة أو التقليل من شأنها أو البحث كما يقولون عن بديل. ترى ألا يعرف المنصفون في أمريكا أسباب الحملة على المملكة؟ قد يقول قائل نعم انه بسبب اتهام عدد من رعايا المملكة في المشاركة في أحداث سبتمبر، وهذا قد يكون صحيحا لو أن للمملكة موقفا مختلفا من الأحداث، المملكة أدانت الإرهاب بجميع أشكاله لأنها عانت من نتائجه قبل أمريكا وتعاونت مع جميع دول العالم في ذلك ولم تخف معلومات عنه، فكان يفترض أن يحمد لها هذا الصنيع خاصة وان ما قامت به وتقوم به في مكافحة الإرهاب ساهم في التقليل من آثاره والحد من انتشاره كما أنها أوضحت وهي مركز العالم الإسلامي أن الإسلام بريء من هذه الأعمال لأنه دين المحبة واحترام الإنسان وحقوقه.
لكن ذلك كله لم يرض ذوي النفوس المريضة الحاقدة في بعض أجهزة الإعلام الأمريكي مثل قناة«فوكس» وغيرها لان السبب ليس ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وان كان ذلك اليوم المشئوم أزال الأقنعة عن الوجوه الناقمة على المملكة بسبب مواقفها المشرفة من القضية الفلسطينية والكفاح المشروع في مقاومة الاحتلال ومساعدة المملكة لهذا الشعب الأبي والوقوف بجانبه في أزمته، وربما أن لسان حال الحاقدين على المملكة يقول لولا مواقفها ومساعداتها المستمرة للفلسطينيين لكان القضاء على مقاومتهم اسهل وإسكات انتفاضتهم ايسر، وهذا اتهام يشرف المملكة فهي لاتعين ظالما على ظلمه ولا تأخذ حقا لأحد وتعطيه لمن لا يستحقه وإنما تسعى إلى رد الحق لأهله وتحرير الأرض واحترام الإنسان الفلسطيني وعيشه في أرضه آمنا مستقرا.
هذا الموقف للمملكة لا يرضي الأعداء ويزيد في غيظهم لذلك يستغلون أي فرصة لإيذاء المملكة وقد جاءت أحداث سبتمبر لتخدمهم في غرضهم هذا.
المساعدات الإنسانية التي تقدمها المملكة للمحتاجين والجائعين والمرضى في العالم الإسلامي كان لها دور إيجابي في تخفيف معاناة أولئك البشر تتحول بقدرة قادر في أعين الاعلام المغرض إلى دعم للإرهاب واتهم من يساهم في المساعدة من المؤسسات الخيرية المحسنين في المملكة بأنهم إرهابيون يجب مقاضاتهم ومطالبتهم بالتعويض كما حاولوا إيقاف أنشطة الجمعيات الخيرية مع انه كان يمكن أن تدرس هذه الأنشطة من قبل مختصين منصفين ليعرفوا أهدافها الإنسانية البحتة.
اكثر من ذلك اتهموا من يساعد مريضا بالمال ليتمكن من دفع تكاليف العلاج اتهموه بدعم الإرهاب، هل رأيتم تجنيا وظلما للمحسنين اكثر من ذلك؟
إن الحملة الإعلامية الأمريكية على المملكة لا تخدم المصالح الأمريكية على الإطلاق بل على العكس من ذلك تضر بمصالحه وقد تنمي مشاعر العداء بين الشعبين وتعمق الجفوة بينهما ولكن هذا لايهم ذوي الأهداف الخبيثة فالمهم عندهم تحقيق أغراضهم ولو على حساب مصالح بلادهم.
المملكة من جانبها تستطيع أن توسع من دائرة ردها على الحملات المغرضة بتبنيها سياسة إعلامية تخاطب العقل الأمريكي وترد على الحملات بنفس الأسلوب، لان المملكة ولله الحمد لديها الوسائل والإمكانات البشرية والمادية اللازمة.
فخلال العقود الماضية استثمرت المملكة في تعليم أبنائها وحصل عشرات الآلاف منهم على شهادات علمية في مختلف التخصصات من الجامعات الأمريكية، ولدى الكثير منهم المقدرة على مقارعة الحجة بالحجة ولغة الكثير منهم قوية ويمكنهم المساهمة بفاعلية والتسلل إلى قنوات الإعلام الأمريكي المقروء والمسموع والمرئي بكفاءة واقتدار، لكننا للأسف لا نرى لكثير منهم دوراً في ذلك عدا المسؤولين في الشؤون الخارجية أرجو ألا يفهم من ذلك أنني أقلل من الدور المشكور لبعضهم مثل الأستاذ عادل الجبير الذي يتميز بالحضور والبلاغة في الرد على الحملات الإعلامية في أمريكا على المملكة ولكن ما عسى أن يفعل شخص واحد أمام محترفي الإعلام هناك وان كنت اشعر بالغبطة أن يكون من أبناء المملكة مثل الأستاذ عادل الجبير وأنا أشاهده يرد على أولئك الإعلاميين بهدوء وابتسامة وحجة قوية ولغة سليمة ولكنني اعتقد أن المجال يتسع لكثير من الكفاءات الوطنية الذين يمكنهم أن يوقفوا طوفان الإعلام المغرض في أمريكا وهذا ممكن بإذن الله ولكن الأمر يحتاج إلى جهد لتوظيف المؤهلين من أبناء المملكة لهذا الهدف....
والله من وراء القصد.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved