احساسي يتيم.. كما انا يتيمة امي.. حين غبتِ عن الحياة
امي سأحكي لك عن حياتي وأعلم انك لن تسمعيني ولن يصلك صوتي ولا حتى صداه.
أعلم جيداً ان مشاعري حزينة تشكو الايام..
امي.. اتذكرين حين تركتني وانا في مقتبل الصبا
حزنت كثيراً.. بكيت مراراً وبكى أبي.. ولأول مرة ارى عينيه تدمع رغم الكبرياء.. حينها علمت ان فقدك صعب كما هي الحياة صعبة.
امي.. بقيت هكذا حولاً ابكيك.. بل سنين عمري وايامها..
امي.. ان ابي رغم عطفه الفياض واحساسه الحنون.. اراد ان تكون امرأة اخرى في حياتنا..
اراد ان تكون مكانك.. ويسد الفراغ الذي خلفتيه بعدك
تمنيت ان تعودي سريعا قبل ان يحصل ذلك ولكن.. لم تعودي؟!
لقد اتت المرأة ودخلت حياة والدي وحياتي.. ومنزلنا..
امي.. لم تكن قاسية ولم تكن لطيفة ايضا.. لكنها كانت آمرة ناهية..
في منزلنا.. في منزلك امي..
حتى غرفة نومك.. اتعرفين امي اين تنام؟!
انها تنام في غرفتك وعلى سريرك وتضع ملابسها مكان ملابسك.. بل وتضيء شمعة ابي التي قدمتها له ذات يوم في ذكرى زواجكما..
امي.. لقد احتفظت بكل شيء لك في غرفتي.. جعلتك تشاركينني في خزانة ملابسي وجمعت زينتك فتزينت بها وعشقتها..
احسُّ حين ألبسها وأتحلى بها باني اجمل جميلات الكون.. اتعلمين لماذا أمي؟!
لأنك في يوم ما لبستها ولمستها يداك..
أمي.. في يوم نجاحي وإنجاز حصدته في دراستي.. وقفت امام حضور.. لحفلي.. كنت المتفوقة الوحيدة..
كان لابد من حضورك كي تلبسيني وشاح التخرج.. لكن لم تحضري!
تمنيتك بين حضور الامهات اللاتي حضرن..
حتى المرأة التي احتلت مكانك لم تحضر حفل تخرجي..
بل اعتذرت بكثير شغلها لكن وان اتت لن تكون مثل وجودك معي..
البستني الوشاح معلمتي نيابة عنك.. وباركت لي تفوقي
وحين بدأت الامهات وبناتهن يصفقن لي تمنيت ان تكون يديك من بين اللاتي صفقن لي..
نظرت بابتسامة الفرح والتفوق التي رسمتها على شفتي.. وعين مكتظة بدموع فقدك والاماني اليتيمة مثلي.
فعدت اماه الى منزلنا بوشاحي لأضعه جانب ملابسك وأغراضك الثمينة.. اماه رحلتي مع الايام ولياليها طويلة كالحياة..
اذ تقدم لي شاب احبه ابي ورأى فيه الزوج الصالح الذي يسعد ابنته.. فزوجني له..
ألم أخبرك سابقاً يا أمي عن زواجي!!
لقد تزوجت يا أمي.. ولم تحضري فرحي!!
جمع كل الأقارب والأحباب جاء الكثير من بعيد يشاركني حفل زواجي.. زفافي وفرح عمري.. حضر الكثير من الصديقات.. وكثيرون لا أعرفهم..
لكن حضورك له نوع فريد وطعم خاص..
حضورك يغني عن حضور الكثير من الاحباب والاقارب..
حضورك امي يكفيني وان لم يحضر لحفل زفافي شخص واحد..
امي.. زفت ابنتك بين جموع المهنئين لأتمثل أمامهم بورود حمراء وفستان ابيض جميل..
كنت انظر لهم وفي قلبي امنيات مبتورة لتدمع عيني واحاول اخفاء دمعها احاول التماسك حتى لا تعبث ادمعي بجمال الاصباغ... لكن دمعت عيني كثيراً
أمي..
لم أستطع ان اتماسك.. اذ اختلطت دموعي بأصباغي وغسلت ما وضع على وجهي..
امي كيف اخرج؟! كيف أسعد؟! وأنت بعيدة عن عالمي..
أبي لم ينسني.. دائماً يهمس في اذني عذب حديثه
هنأني على نجاحي وزواجي.. قدم لي اثمن الهدايا..
ابي.. لم يهملني امي بل يحاول الا ينشغل عني رغم وجود ابنائه..
جاءت المرأة بأخوة لي يا أمي.. احبهم مثل أبي الذي يسعد بقربهم حوله..
ماذا بقي لي ان احكي عن تفاصيل اخرى.. سأبوح لك يا أمي..
بما أحمل في رحلتي الطويلة..
امي انتظري حديثي لك عن القادم في حياتي.. امي حكايتي لم تنته..
اريدك ان تعلمي عن تفاصيل الحياة التي احياها وعن وكل خيط في دنياي..
امي.. سأخبرك عن كل حدث امر به ولن اخبئ عنك شيئاً..
امي.. لقاء آخر.. إن شاء الله احدثك به عن حياتي بعدك.. وليالي.. وداعاً أمي..
* الرياض |