Thursday 12th December,200211022العددالخميس 8 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

قراءة في ديوان ابن سحمان بتحقيق الدكتور الفوزان قراءة في ديوان ابن سحمان بتحقيق الدكتور الفوزان

ديوان الشيخ صالح بن سليمان بن سحمان حققه وقدم له الاستاذ الدكتور ابراهيم فوزان الفوزان، والدكتور ابراهيم الفوزان هو استاذ الأدب الحديث بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام وهو ممن ساهموا بالكتابة والبحث في الأدب السعودي فأخرج مؤلفات قيمة ومهمة مثل كتاب اقليم الحجاز وعوامل نهضته الحديثة وكتاب: الأدب الحجازي الحديث بين التقليد والتجديد في 3 أجزاء ضخمة وديوان صالح بن سحمان وغيره.
والمعروف عن الدكتور الفوزان عشقه للأدب السعودي بل وحماسه وحثه لدراسة ما هو سعودي في وطنية خالصة. وديوان صالح بن سلميان بن سحمان الذي أراه مهماً هو كتاب أدب وتاريخ ودين وسياسة فالديوان المحقق يؤرخ لنشوء المملكة العربية السعودية الحديثة.
وقد قدم هذا الديوان المحقق بقوله: «في هذا الجزء من ديوان الشاعر صالح بن سليمان بن سحمان يجد القارئ مجموعة من القصائد والمقطوعات الشعرية تمثل ما يقارب نصف عطاء الشاعر وتدور موضوعاتها حول المدائح والتهاني والمراثي لأمراء وملوك الدولة السعودية وعلماء الدولة السلفية» ويذكر المحقق ان قصائد الديوان ظلت مخطوطة وحبيسة لدى صاحبها ولم تر النور برغم انه قال بعضها في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري في مدح وتهنئة جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن وجيوشه أثناء توحيده أقاليم شبه الجزيرة العربية.
وذكر المحقق أنه عرض كل تعديل على صاحب الديوان وأجازه قبل وفاته ويعزو المحقق الأسباب التي جعلت الشاعر يحجب شعره طوال هذه المدة رغم ان طبيعة موضوعات شعره يفترض نشرها فمعظمها في المدح والرثاء والحكمة والوعظ والزهد والدفاع عن الدعوة السلفية. وكذلك توفر وسائل النشر.
ويذكر المحقق أنه حتى الذين مدحوا وقيلت فيهم القصائد لم يطلعوا عليها ويرجح الدكتور الفوزان سبب الحجب وعدم النشر وأوافقه في ذلك لعدة أسباب:
أولاً: كون ابن سحمان من المشتغلين بالعلوم الشرعية بالدرجة الأولى وتأتي موهبة الشعر لديه بالدرجة الثانية.
ثانياً: كون مجتمعه الخاص من المشايخ ممن يتصفون بالوقار وعدم تأييد الاتجاه إلى الشعر. فقد عمل مع الشيخ عبدالله بن عبداللطيف والشيخ عمر بن حسن رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثالثاً: تواضعه وزهده وإنكاره لذاته في سبيل المصلحة العامة والبعد عن الشهرة.
رابعاً: عزة نفسه وترفعه عن التكسب بالشعر.
ويدعو المحقق النقاد لعدم التسرع باصدار أحكامهم بقلة العطاء لدى أدباء وشعراء الجزيرة، فالجزيرة غنية بالآثار النثرية والشعرية ولا أدل على ذلك من هذا الديوان الذي بقي حبيس أدراج صاحبه لمدة ستين عاما حتى أخرجه الاستاذ الدكتور الفوزان للنور، وفي هذا الصدد يدعو المحقق الباحثين إلى المزيد من الدراسة والبحث والجهد لاخراج هذه الآثار. ويذكر تجربة قد مرَّ بها فيقول «والباحث في الأدب الحديث في المملكة العربية السعودية يدرك الكثير من المفاجآت، وقد مررت بهذه التجربة أثناء إعدادي لرسالة الدكتوراه عن الأدب الحجازي، فلا تستغرب ان تجد عند بعض الأسر المخطوطات الموروثة في الشعر والنثر».
أما موضوعات الكتاب فهي تهم المؤرخ والأديب بل والمواطن العادي ليقرأ تاريخه الناصع البياض والمعطر بالأمجاد وقد قسم المحقق قصائد الديوان إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: العزيزيات: وهي القصائد التي قيلت في جلالة الملك عبدالعزيز فقد سجل في مدائحه بعض مواقف الجيش السعودي في الدور الثالث في معظم المعارك التي قادها الملك عبدالعزيز وأولاده وقادة جيشه. وهذه المجموعة تضم 633 بيتاً في 19 قصيدة وقد ذكر المؤلف مناسبة كل قصيدة ورتبها حسب قدم انتشارها.
ثانياً: الفيصليات: وهي القصائد التي قالها الشاعر في مدح وتهنئة وشكر ورثاء الملك فيصل.
ثالثاً: متفرقات: وهي القصائد التي كتبها الشاعر في تسجيل وفيات من تولى الإمارة أو الملك من أسرة آل سعود من بداية تولي الأمير محمد بن سعود الكبير إمارة الدرعية في القرن الثاني عشر الهجري وحتى وفاة الملك فيصل رحمه الله وسأذكر نماذج من قصائد ابن سحمان في كل مجموعة.
يهنئ الشاعر صالح بن سحمان جلالة الملك عبدالعزيز عندما هزم أحد الجيوش، ويحاكي الشاعر فيها أسلوب القدماء من التكلف والميل إلى الصنعة من تشبيه واستعارة لكن العاطفة صادقة والاخلاص واضح وشدة المحبة تنطق من الأبيات..
يقول:


من زاحم الأسد فالصماصمة الخَذمُ
فيه الشفاء وفيه السأم والألمُ
فتح به نُصِرَ الإسلامُ وابتهجت
كل الأنام وثغر الدين مبتسمُ
فتح مبين وأبوابُ السماء له
قد فُتّحَتْ ولأعلام الهدى شممُ
عبدالعزيز الذي ساد الملوك وقُلْ
إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ

في الأبيات السابقة الشاعر أحسن ووفق عندما مدح الممدوح بأوصاف في محلها فجاء الوصف والمدح معبراً حاكياً للواقع قريبا إلى النفس وقريباً إلى الصدق فعبدالعزيز فارس شهم، ذكي كريم صنديد شجاع عربي صميم مقدام لا يهاب ولايتخاذل.
وقال مهنئاً ومادحاً جلالة الملك عبدالعزيز بعد ضمه المدينة المنورة سنة 1344هـ بقيادة ابنه محمد بن عبدالعزيز ويذكر الشاعر السجايا الكريمة والصفات الحميدة التي كان عليها الملك عبدالعزيز وابنه محمد من العفو والصفح والنبل والكرم.. يقول:


حَدِّثاني عن طيبة والعوالي
حَدِّثاني فإنني لست سالي
ما لفتح لطيبة من شبيه
بعد أم القرى وما من مثال
طلبوا أهلها الأمان جميعاً
من مليك وسيّد مفضال
فعليهم مَنَّ الإلهُ ونالوا
منه عفواً وعمهم بالنوال
جاءهم بالأمان نجل ملوك
وتسمى للمصطفى برجال
برجال لايسأمون من الحرب
وفيهم محمد كريبال
فهنيئاً لطيبة المجد بالنصرة
ولعز دواماً على مدى الآجال

وعندما عاد الملك عبدالعزيز من مصر بعد اجتماعه بالرئيس الأمريكي روزفلت والملك فاروق ملك مصر والرئيس شكري القوتلي رئيس سورية سنة 1364ه وكان ذلك لبحث القضية الفلسطينية التي كانت من ضمن اهتماماته واهتمام أبنائه من بعده..
يقول:


الحمد لله حمداً لست أحصيه
والشكر لله لا أحصي أياديهِ
ومن أياديه أن عافاك من لجج
وحاسد معتد بل من أعاديهِ
لله من شرف في مصر يصحبها
فخراً مدى الدهر مع يخت بعاليه
أهلاً وسهلاً وتبجيلاً لحضرتكم
ومرحباً بك مرحى لست أخفيه

وتتدفق مشاعر الولاء والمحبة والإعجاب تدفقا سخيا وسلساً عذباً في هذه الأبيات التي تبين تلاحم الشعب بقائدهم فالقائد أمان لكل الخائفين، وملاذ لكل المتعبين ويوضح البيت الأخير تفجر بحور الحب والمودة للقائد العظيم في قلب الشاعر .
وقد قيلت هذه القصيدة بعد عودة الملك عبدالعزيز من زيارة قام بها لمصر وكان موضع حفاوة الملك فاروق وأعيان مصر وكان عباس العقاد ضمن المرافقين لجلالته..
يقول:


عبدالعزيز مليك الناس قاطبة
براً وبحراً حاضراً وباديها
من آل فيصل أمجاد غطارفة
شوس أماجد ماحيٌّ يحاكيها
يا أيها الملك الميمون طائره
ياناصر السنة السمحا وحاميها
قلوبنا ارتحلت لما ارتحلت وقد
آبت بأوبتكم يانور داجيها

ويرثي الملك عبدالعزيز بأبيات حزينة دامعة ويقول:


يا راحلاً خلف الأحزان أجمعها
فينا وجاور من ينجي من النار
اذهب حميدا رعاك الله من ملك
إلى الخلود بجنات وأنهار
جوزيت عنا وعن دين الهدى غرفاً
من تحتها غرف من بين أشجار

ومن مجموعة الفيصليات اختار هذه الأبيات فقد أدرك الملك عبدالعزيز حنكة ابنه فيصل منذ صغره وقدّر له ذلك وأسند له عدة مناصب مهمة.
ومنذ تولي الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية وهو يولي دعوة التضامن الإسلامي جل اهتمامه فأعجب الشاعر بذلك وقال هذه الأبيات:


صعودك سام فوق هام الفراقد
ومجدك فوق المشتري وعطارد
بلغت من العلياء أعلى مكانة
وكل الورى ألقت جميع المقالد
فلا بذل اسما من نداك وفي الوغى
فكا الليث حتى فقت كل مطارد
بك الناس عاشوا والأرامل كلهم
ينادون شكراً بالدعا في المساجد
وشيمتك العليا على كل حالة
فكل الورى تثني بسامي المحامد

وبهذه الأبيات أنهي القراءة في هذا الكتاب الذي يعد سجلاً تاريخياً لأحداث عاشتها المملكة العربية السعودية.
منيرة السعران

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved