Wednesday 4th December,200211024العددالاربعاء 29 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

موسم الهجرة إلى الجنوب موسم الهجرة إلى الجنوب
يوسف الحجيلان

إن من السنن الكونية النافذة الإدالة للقوي وعليه وألا تبقى الدنيا جامدة حكراً في يد أناس دون غيرهم.
وكنتيجة لتغير وجه التأريخ بعد 11/9 ما عادت أعناق الملأ تشرئب إلى علم الإحدى وخمسين نجمة أو تأمن الستي بنك وتتابع مؤشر بورصة نيويورك .فكلمة تجميد واحتجاز ومصادرة شبح يرعب كل من يحمل سندات إيداع أمريكية أويضارب في منهاتن .
وبردة فعل عكسية بدأت حاويات الملايين تنقلها إلى حيث المفترض أنه بر الأمان... وبالطبع ليس البلد الأصلي فبين يوم وليلة أصبح المليارديرات من أبناء الجنوب كابن آدم القاتل يحملون أموالهم على ظهورهم تتجاذبهم خيارات ليس أسوأها بلد المنشأ الذي طالما اعتبر ملاذا غير آمن أو سوقا غير مغرية أو غير ذلك من عبارات التنصل من الواجب القومي وحق المسحوقين في فتات خبز عجن طحينه بعرقهم ؛ ولعل هذا هو السر وراء شماتة الملايين من فقراء الجنوب.
وكونهم غير آسفين ولا محزونين لما صار إليه واقع المترفين ممن ظلت أموالهم ولعقود تسقي شجرة الرفاه الأمريكي.
بل لا أبالغ إن قلت إنهم يعتبرون ما حل بهؤلاء عقوبة معجلة لما جروه على بني جلدتهم من فقر وتخلف ولما فتحوا من أبواب ومنافذ تفر من خلالها خيرات الجنوب لتروي مزارع الشمال وكأن لسان الحال يقول لنعش وليأت بعدنا الطوفان.
والحق أقول: هل المعادلة بهذه البساطة وهل القضية بهذا الوضوح. وهل أرباب الملايين فعلا كانوا يريدون الفرار بأموالهم. وهل جنايتهم غير مبررة.
أم أن هناك واقعا يفرض نفسه وأن خيارهم هو المر بالنسبة لهم إن شريان العمل الاقتصادي هو الاستقرار فهو عنصر أساسي من عناصر اللعبة وعامل من عوامل الأمان التي يفتح توفرها شهية المضاربين ويدفع بهم إلى حيث المحافظ التي يرغبون من خلالها في تنمية رؤوس الأموال ورفع مؤشرات الأرصدة.
وكلمة استقرار .. وإن كانت ذات أبعاد متعددة لكن قواسم أبعادها مشتركة وشبه متفق عليها.
فالاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني والنظام الاقتصادي ووضوح الرؤية الإدارية والقضائية كل ذلك استقرار ومطلب لخلق بيئة قابلة لنمو رؤوس الأموال وضمان العمل من خلال مسالك آمنة من قطاع الطريق ومن يضرب على وترهم.
وهناك قوائم أسئلة من خلال الإجابة عليها يمكن الحكم ومن خلالها يمكن التصور للواقع :
فهل أرباب المال قادرون على العمل بحرية في بلادهم تماثل الحرية الأمريكية؟
هل هم قادرون على جعل القانون هو سيد اللعبة في كل الأحوال ؟
هل القضاء قادر على إنصافهم عند الضرورة ؟
فلم تكن سوق البلد الأصلي أو مكامن أرضها وخيراتها في يوم من الأيام هي المشكلة إذ هم أعلم بما تكنه أرضهم وبقدرة سوقهم على المنافسة والاستهلاك لكن خوفهم من الغوائل هو السر وراء هروبهم إلى حيث الأمان المنشود.
لقد تعاقبت على العالم العربي مثله في ذلك مثل أي دولة في العالم الثالث عدد من الأطروحات والفلسفات الاقتصادية ذات الأبعاد السياسية غير المأطرة بنظام واضح يمكن أن يلجأ إليه في حال الضرورة.
الأمر الذي لم يسمح لجلها بأن ترى النور أو رأته وماتت بين يدي القوابل .
فالاشتراكية والوحدوية والثورات التنموية وفلسفات من الأحق بخيرات الأمة والوطن ومحاربة النفعية والفساد وقوائم من التقلبات في مناخ السياسة جعلت عوامل الأمان في كثير من رقاع الخارطة إن لم تكن منعدمة فهي إلى حد كبير ضعيفة عند جل إن لم يكن كل المضاربين وأرباب رؤوس الأموال من أبناء ذلك العالم إنها بحق قضية محكمتها يمكن تحديد أقطابها لكن يستحيل الحكم في عالمها ...إلا أنه وبعيدا عن البحث عن كبش فداء للمعضلة ... نقول :هل الهجرة العكسية هذه يمكن أن تكون بارقة أمل لإنعاش الاقتصاد المترنح بين الضعف الشديد والموت في عالمنا الثالث أم لا تعدو أن تكون مجرد تبديل لمواقع أحجار الشطرنج فراراً من العالم الغربي الأمريكي إلى العالم الغربي الأوربي.
ألا يمكن أن تكون الأنظمة الاقتصادية العالمية الجديدة وفلسفات الجات سببا يمكن المراهنة عليه عند أرباب المال من أبناء الجنوب لحماية أموالهم في بلادهم يوم عجزت أممهم عن وضع آلية الحماية الكافية.
لقد بحت حلوق المصلحين من أبناء الجنوب ولعقود خلت داعية إلى إصلاح شامل وتغيير واضح وبرسترويكا تعطي بارقة أمل لبني جلدتهم بنهضة اقتصادية وللهاربين ببيئة استثمارية فيشبع الأول ويكتسب الثاني لكن يبدو أنه ولا رجع الصدى يجيب.
إن المعركة القادمة معركة اقتصاد فلا صواريخ ولا دبابات بل مؤشرات وتعاملات وبورصات وليست حرب النمور السبعة منا ببعيد ثم ها هي دوائر صناعة القرارالأمريكي تعلن حالة الاستنفار كلما تبين خلل في ميزان التبادل التجاري الأمريكي والعالم الآخر ... وتلك السوق الأوربية واليورو ومعركتهما مع الدولار هم الشغل الشاغل للإعلام الاقتصادي وهذه متابعة سوق الأوبك بل وحتى بورصة الكاكاو والبن شعائر يؤديها العشرات من هوامير الاقتصاد وعلى كل المستويات.
فلئن كان هناك ناقوس خطر أو صعقات كهربائية تعيد الإحساس والعمل لقلب الأمة وإدراكها فلا أعظم من هذا.
فلتخلق ظروف العمل الاقتصادي الجادة ولتدفن النفعية والأنانية ولتحرر الأنظمة من عوامل الطقس وبعدها يمكن الحكم والإدانة وإنزال العقاب.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved