Wednesday 4th December,200211024العددالاربعاء 29 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

دفق قلم دفق قلم
تهمة التعقيد (2)
عبدالرحمن صالح العشماوي

قال لي صاحبي: إنني أعاني من تعقيد مديري في العمل، وحينما سألته: لماذا يعتمد مديرك أسلوب التعقيد معك؟؟، قال دون تردد: لأنه هو معقد بطبيعته، قلت له: كيف؟! شرح لي بعض جوانب التعقيد عنده، قال صاحبي: يا أخي هذا الرجل يصر على أن يكون كل موظفٍ على مكتبه مع أوّل دقيقة من بداية ساعة الدوام، ولا يرضى أن يخرج الموظف من مكتبه لقضاء بعض الحاجات الضرورية، ولايمكن ان يسمح لنا بالخروج قبل الساعة التي ينتهي فيها الدوام، ويشدد علينا في مسألة استخدام الهاتف، ويتدخل في مكالمات الجوّال، ويمطرنا بين الحين والآخر بنصائح يضيق بها الصدر، عن أمانة العمل وعدم جواز الإهمال فيه، أو اختلاس شيء يسير من وقته، وينهى نهياً قاطعاً عن تجمُّع بعض الموظفين في أحد المكاتب للحديث مع بعضهم قليلاً، إنه معقَّد وكفى.
قلت لصاحبي -مبتسماً -: هكذا أصدرت عليه الحكم الذي لا رجعة فيه؟ الحكم الصارم «إنه معقَّد وكفى»؟، قال لي: ماذا تسمي هذه الأمور التي قلتها لك؟ إنها «التعقيد بشحمه ولحمه، يا صاحبي.
قلت له: أنا لا أسميها تعقيداً وإنما أسميها «نظاماً»، هنا ثارت ثائرة صاحبي، وقال: نحن أدرى بالنظام، لقد عرفت هذا النظام واحترامه قبل ان يعرف مديري في العمل معنى الوظيفة، النظام يدعو إلى المرونة وعدم التعقيد.. وانطلق في حديثه دون أن أعترض عليه، فلما انتهى قلت له: على رسلك يا أخي، فنحن لسنا هنا في قاعة محكمة، ولا في جلسة قانونية، وإنما نحن في جلسة أخوية، تطرح أنت فيها معاناتك في العمل وتتحدث عنها بكل حرية وانطلاق، وأنا سعيد بذلك، فإنما المرء بإخوانه، هَوِّن عليك الأمر، وخفِّف من الانفعال، وتعال معي نناقش الأمر بهدوء حتى نصل إلى الحقيقة.
هدأ صاحبي، وضحك وهو يقول لي: صدقت، هات ما لديك.
قلت له: بل أريد منك أن تقول كلَّ ما ترى أنه تعقيد من مديرك في العمل.
قال: لقد ذكرت لك كل شيء تقريباً.
قلت: هل الرجل قاسٍ في تعامله الشخصي معكم؟ قال: كلا فهو شخص هادئ طيب الكلام حسن التعامل - خاصة حينما أزوره في منزله أو يزورني، أو نخرج مع الزملاء في رحلة جماعية.
قلت: هل آذاك بكلمة نابية، أو تعمد الإساءة إليك؟ قال صاحبي: لا والله، بل هو رجل ملتزم دينياً، ورائع أخلاقياً، وله وقفات إنسانية مع الجميع، قلت: هل يطالبكم بالانضباط في العمل ولا يطبقه؟ قال: كلا، المشكلة أنه يحضر قبل الجميع ويخرج بعدهم، قلت: هل شعرت أنه يحاول أن يعطل أي ترقية أو مكافأة عمن يستحقها من الموظفين؟ قال: هذه المسألة بالذات نشهد له بالحرص على مصالح الموظفين فيها.
قلت لصاحبي: ألا ترى أن هذا الشخص الذي نتحدث عنه الآن غير ذلك الذي حدثتني عنه في بداية كلامك؟؟ قال - متسرعاً-: كلا إنه هو.
قلت: أما أنا فأقول: لا ليس هو، نحن الآن نتحدث عن شخصين مختلفين، أحدهما معَقَّد - في رأيك-، والآخر نظامي سمح خلوق - في رأيك أيضاً - هنا فطن صاحبي لما أردت وسكت، فقلت له: يا أخي الكريم مشكلتنا في استخدام المصطلحات وتشويه الحقائق ونحن لا نشعر أحياناً.
مديرك غير معَقَّد يا صديقي، ولكنه منَظَّم جاد في عمله، وشتان ثم شتان بين الكلمتين أيها الموظف العزيز، ابتسم صاحبي وقال: صدقت، ولكنَّ تيسير الأمور مطلوب لتحقيق الانتاج، قلت: وأنا معك في هذا، ولكن بشرط مهم وهو: ألا يتحول التيسير إلى «انفلات وإهمال».
إشارة
يقول الشاعر:


تقول: هذا مُجاج النّحل تمدحه
وإنْ تَعِبْ قلتَ: ذا قيءُ الزنَّابيرِ

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved