Wednesday 27th November,200211017العددالاربعاء 22 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

العلاقات السورية العراقية: العلاقات السورية العراقية:
مستقبل الأمن الإقليمي

* دمشق عبدالكريم العفنان:
فيما تتناول الصحافة العالمية جملة من السيناريوهات حول مستقبل العراق، فان الادارة الامريكية لاتزال تشكل مناخا للحرب عبر حشد القوات، او التحركات لوحداتها العسكرية البحرية على وجه الخصوص، فالأمم المتحدة التي وضعت صورة لنهاية الأزمة العراقية، لم تستطع تشكيل هدوء او ازاحة القلق عن المنطقة، بل ربما اوجدت مخرجا مؤقتاً لحرب ظهرت وكأنها الحل الوحيد لشبح المعارك، ثم جاء القرار 1441 ليرسم احتمالات تحولات اقليمية لاتطال العراق فقط، بل ربما كافة دول المنطقة، خصوصا ان هناك جملة من السيناريوهات التي تم رسمها للمستقبل، فإذا كان القرار بذاته لايحمل بوادر لتحولات خطيرة في المنطقة، إلا ان الظرف الذي احاط به رسم نقاطا فاصلة مابين الحرب والسلام في الشرق الاوسط، وأوضح ان النظام الدولي، والسياسة الامريكية على وجه التحديد، تملك اولويات في ترتيب خارطة الشرق الاوسط بشكل يمحو اخفاقها الاستراتيجي في فرض سلام على مستوى الصراع مع اسرائيل، لكن الشيء الأساس ان هذا القرار جاء في مرحلة بدأت تتضح فيها صورة لعلاقات اقليمية جديدة، حيث اتسمت بالانفراج الذي انعكس على مجمل الاوضاع الاقتصادية والسياسية، وربما كان لتصويت سورية على القرار 1441 مؤشرا على درء مخاطر التحولات القسرية على الجيوستراتيجية للشرق الاوسط، فقراءة العلاقات الاقليمية للمرحلة القادمة، وبالتحديد العلاقات السورية التركية العراقية، تنطلق اساساً من التكوين الذي ساد دول المنطقة في نهاية القرن العشرين،وبمعنى ادق فان السياسات المحلية لكل دولة لم تعد مجال صراع، انما حلت آليات تقنية لإرساء وضعية استقرار عام رغم التوترات الخاصة بكل من العراق وفلسطين، وبالامكان تحديد مفصلين اساسيين في التكوين السياسي ساعدا على بلورة هذا النوع من العلاقات، فهناك بالدرجة الأولى التخلي عن مفهوم الدور المحوري لأي دولة في المنطقة، وذلك على حساب «الترتيب السياسي» الذي يضمن شبكة علاقات اقتصادية بالدرجة الأولى، يتأسس عليها لاحقا مجموعة من المصالح السياسية المشتركة.
وساعد على تحقيق هذا الامر وضعية العالم الجديد التي انهت حالة الحرب الباردة، وجعلت تركيا تسعى لدور اقليمي جديدة من خلال التوجه نحو اوروبا وبناء قاعدة اقتصادية اقليمية، تعينها على الانخراط في الوحدة الاوروبية، كما كان لحرب الخليج الثانية دور ايضا عبر تحييد دور العراق الاقليمي، الذي كان في الثمانينات يملك بعدا خليجياً وآخر متوسطياً، ومن جانب آخر كان لمشروع السلام الذي انطلق في مدريد وتعثر لاحقا، اثرا واضحا ايضا في ظهور منهجية جديدة لطبيعة العلاقات داخل الشرق الاوسط، حيث اطلق الرؤيا على احلام متعددة بما فيها «الشرق الاوسط الجديد»، وكان لابد لدول المنطقة من اعادة رسم سياساتها بشكل يحصنها من جهة، ويساعدها من جهة اخرى على مواجهة التحديات والانخراط في النظام الدولي ككل.
اننا نستطيع النظر الى محطتين في التشكيل الجديد السياسات في المنطقة، ففي البداية كانت هناك العلاقات السورية مع كل من تركيا والعراق، واذا كانت العلاقات السورية التركية مؤهلة وفق المعطيات الحالية لمزيد من التطور، فإن منحى العلاقات السورية العراقية يطرح اليوم مزيدا من اشارات الاستفهام حول مستقبلها في ظل احتمالات مفتوحة للحرب والتغيير، ومن الطبيعي ان يقلق التوازن في العلاقات الاقليمية اسرائيل، التي لعبت سابقا وبشكل فعال على تناقضات المنطقة، ووصلت الى التعاون العسكري والقيام بمناورات مشتركة مع تركيا، وهذا التوازن في العلاقات خصوصا بين تركيا وسورية وصل وفق الظرف الحالي الى نقطة الامان، فمن الصعب العودة باتجاه الوراء لأن كافة المعطيات تبدلت، ولكن تغيير المعطيات مازال واردا في حال اي تبديل عنيف في العراق يحيي المشاريع القديمة في التقسيم او ضم بعض اجزائه الى دول اخرى، لذلك فإن الحساسية الاساسية تأتي من طبيعة العلاقات السورية العراقية وآفاقها في ظل قرار مجلس الأمن الأخير.
دمشق واحتمالات المستقبل
تحاول بعض التحليلات تصوير مخاوف سورية من احتمال ضرب العراق، وكأنها قلق من تغيير قادم سيطال سورية ومواقفها السياسية، لكن قراءة هذا الموضوع أعقد من مجرد مخاوف على الاستقرار السياسي السوري، لأن دمشق تجد ان الوضع الاقليمي هو الشأن الاساسي، فالأمن لايمكن رسمه في ظل توتر حاد كالذي يحدث اليوم، من الملاحظ ان كلا من دمشق وبغداد تجنبتا خلال العامين الماضيين اثارة اي مسألة سياسية اقليمية، فحتى موضوع المياه والذي شكل سابقا احد محاور التوتر، بقي منسيا وتم التركيز على مسألة الحصار وتطوير العلاقات الاقتصادية، وحتى مع صدور القرار 1441 لم يتحول الخطاب السياسي للبلدين نحو محاور جديدة، ورغم توقعات بعض المحللين بان العلاقات السورية العراقية ستدخل مرحلة من التأزم «الصامت»، لكن المؤشرات حتى الآن لا توحي بمثل هذا الامر وذلك لجملة من الاسباب تأتي في مقدمتها فهم البلدين لطبيعة الحرب التي يمكن ان تنشب، فسورية في رفضها لأي تدخل عسكري في العراق لاتنطلق اساساً من مسألة شرعية اسقاط النظام السياسي بالقوة، انما من رفضها لاحداث تغيرات في الجغرافية السياسية بالقوة، وهو امر سيؤدي الى انهيار عام في كافة البنى السياسية للمنطقة، كما سيشكل بداية الدخول في مفهوم الشرق اوسطية الذي طرحته اسرائيل في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كما ان سورية، وتركيا ايضا، تدركان انهما في صراع مع الزمن لرسم خارطة اقتصادية للمنطقة، تكون بمثابة الحل لجملة المشاكل التي تواجهما في التعامل مع حالة العولمة القائمة اليوم، وأي حرب او تبدلات عنيفة لن تساعد في رسم هذه الخارطة، ويبدو ان الشكل الطبيعي للتعامل مع هذا الظرف المعقد سيكون عبر آلية «درء المخاطر»، لأن قوة النظام الدولي أكبر بكثير من اي سياسة اقليمية، من هنا جاء التطور السريع للعلاقات الاقتصادية السورية العراقية، والسورية التركية، كما ان الوضع بعد القرار 1441 ليس مؤهلاً لأي تبدل في حال عدم توفر الشرط المادي للضربة العسكرية، وهذا الوضع المعقد ايضا يفسر ازدواجية العلاقات السورية مع بغداد ومع المعارضة ايضا، ففي ظل سياسة درء المخاطر ليس هناك مجالا للمفاجآت، بل لا بد من التعامل مع كافة المعطيات بنفس الدرجة من الاهمية، فسورية لها علاقات تاريخية مع المعارضة العراقية، لكنها تتعامل معها اليوم بشكل مختلف، لأنها لاتريد من هذه المعارضة ان تمارس ضغطا على بغداد، بل تسعى لأن تكون محور التوازن والضمان لعدم حدوث مفاجآت تكون مقدمة لإحداث تبدلات عنيفة في الجغرافية السياسية.
الضغوط الدولية والعلاقات الاقليمية
مع عدم وجود مؤشرات ازمة للعلاقات السورية العراقية، إلا ان كافة المحللين يخشون استباق الامور في هذا الموضوع، خصوصا ان بغداد اليوم مشغولة في التعامل مع قضية المفتشين وحساسية صلاحيتهم، وهذا يعني ان العلاقات السورية العراقية، والاقليمية عموما، لايمكن ان تستمر بنفس الآلية، بل لابد من تكييفها مع المستجدات الحاصلة ولو بأقل الخسائر، فالضغوط الدولية هي في النهاية محاولات لتحقيق مصالح الدول الكبرى داخل العراق، فما تم بناؤه خلال السنوات الماضية من تبادل تجاري واستثمارات واتفاقيات بين العراق وسورية ربما لايشكل الكثير من طموح الولايات المتحدة في تعاملها مع الاقتصاد العراقي مستقبلا، لكنها في نفس الوقت لاتريد السماح بظهور مثل هذه الاتفاقيات خارج السياسات المرسومة دوليا، لكن المهم في محاور العلاقات السورية العراقية هي اهتمامها بطبيعة النظام الاقليمي، وهو ماسيؤدي في المستقبل الى خلق نوع من التعارض مع سياسة الولايات المتحدة، واذا كان العراق اليوم على خطوة من الحرب، فإنه قادر ايضا على تشكيل منحى جديد، بغض النظر عن النظام السياسي القائم، وبشكل يضمن التوازن الاقليمي، وهذا ما تريده سورية في آلية علاقاتها العامة مع العراق، فالتبادل التجاري لن يؤثر كثيرا في اقتصاديات البلدين، انما اشكال الاستقرار التي يمكن وضعها هي التي سترسم ملامح المستقبل، ومما لاشك فيه ان التجربة الاخيرة اثبتت ان البلدين قادران على التأثير في مجمل الشرق الاوسط، وإرساء استراتيجية للاستقرار بغض النظر عن السياسات المحلية لكل منهما، ومن هذه الزاوية تبدو اهمية المرحلة الحالية وخطورة التحول الذي فرضه القرار 1441 فالتعامل المستقبلي سيعتمد بدرجة كبيرة على نجاح سياسة «درء المخاطر» التي تنتهجها الحكومات حاليا لإبعاد شبح الحرب عن المنطقة.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved