حلقات أعدها : سليمان الأفنس الشراري
الجفيرات من أوائل القرى التي هجرها سكانها وعادوا إلى الترحال في أطراف الوادي.
حينما يهب النسيم الشمالي يعاودنا بعبيره المعبق بأرياحه الجميلة بالشيح والقيصوم والنفل والبختري أو كلما اطرب اسماعنا ذكر مدينة شمالية.
وها هي طبرجل التي تلبس اليوم بأجمل حللها الطبيعية بين أجمل ما يكون من جبال شم وأودية عظيمة وشعاب جميلة.
لقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن طبرجل النشأة وكيف أن المستحيل أصبح ميسرا بعزيمة المخلصين في هذا الوطن وكيف كان عطاء الدولة لمواطنيها وبذلها الغالي في سبيل أن ترسم استراتيجية بعيدة المدى لا تسرع فيها ولا انفعال بل ان رؤية بلادنا رؤية ثاقبة بعيدة الرؤى ومخلصة الهدف والسريرة فحققت المستحيل بل المعجزات وطبرجل احداها فتوطين شريحة كبيرة لم تمارس التوطن والبقاء في مكان واحد منذ آلاف السنين أمر يحتاج إلى صفحات وصفحات قد تطول..
وفي هذه الحلقة سنتطرق إلى مرحلة تعريفية جديدة لنشأة طبرجل وكيف سارت..
كان للقحط الذي ألم بالبدو الموجودين في منطقة وادي السرحان بين عامي 1377 - 1379هـ، أثره البالغ في نمو طبرجل وتطورها، فحينما اجدبت الأرض ونفقت كثير من الماشية والابل نتيجة لوباء حل بها، وهي الثروة الأساسية لحياة قبيلة الشرارات في منطقة وادي السرحان.. كان ذلك دافعاً قوياً لإبراز رغبة افراد القبيلة في التوطن والاتجاه للزراعة، وكانت فرصة عظيمة للشيخ عاشق اللحاوي في نهج ما نهجته القبائل الأخرى بالهجر والاستيطان، وعزز هذه الرغبة لدى افراد القبيلة احساسهم بأن المعونة النقدية التي صرفت لهم لتعويض ما أصابهم.. لم تكن سوى حل مؤقت لما أصابهم من القحط ولم يكن أمامهم سوى اختيار الاستقرار والتوطن والاتجاه للزراعة.
وقد كانت لهم تجربة قبيل عامي 1350ه وعام 1352ه حيث نجحت تجربة فئة منهم في الاستقرار والهجرة في قرى بوادي السرحان منها الجفيرات وعين البيضاء بدعم من الملك عبد العزيز الذي شجع رحمه الله أولئك الذين انفردوا بتلك الهجر بشكل انفرادي وكانت تجربتهم ناجحة في استصلاح الأرض وزراعتها والبناء والاستقرار وحل كثير من مشاكلهم التي تواجههم في الترحال والتنقل في ارجاء الوادي أوالمراعي المحيطة به.
مشروع التوطين
بعد ذلك قدمت لحكومة المغفور له جلالة الملك سعود بن عبد العزيز عدة اقتراحات تهدف إلى اقامة مشروع توطين البادية بوادي السرحان، بحيث توزع عليهم الأراضي الزراعية والسكنية في اماكن محددة تتوافر فيها الخدمات الأساسية بما يسمح بإيجاد مجتمع زراعي مستقر، وقد لاقت هذه الفكرة استحسان جلالته رحمه الله، فوافق عليها، وبالفعل اقرت الحكومة تنفيذ مشروع لتوطين سكان البادية في وادي السرحان.
وكان الهدف من هذا المشروع هو ترغيب افراد البادية بالاستقرار في حيازات زراعية وانصياعهم للاعمال الزراعية، وبالفعل قامت الزراعة في عام 1381هـ، بالبدء في تنفيذ المشروع على نطاق متوسط، وتوسعت فيه في عام 1382هـ، وكانت أهم الخدمات التي تقدمها بصورة مجانية: تأمين مياه الشرب لأفراد البادية ومواشيهم، وتقديم الآلات الزراعية اللازمة للعمل في الهجر الزراعية، تقديم تقاوي القمح والشعير، وتقديم موتورات ومضخات سحب المياه السطحية لري الزراعات.
وتم تأليف جهاز كامل وإعداده من المهندسين والفنيين والعمال للقيام بتنفيذ المشروع والاشراف عليه.
والمحاصيل الناتجة من هذا المشروع التي يجنيها أفراد البادية هي خالصة لهم.
وقد نفذ المشروع في منطقة وادي السرحان على عدد من الهجر بلغ عددها 14 هجرة هي: النباج ، طعيس الملعب، الميسري، طبرجل، قليب خضر، جماجم، الناصفة، غطي، النبك أبو قصر،شيبة، العيساوية، أويسط، صديع، والحصاة.
ومن الجدير بالاشارة إليه هنا أن المواقع الأربعة عشر التي شملها المشروع في وادي السرحان، منها تسعة مواقع من منطقة طبرجل وتوابعها، أي أن طربجل كانت المقصد الأول في هذا المشروع، وكذلك استفادت منه وأهلها الاستفادة القصوى، وكان ذلك من أهم العوامل التي ساعدت على نمو مدينة طبرجل وتطورها.
وقد عززت من ثمار هذه الجهود، مقابلة كثير من المواطنين لهذا المشروع بالتجاوب والحماس حينما أقرته الحكومة، وإن تعثر الأمر في بدايته، نتيجة لاندفاع البدو إلى أماكن متفرقة من الوادي، مما أدى إلى تبعثرهم في عشرات القرى والهجر على امتداد وادي السرحان، مما صعبت على الدولة خدمتهم، ومساعدتهم، بالشكل المطلوب، ولذلك تقهقر المشروع في تلك المرحلة ولم يؤت ثماره المطلوبة.
ولما لم يكن هناك بد من ضرورة اتمام المشروع، وأمام اصرار الحكومة على ضرورة انجاح هذا المشروع، كان البحث يتم تخصيصه كمحطة رئيسية لهذا المشروع، ويكون مكانه الصحيح.. وسرعان ما حصل اتجاه لتخصص طبرجل لهذا الغرض، فليس هناك مكان أنسب منها، حيث تعد أهم منطقة زراعية في الوادي، تتوافر فيها المياه، والتربة الخصبة الصالحة للزراعة.
وهنا أقبل المواطنون من بادية تلك المنطقة على التجمع بها وبالمناطق التابعة لها واقبلوا على الزراعة والاستثمار فيها بهمة ونشاط، ولهذا سلكت طبرجل سبيل التطور السريع، والعمران الحضاري، وذلك بدعم من الحكومة الرشيدة.وبموجب هذا المشروع، تم تمليك عدد كبير من المواطنين اراضياً زراعية، وتم توطينهم فيها،وبتقديم العون المادي، والمعنوي لهم، تم تشجيعهم على الزراعة والاستثمار حتى أصبحت طبرجل الآن مدينة ذات أهمية زراعية وتجارية وتوطنية قصوى، نظراً لتوسطها وادي السرحان، وامتيازها بالموقع، اضافة إلى خصوبة تربتها، وجودة الزراعات المختلفة بها، وأيضاً بسبب وفرة مياهاها وقلة تكاليف استخراجها.
حاضرة الوادي
كذلك أصبحت طبرجل حاضرة الوادي بلا جدال، حيث يوجد فيها أكثر سكان الوادي بعد الجوف والقريات، وتتوافر فيها جل الخدمات الحكومية، حيث تهيىء لها أهم عوامل التقدم والأخذ بأسباب الحضارة والرقي.
وكان من العوامل للمهمة التي ساعدت على نمو هذه المدينة، وقوعها على الطريق المعبد الرئيسي الذي يربطها بمنطقة القريات فالأردن، أي أنها منطقة استراتيجية حدودية وكبوابة شمالية للبلاد - من جهة الجوف والمدن الأخرى في وسط المملكة وغربها من جهة أخرى، وهنا يجب لفت الانتباه لشيء مهم، وهو أن الحياة الاجتماعية في السنوات الأخيرة في بلادنا، قد طرأ عليها تغيير مفاجئ، إذ قامت الدولة بامداد السكان المستقرين في القرى بإعانات متنوعة بحسب عدد السكان وعدد قراهم، فتهافت أهل البادية على موارد المياه، فعمروا ما استطاعوا عمرانه منها، واتخذوها قرى لهم، وقد اتسموا عليهم الحياة، فيعودون الى حياة البداوية زمناً، حتى تطيب لهم الاقامة في قريتهم فيرجعون إليها، ولهذا فإن كلمة قرية تطلق على أماكن كثيرة من هذا النوع حينما يكون ساكنه من القبائل التي لم تستقر بعد.
ولما كان السكان الذين تجمعوا في طبرجل، وقد استقروا بالفعل فيها، واستدامت حياتهم بها دون ترحال أو هجر في أوقات محددة، حتى الآن، فقد جعل ذلك من طبرجل مدينة عامرة تنعم بكل وسائل المدينة والحضارة، وكان ذلك من أهم العوامل التي ساعدت على نمو مدينة طبرجل وتطورها.
وتعيش مدينة طبرجل عصرها الحالي تفاعلاً حضارياً طيباً، مع متطلبات الحياة شتى في جميع وجوهها، بحكم ما تنعم به هذه البلاد من خير ونعمة، وبما من الله به عليها من حكومة رشيدة واعية، فمكن لها ذلك، أن تدعم مسيرتها الحضارية نحو البناء والازدهار، لجميع مقومات النهضة، سواء كانت اقتصادية أو زراعية أو اجتماعية أو ثقافية، مستفيدة بذلك من كل الدعم الذي توليه الحكومة لها كغيرها من المناطق، وحققت بذلك مستويات مرضية لا بأس بها،في عدد كبير من وجوه حياتها.
حتى أصبحت طبرجل حاضرة وادي السرحان، وأهم مناطقه من حيث السكان والمساحة، واحتضانها الكثير من الإدارات الحكومية الرئيسية في الوادي، التي تمارس من خلالها مهامها الوطنية لخدمة المواطنين، وتلمس توفير مستلزمات شؤون حياة أهلها.والحقيقة ان هذا التطور والتأقلم والتفاعل الحضاري، ما كان لينجح مقصده وتتم مساعيه دون ما قدمته الحكومة الرشيدة، من جهود سخية، وتشجيع مستمر، على نجاح هذه المسيرة، في عهد الخير والبناء عهد التنمية والازدهار.
الفوسفات بأرض طبرجل
واذ كانت تربة طبرجل قد جادت في المجال الزراعي نتيجة لما تتمتع به من مواصفات التربة الجيدة فإنها ما زالت تحوي مخبوءات هائلة تحت رمالها فقد أثبتت البحوث والدراسات والاستكشافات المعدنية وجود ثروة هائلة من خام الفوسفات في المنطقة وبكقصر ابن سمحان بعين
البيضاءمية اقتصادية وفيرة مما سيجعل
الاستفادة منه مثمرة ان شاء الله في كل المجالات مستقبلا.
وكانت التربة في المنطقة سبق ان خضعت لسلسلة من عمليات البحث والتنقيب والدراسة والبحوث التي يقوم بها قسم الجولوجيا بجامعة الملك فهد للبترول في الظهران تحت اشراف اساتذة متخصصين.
الطرق والمواصلات
تلعب وسائل الاتصالات بصفة عامة دوراً مهماً وبارزاً في حياة الأمة، وفي ضمان تقدمها وتطورها.
فالمواصلات بمختلف أنواعها وبوسائلها المتعددة تؤدي خدمات جليلة في النمو والازدهار الحضاري والتقدم البشري، فكل ما في العالم اليوم من رواج في التجارة وتقدم في الزراعة.
وتطور في الصناعة، انما يرجع لعامل المواصلات الذي يربط الشرق بالغرب، والجنوب بالشمال حتى غدا العالم المترامي الاطراف كقرية صغيرة، وأصبح سكانه كأفراد أسرة واحدة.
وفي هذا العصر الذي أطلق عليه عصر الاتصالات، حيث التقدم الهائل في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية وامتداد شبكات الطرق السريعة، هذا الذي حدا بالعالم لأن يعيش سكانه الحدث في وقته، فالحدث يحدث في أي مكان من أرجاء المعمورة ينتقل في اللحظة نفسها الى كل بلاد العالم بواسطة شبكات الاتصالات الالكترونية المتقدمة.
والمملكة العربية السعودية بما حباها الله من نعم وسعة رزق وبما حباها الله من قيادة رشيدة، سخر كل امكانياتها لتجعل هذا البلد بين مصاف الدول العظيمة التي تستفيد اعظم استفادة من معطيات التقدم التكنولوجي والالكتروني المعاصر، ولذلك فقد كرست المملكة جهوداً عظيمة لامداد شبكات الاتصال عبر اراضيها لتربط المملكة ببعضها وببقية دول العالم، سواء كان ذلك عن طريق المواصلات السلكية أو اللاسلكية أو عن طريق شبكات الطرق الممدودة عبر اراضيها.
والمملكة في سعيها لتحقيق أهداف التنمية الشاملة المرجوة، وضعت ذلك نصب أعينها، وكذلك رصدت مبالغ هائلة، ووضعت الخطط الرشيدة لتعميم الاتصالات بكل أنواعها.
ومنطقة الجوف هي احدى مناطق المملكة التي برزت فيها بوضوح جهود الحكومة الرشيدة في هذا المجال، حيث تم ربط المدن الرئيسية بالمنطقة ببعضها عبر طرق سريعة، كذلك تم ربط بعض القرى والهجر بواسطة طرق معبدة والباقي قيد الدراسة لاتمام سفلتتها.
وقد استفادت مدينة طبرجل بدورها من هذه الجهود السخية للحكومة في هذا المجال اقصى استفادة من حيث تم الربط بينها وبين كل من القريات في الشمال والجوف وسكاكا في الجنوب عبر طريق مسفلت سريع قامت بتنفيذه مؤسسات وطنية، وتم ذلك على مرحلتين:
الأولى: كانت في عام1401ه حيث تم ربط طبرجل بمدينتي سكاكا ودومة الجندل وهما مدينتان رئيسيتان في الجوف - بواسطة طريق معبد طوله 240 كيلو متراً.
والثانية: كانت في عام 1402هـ وفيها تم البدء في مشروع ربط طبرجل بالقريات عبر طريق معبد طوله 140 كيلو متراً وانتهى العمل فيه في نهاية عام 1404هـ.
وبذلك اصبحت طبرجل ممراً ومعبراً يقصده القادمون من الشمال لداخل البلاد خاصة حجاج بيت الله الحرام، واختصرت عليهم بذلك مسافة أكثر من 500 كيلو متر، كانوا يقطعونها في الحر قبل امداد هذا الطريق.
|