Thursday 21st November,200211011العددالخميس 16 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

وها هو ذا السمطي مرة أخرى: «يطحن ماءً»! وها هو ذا السمطي مرة أخرى: «يطحن ماءً»!
د. عبد الله بن أحمد الفَيفي

أشفقت - والله - كثيرا على السمطي وهو يعرض على الناس نفسه هكذا في عدد الخميس الماضي 9 رمضان، ومنذ نعومة اظفاره. لقد ظن الرجل ما كتبته عن ممارساته التي كان يود ان تُكتم عليه - استهدافا شخصيا، فذهب يكيل الشتيمة التي دبّجها يراعه على طريقته المدربة الخاصة، والتي اشهد انه قد اجتهد اجتهادا لو بذله فيما ينفعه وينفع الناس لكان خيرا له وللقراء. ثم اشفقت عليه مرة اخرى لأنه ظن نفسه شيئا مذكورا، فذهب يستخف بالقراء اذ يذكّرهم بانجازاته منذ نعومة الاظفار الى خشونتها، في اسلوب انفعالي دفاعي بائس.
إن ما كتبه السمطي وثيقة تدينه وتكشف عنه بعض ما لم يكن قد انكشف بعد، بوصفه نموذجا للنقد العربي المنحدر الى هذا المستوى المسفّ، لغة وطرحا. ذلك النمط الذي كانت قد بدأت مدرسته منذ نعومة اظفار القرن العشرين، ومع مدرسة الديوان، وما ادراك ما مدرسة الديوان! يوم ان ادار العقاد والمازني دفة ايامهما مع عبد الرحمن شكري والمنفلوطي وشوقي، فلم ينتج ذلك قط سوى اجترار ايام العرب، بتناحر ابناء العم على الماء والكلأ والخيل والنياق، وبمنطق «الجهل فوق جهل الجاهلين». وكانت الصحافة الناشئة يومئذ تغذي تلك النعرة الجاهلية وتلك النعرة تغذيها، في مصالح متبادلة ذميمة. وها هو ذا السمطي جاءنا اليوم مع مطالع القرن الحادي والعشرين يصدّرها الينا، كحفيد بار من فلول تلك المعارك «الدونكيشوتية».
لقد فشل السمطي هذه المرة ايضا في ان يستوعب نفسه على انه مجرد نموذج لظاهرة، فأخذ يدافع عن نفسه كشخص، ويكرر علينا رغم انه لا يحب التكرار اسمه وامجاده. ولا حول ولا قوة الا بالله. دعوة السمطي إذن الى ادارة ملاحاة بيننا من هذا النوع الخاص جدا الذي لا يحسنه الا هو ورصفاؤه غير مستجابة. وانما اعيد الكرة ها هنا لأعتذر اليه والى القراء الكرام في اني كنت قد استسمنت ذا ورم، فأصر هو الا ان يثبت على الملأ خواءه الا من اسلوب اترفع عن مجاراته فيه. فلقد كنت شخّصت للرجل في المرة الماضية حالته الفكرية ودرجته النقدية ورداءة طبعه الشعري، فظن المسكين صورته الشخصية الذوقية والنقدية - التي رسمها هو بقلمه - تجنياً عليه وما فعلت - علم الله - سوى ان وضعته امام مرآة كشفتْ له نفسه على حقيقتها، ووصفتْ له حجمه على ما هو عليه، وجسدتْ له اختلاله وخطله. فاذا هو ينكل عن التمعن في صورته ليصب جام غضبه عليّ شخصيا وعلى المرآة امامه.
وهكذا استقصى عني، على مدى اسبوع كامل، اسمي الخماسي ونسبي وقبيلتي واصلي وفصلي، وتاريخ ميلادي، وما مضى من العمر وما هو آت باذن الله، حتى اوشك ان يؤرخ لوفاتي. لكي لا يدع شاردة ولا واردة الا احصاها، من اجل اقامة منازلته الكبرى في يوم الخميس 9 رمضان. وقد جاء يعلن عن ذلك كله منذ عناوينه البارزة العريضة الطويلة. كانت هذه خطة فارسنا المغوار الهجومية التي بيتها وتمخضت عنها حنكته. وقد ضمّن اسطره نقدا سيرسخ قدمه ولا ريب، حتى انه لا يدع للقارىء مؤونة الحكم، بل يملي عليه رأيه النهائي الذي لا رجعة فيه حول كتابات لا تسمنه ولا تغني من جوعه.. وما يسمنه ويغنيه من جوعه لا املكه له قطعا. ومع هذا الاستقصاء العجيب، الذي كاد صاحبه ان يعرف فيه عني اكثر مني، فقد ظل يلاحقه «جبل النسيان» أوليس هو القائل:
تمشي على جبل النسيان ذاكرتي
والطير ينقر في ما لست افتكرُ؟
هذا البيت الحكمة، الذي يبدو من إلهامات «المفكرة» الثقافية بمجلة الحرس، التي استقدم اول مرة للعمل مشرفا عليها - كما عرّفنا في مقاله. ظل «جبل النسيان» هذا كابسا على انفاسه، فلا يعرف اسمي ولا معناه، بل يظنه حرفي جر في كلمة واحدة. ليثبت للناس بهذا علمه باللغة والنحو والصرف، الذي سبق لهم ان رأوا مستواه فيها جميعا من قبل. ولا شيء سمعه السمطي من شعر منشور او امسيات هنا او خارج المملكة، في جرش بالاردن او حتى في القاهرة نفسها، التي يفترض قربها لأذنيه. لا.. ولم يقرأ ما كتب عن ذلك الشعر من دراسة اكاديمية، كما لم يقرأ - رغم تحريه الدقيق عني - شيئا قدمته شعرا او نقدا. هكذا امسينا واصبحنا لنجد انفسنا لا شيء، امام سمطيّ يجرد الآخرين من كل فضيلة اذا انفعل لمرأى نفسه في المرآة، ولست بأول من يُبتلى منه بمثل هذا، لولا ان مدح مثله يعد تهمة وذمه نعمة. اجل، والا «فهل نستطيع حقا الكتابة عن الشعر الحديث بنزقه»؟! ام اين من عينيه «الانحراف» الذي ينشده في الصور الشعرية والتراكيب؟! وانحرافه طبعا المنشود هو على غرار انحرافاته التي رأى القراء مقتطفات مخجلة منها في عدد الخميس 2 رمضان من جريدة «الجزيرة»؟ على كل حال لقد تفضل مشكورا فأنعم علينا بالابتدائية الشعرية، وكررها مرارا.
الحمد لله، وعقبى له فالمبتدىء في الشعر قبل اكثر من عشرين عاما خير ممن لم يبتدىء بعد - وما ينبغي له ان يفعل - فهو كما كان يقول الجاحظ عن سمطي قديم: ما أظن الشعر سيأتيه في احفاده او احفاد أحفاده! كيف وقد علق في نصوصه الاخيرة لنا شفة حبيبته «لتمتص ورد البكا لو مسه الوترُ»، لانه «يا روح ما بعدك روح!».. وكتاب الدهر «حيفلسع!»..
فاذا به يجعل من روحه الحبيبة - مصاصة الورود تلك - فيلا (أبا زلومة) او فيلة (أمّ زلومة)! ذاك تماما كما جعل في نقده من الظُّبَى ظباء ثم تخيلها خيلا قد جاءته تصهل. ومن هذا ديدنه، فحاله بين الشعر والنقد على حد قول المثل: «مثل فقير اليهود، لا دنيا ولا دين!». أما الكذب الفني والموضوعي والسطو، فبعض مواهب السمطي الوعيية والذوقية والأخلاقية. ولو لزم الامر لاحتكم معه فيها الى محكمة شرعية كي يثبتها المدعي على المدعى عليه او ينال عقابه الشرعي الصارم. الا انه ينبغي قبل ذلك ان يُحتكم في هذه القضايا الى قيم الفن والشعر، ليظهر مجددا ان السمطي لا يفهم لغة الشعر اصلا؛ ولذلك مضى يسرد علينا قائمة تثبت ان الشعراء كانوا ما يزالون على قيد الحياة في الثمانينيات الميلادية، يوم قلت:
أيها الشاعر ماذا ترتجي؟
لم يعد للحرف صوت او صدى
فزمان الشعر ولّى منذ ان
ألف العرب الرزايا والعِدى
(ويلحظ هنا ان السمطي يخطىء حتى في نقل البيت، فهو يجعل كلمة «العِدى» هكذا: «العدا» بالألف الممدودة، وقد رأينا مشكلته المزمنة مع الألف المقصورة والممدودة، من قبل في خلطه بين «الظُّبَى» بالألف المقصورة و«الظباء» منذ عام 1419هـ. وما ظنناه سيعود الى مثل هذا مرة اخرى؛ فيا ليته لا ينقد ويا ليته لا يستشهد، كي ينقذ امره ويستر نفسه).
للأسف الشديد لم يقل لي احد من قبل عن وجود قائمة الشعراء في الثمانينيات التي ساقها - حفظه الله !- والا لما كذبت ببيتين كذلكما البيتين. استغفر الله عن وزر الكذب الفني والموضوعي، وأعده ان سأحذفه مستقبلا بعد هذا التنبيه الحصيف لاسيما انه يأتي من ناقد ناقم نشر دراساته في كل مكان، حتى «لقد اصدر مجلة «ايقاعات» (او فقاعات» لا ادرى) وكان لديه مشروع نقدي - ولا يزال - يلتحم بساحة الادب والإبداع». بخ بخ يا ايها الصحفي الملتحم! الذي ما ان اعيت عليه السبل حتى اصدر مجلة شخصية، ليعزف فيها ما شاء كما يشاء، يضبط فيها الايقاع، ويكون الالتحام هناك على اشده. ولقد نشر دراساته الملتحمة «البنيوية والاسلوبية والتأويلية قبل ان يأتي الى الرياض» كما قال. ليس هذا فحسب، بل لقد «كان أحد قائدي حركة الادب والنقد الجديد في الثمانينيات والتسعينيات» .. وها هي تي الالفية الثالثة بين يديه، وما سيصدره القائد الملهم السمطي فيها لا يعلمه الا الله وحده، «من دواوين ومن كتب نقدية ستجيب عن اسئلة من يهمه الامر»! لانه يظن ان هنالك من يهمه الامر!.
هل سمعتم أو رأيتم من قبل تواضعا علميا وأدبيا بهذا الحجم؟!
كأن السمطي يظن اقواله هذه ستغني عن الحقيقة التي رآها بأم عينيه شيئا، او كأنه يظن ضوضاءه المنعقدة ستعوضه عن ضآلة معطاه وفهاهة شعره.
وتناقضات السمطي لا حدّ لها ولا ردّ، فهو لم يسمع باسمي، ومع ذلك هو يعرف عني ادق التفاصيل، من السيرة الذاتية الى أقدم الانتاج قبل عشر سنوات او حتى عشرين سنة.
وهذا مما اشكره عليه، فهو على الاقل قد عرف عني اكثر مما عرفته «موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث»، اذ اختزلتني - بعد شعري المنشور داخل المملكة وخارجها واكثر من عشرة اعمال علمية، محكمة منشورة، بين كتاب وبحث - في مجموعة شعرية نُشرت قبل اكثر من عشر سنوات وقصيدة قيلت في سن الثامنة عشرة تقريباً ونُشرت قبل اكثر من عشرين سنة. اما تناقضات السمطي بين ما يعلم به وما يجهل، فسببها بسيط، وهو ان الرجل فقد توازنه، ولم يدر ماذا يقول؟ وفي الوقت نفسه هو مشغول بالدفاع عن نفسه، وبحشد سدّ يقيه الحقائق التي اهديتها اليه. ومع انه قد تعرّض مقالي في «الجزيرة» الى حذف مقاطع من نقد نصوصه المتكاوسة وممارساته المغرضة، فانه هكذا قد فتح الباب له على مصراعيه لنقد شخصي محض لا موضوعية فيه. وما أنا ها هنا بالناقم لذاتي، ولكني عجبت ما فائدة القارىء من كتابة تنصبّ عليّ هجوما شخصيا وعلى صاحبها تمجيدا وادعاء.
ولا يكتفي بهذا بل هو يدعونا نحن الى مساعدته في البحث عن نفسه وعما جمعه ونشره، مما نسيه كعادته او لم يتسع له المجال.
ولاشك انه ينشر كثيرا، حتى لقد اصدر مجلة شخصية لينشر فيها، «على كيفه»، وتلك كارثة عرفنا منها ما يكفي، ولا زيادة لمستزيد.
إن تلك الفتوحات التي يشير اليها قد سبقها - كما ذكر - فتح ابواب كثيرة على مصاريعها، للترحيب بصحفي او ناظم مستخفّ باللغة العربية، فيما هو يدعي حداثة وتجاوزا، يجوز فيهما كل شيء. جاءنا عارضا رمحه، وهو لم يتجاوز بعد ألفباء اللغة والمفردات! ولكن قديما قالوا:
الشعراء فاعلمنّ أربعةْ:
فشاعرٌ يجري ولا يُجرى معهْ
وشاعر يخوض وسْط المعمعةْ
وشاعر لا تستحي أن تسمعهْ
وشاعر لا تستحي ان تصفعة
ولست ادري - والله - اين نضع هذا السمطي بين هذه الأربعة؟! فهو لا يصلح فيها جميعا لان المرء يستحي اصلا أن يذكر اسمه شاعرا او ان يشير الى شعره في مقال. وهي معضلة واجهتها فعلا في الاستشهاد بشعره من قبل، فاذا انا استشهدت بشعره فضيحة، واذا انا حكمت غيبيّا ظن الظانون انني اتجنّى عليه. ومشكلة انسانية أحرى، تتعلق بأن الرجل سيكبر وهو يظن نفسه شاعرا، من اي درجة، بل انه متجاوز ومجدد. وليت شعري ماذا سيتجاوز مثل هذا؟ والى اين ستمضي به هاوية تجاوزه وتجاوزاته؟ وليس ادل على هذا كله من تصدّره الصحفي، وحسبان نفسه شاعرا، وهو - على سبيل المثال فقط، وكما عرضنا صورته اللغوية والثقافية في مرآة اراد تحطيمها محنقا - يجهل الفرق بين كلمتين لغويتين، لو جهلهما تلميذ في الثانوية العامة لرسب في مادة النصوص الادبية. هكذا عرّته احدى كتاباته في «الجزيرة» منذ سنوات. يومها قيل عنه: جاهل سيرعوي، او سيجد من يأخذه على جنب ليهمس في أذنه نصيحة لوجه الله، تكفّ شره عن نفسه نفسها.. لكن السنوات تمر والرجل ما يزال ينتفخ وينتفخ، كيف لا وقد أُلقي في روعه او ألقى هو في روعه ما اوهمه بأن ورمه شحم.. وطيور الشعراء والصحفيين على اشكالها تقع.
«نعم أنا ناقد شنطة»، هكذا يقر ويعترف في «الجزيرة»، دونما حياء! ثم اخذ يسرد علينا الاسماء كعادته، لعله يتقوى بها. وهو ما يزال على هذا المنهاج من تملق الاسماء، يظنها ستقف الى جانبه لتنجيه من حقيقة نفسه! وقائمة الاسماء لديه طويلة ومتنوعة. ومنها اسماء الشعراء الذين قال انه «تناول ابداعاتهم بالدراسة والفحص النقدي في «دوريات مختلفة». ومع اننا لا ندري اي «دوريات مختلفة» تناول فيها ما تناول، الا انه يتعمد اضفاء هالة على العبارات من قبيل «ابداعاتهم»، و«الفحص النقدي»، و«دوريات مختلفة» تضخيما لانجازات وهمية، لا في اسفل البئر ولا اعلاه!. غير ان القائمة لا تقتصر على اسماء الشعراء، بل هو يردفهم بسرد اسماء مدرسية. حتى كاد ان يضم اليهم تكثّرا فراشي المدارس التي تخرج فيها، حتى وصل الى ما وصل اليه. فهؤلاء جميعا - كما قال - قد «اعطوه درجات النجاح في السنوات الجامعية». ومع «شطارته» التي لا يشق لها غبار في عين مدرّسية الكثر بعين شمس، فقد ضم كذلك اسماء من قابلهم بعد التخرج، او رآهم، او سلموا عليه عرضا، او سمع عنهم، على الرغم من ان سمعه ثقيل كما يبدو عمّن لا يحب. لم يدع شيئا يمكن ان يحشده الا حشده في صعيد واحد، دروعا بشرية واقية جيشها ليضيفها الى دروعه التي جاء ينافح بها عن صيت عبقريته الفذة. كيف لا، وقد «رفض الوظيفة الحكومية، وتفرغ منذ نعومة اظفاره الابداعية للكتابة والشعر والادب، ونشر قصائده وكتاباته النقدية في (كبريات) الصحف والمجلات الادبية العربية، ومنذ اكثر من 15 عاما وهو يحفر.. الخ». تصوروا هذه البطولة في البطالة! منذ نعومة اظفاره «الابداعية» وهو متفرغ... تتقدم اليه الحكومات بوظائفها فيرفضها جميعها؛ لانه متفرغ لكبريات الحوادث والاعمال وتصوروا ايضا انه منذ خمسة عشر عاما وهو يحفر، لا حول ولا قوة الا بالله. ما علاقتي انا وما علاقة القراء بهذا الحفر والشكوى؟ ثم تُرى الى اين اوصلته نافقاء حفْره بعد خمسة عشر عاما؟ تلك هي المسألة! ولا كم من الناس مثله فارغون يحفرون؟! ثم كم من الطلاب تخرجوا من عين شمس او غير عين شمس؟ أوكلهم نجباء مثله؟! انه بهذا انما يشوه جامعة عين شمس واساتذتها، كما اهان الشعراء الذين استدخلهم الى «شنطته»، وهماً منه انه سيستدرجهم ليتسلح بهم جميعا، كي يدرأ عنه ما راعه من جمال صورته التي اكتشفها بعد كل هذه السنين من الحفر والفراغ.
ايها السمطي، لن يغنيك تعديد الاسماء فتيلا في تحسين صورتك! كما لن ينفعك السباب والتطاول عن قماءة محصولك سنتيمترا واحدا! فحبذا لو استيقظت من غفوتك الطويلة والتفتّ الى حقيقة حجمك وامرك!.
وعلى الرغم من سبات السمطي العميق، يبدو ان مفعول مقالي حول عبثه قد ايقظه على نفسه، ولكنها يقظة كالمنام. انها يقظة الموت التي حزنت لها فعلا. ذلك انه قد بدأ يكشف لنا اوراقا كنا نجهلها عنه. ويعلم الله، ثم تعلم جريدة «الجزيرة»، انني كنت قد ارسلت تنويها اعتذر فيه الى السمطي «الانسان» مع انه كان هو البادىء عما قد يتوهمه نيلا من شخصه الكريم، حتى لا يتردى حاله الى ما تردى اليه لكن الجريدة لم تنشره فأنا افرق بين السمطي (الانسان) والسمطي (الصحفي) العدواني. يقول - كشف الله غمته : «ويا للضيم، وياللحيف، ويا لظلم من منحوني درجة الماجستير في الادب العربي الحديث بعد تأخري في كتابة البحث سنوات طويلة بسبب لقمة العيش وتضخيم «شنطتي» بالهدايا والكنوز التي حصلت عليها عن بحث مطول عن «قصيدة الحداثة في مصر في السبعينيات: التجريب والتحولات». هذه كانت ورقة توت جديدة من اوراقه. اما ورقته الاخرى فهي: «واحمد الله على انني تلكأت كثيرا في الحصول على الدكتوراه».!
وما رأينا احدا يتظاهر بالفرح لتلكئة وفشله الا القانطين من ثعالب العنب الحامض! نعم السمطي متلكىء وصادق في تلكئه، ولكن بالمعنى الذوقي والمعرفي. والا فنحن نعرف انه قد سعى ولم يتلكأ للانضمام الى جامعة الملك سعود مثلا - ذلك الكهف النقدي الذي يقامر اليوم بالنيل من منسوبيه، ووصمهم بالجهل، وان قطاره السريع يوشك ان يفوتهم. الحمد لله انه لم يفتهم بعد، لكنه يوشك! وقد عبر عن حنقه على بعضهم فيما سماه تأملا في «موسوعة الادب العربي السعودي الحديث»، او قبل ذلك وهو ينهش النقاد السعوديين جملة وتفصيلا في (جريدة الوطن السعودية ع «253» يوم السبت 17/3/1422هـ )حينما قال:
«فلاحظنا ارتباكا كبيرا لدى هؤلاء النقاد، لغياب المشروع النقدي عند اكثرهم اولا، ولافتقاد الرؤية النقدية التي يمكن عبرها القيام بمغامرات نقدية محسوبة مع المنجز الابداعي السعودي ثانيا. والوقوف عند مقولات بعينها ثالثا. حدث ذلك مع كل من: سعد البازعي، ومعجب الزهراني، وميجان الرويلي، وعالي سرحان القرشي، وجريدي المنصوري، وبدرجة او بأخرى مع سعيد السريحي، وايضا مع النقاد الجدد الذين تلوا الغذامي في الظهور امثال: معجب العدواني، وعبد العزيز السبيل، ومحمد العباس، وغيرهم». هذا ما «لاحظوه» اذن السيد قوي الملاحظة عبد الله السمطي وشركاه!.. نعم معه حق، فقد سكت كل هؤلاء عن ديك ينفش ريشه ومنطقه الغوغائي بينهم.. منطق يعود الى ثقافة الحارة والحرافيش والمعلمين الكبار والمعلمين الاصغر! يخيّل اليه انه بصنيعه هذا سيتسلق ليحرز حظوة لدى المعلم الكبير، او حتى لدى نائبه صاحب «بدرجة او بأخرى» الا انه لم يحظ الا باستهجان الجميع!. ولمن لا يعلم، فان معظم هؤلاء الذين اخذ السمطي يشطب اسماءهم من قائمة الرؤية النقدية مع انه صاحب القوائم العديدة هنا وهناك هم من جامعة الملك سعود وقد تلكؤوا هم في الواقع في قبول السمطي ذات يوم اكاديميا يوم ان سعى غير متلكىء اليهم يخطب ودا. وان كان هذا لن يمنعه مستقبلا من ان يتلكأ مرة اخرى ليأخذ الشهادة الكبيرة من اي مكان كان ليدخل الكهف ويصبح من زمرة هؤلاء الذين يبدي لهم الآن ألذّ الخصام تلك اذن عقدة حملته الشعواء على هؤلاء النقاد السعوديين. اما جنايتي لديه فتبدو افدح فهو يناصبني العداء الشخصي كما اتضح من مقاله الاخير، وكان يفعل ذلك منذ حين، غمزا ولمزا، لا يفوت فرصة الا عرّض فيها لي، مع انه ليس بيني وبينه شيء اعلمه، ولا اعرف الا انه منذ سنوات نفاجأ به جميعا ينزلق... اذ تفرد له الصفحات بطول البلاد وعرضها، تحت عباءة فضفاضة تسمى النقد.. وليته كان يقول شيئا ذا بال يفيد الانسان منه، فذلك حقه، لكن هدفه يظل ابعد من هذا تبدو جنايتي لديه يا سادة تتجاوز مجرد ازوراري الطبيعي عن ان اعزف على مثل «ايقاعاته» الشعرية الهجينة الى ما اتطرق اليه في كتبي بحسن طوية من نقد لمناهج اساتذته واساتذة اساتذته، وصولا الى الثالوث «المقدس!» طه حسين، والمازني، والعقاد. حدث ذلك منذ كتابي «الصورة البصرية في شعر العميان.. دراسة نقدية في الخيال والابداع، 1996م» الذي منحه في القاهرة بعض من زعمهم السمطي اساتذته جائزة عربية محكمة، هي جائزة محمد حسن فقي للابداع الشعري والنقدي لعام 2001م فكتاب «شعر النقاد: استقراء وصفي للنموذج، 1998م» الذي تعرضت فيه الى شعر العقاد ونقده، ثم كتاب «شعر ابن مقبل، قلق الخضرمة بين الجاهليّ والاسلامي: دراسة تحليلية نقدية 1999م» ثم كتاب «مفاتيح القصيدة الجاهلية نحو رؤية نقدية جديدة عبر المكتشفات الحديثة في الآثار والميثولوجيا، 2001م» وغيرها من البحوث والكتب. ثم مؤخرا بحثي عن «طلائع النص النقدي العربي في القرن العشرين»، المنشور في كتاب «علامات في النقد»، 44، 2002، الذي لابد انه قد جاء فيه ما لا يرضي نعرة كنعرة السمطي لان الرجل لا يفهم النقد الا على انه نقد ذاتي فكيف لا ينافح عن دولة النقاد التي ما زالت «تمشي ذاكرته على جبل نسيانها، مع ان الطير قد ينقر في ما ليس يفتكر»!. هذه العقلية إذن هي التي ما فتئت تسعى الى بث الفتنة والفرقة والخلاف في الوسط الثقافي، بشكل أو بآخر. وهي تسعى اليوم الى تحويل الساحة الى تنازع طوائف واحزاب وشلل، يبدو السمطي اول المستفيدين من غوغائيتها. وما كنت لأعبأ بمثل هذا، لولا انه يأتي ليصلح نموذجا لدراسة ظاهرة ثقافية عامة، تجب اماطة اذاها عن الطريق. وهو اذ يريدنا ان ننحرف عن هذا الهدف النقدي لنتفرغ معه لمساجلات هجائية، يضيف الينا في كل مرة - من حيث لا يدري - شواهد اخرى اكثر نصاعة على تجدد تلك الظاهرة في بدايات القرن الحادي والعشرين، وهو ما يستحق عليها الشكر والتقدير!

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved