الحديث عن الصحافة.. يهم كل قارىء.. وأديب ومثقف وباحث.. حيث الامتاع الذهني المفيد واضافة إلى ذلك هو من أروع الأحاديث التي تأخذ اهتمام الكاتب والقارئ والباحث على حد سواء لأنه يتناول جانباً مهما في حياة الناس لأن الصحفي الناجح والصحافة يعتبران لسان الأمة المعبر عن آدابها وتاريخها.. وفنها وعلومها ومدى ما وصلت إليه من تطور ورفعة وتقدم، وكلما كان القارىء واسع الإدراك، كلما ازداد فهما ومتعة ونفعاً، والصحافة بعد ذلك مرآة يومية يرى على صفحتها القارئ ما يدله على مجريات الأحداث ويتعرف على حقائق حياته ومختلف الآراء والنظريات والمواضيع العلمية ذات البحوث الصريحة والمدلولات التي توضح الحقائق المتصلة بالحياة والإنسان، كذلك مناقشة أهم المشكلات الفنية والأدبية المعاصرة.
فالصحيفة هي تلك التي تتوفر فيها كل فنون الصحافة من مادة دسمة إلى خبر مفيد إلى موضوع شهي وفنون طرية سهلة التناول عميقة العطاء.
وتضم بين صفحاتها كل ما يحتاج إليه إنسان هذا العصر من وعي ومعرفة وثقافة وعلم بأقلام كبار الكتاب والباحثين والنقاد والأدباء.
ولو درسنا بواعث الصحافة وأهدافها في تفهم تام لوجدنا أن بعض صحفنا قد ابتعدت عما يجب أن تكون عليه، وأوكل أمر تحرير بعض صفحاتها لمحررين محدودي الثقافة والتحصيل. فالنظرة الجامعية ما زالت متحفظة بشكل عام تجاه الصحافة لما يكتنفها من مجاملات وتحيزات في النشر واهمال نشر مقالات المثقفين.
فالأدباء والكتاب المرموقون اتصالهم بالصحف انكمش لما لمسوه من عدم اكتراث من محرري بعض الصفحات لما درجت عليه المجلات والصحف اليومية في نشر الغث من المقالات، وترك الثمين الذي يتيح للقارىء أو الدارس فرصا أكبر للمعرفة.. والتزويد بصنوفها العديدة في آفاق أكثر اتساعاً تحدث انفتاحات تثقيفية لها واحاتها الأكثر خصوبة.. وحرصه الدائم على التفاعل مع الحقيقة فيما يسطره.. وزاد اقتناعي بسلامة هذا الرأي أن البعض ممن يعملون في قلم التحرير لا يتجاوبون مع الموضوعات القويمة التي تقدم لهم بل يتجاوبون مع أناس حتى وان كانت مواضيعهم حشو وسفسطة وثرثرة لا تحمل في طياتها أية فكرة أو مضمون ثاقب..
وذلك ما لمسته عن كثب من أن عوامل الصداقة تلعب أدوارها في نشر المقالات.. أما الكلمة القيمة فيتجشم صاحبها مشقة المعاناة والابداع.. ثم لا يتمكن من اجتياز عواطف بعض المحررين لتقابل منهم بالرفض مهما كانت موضوعيتها ومهما بلغت من صدق طويتها بمفاهيمها وأصالتها وتجردها وفحواها الأصيل وضلاعة كاتبها وثقافته الواسعة.
ولعلي أكون أكثر واقعية عندما أقرر بأن هناك كثيراً من المقالات تنشر في الصحف للمجاملة والصداقة حتى ولو كانت جوفاء.. وضعيفة لا تستحث الخطى.. محدودة في فكرتها فجة لا تشجع على الاهتمام بقراءتها.. مع اقتناع المحرر بأنها لا تنهض نموذجاً رائعاً لقدرة كاتبها الذي يتوق من ورائها إلى الشهرة فقط ولا هو بالشخص الذي يلزم أن نقرأ له لأنه لم يتمكن بعد من معرفة عناصر المقالة الأدبية أو الصحفية وأسلوبه الكتابي لم يعد قادراً على استقطاب الفكرة السامقة لفنون الكتابة.. حيث تتجلى فيها النضارة بهدوء وجلال في ذهنه، ومن المعلوم أن ما يخطه كاتب لامع.. كبير النفع والقيمة.. لأنه يخلص للموضوع الذي يكتبه ويتجشم فيه مشقة الإطلاع والتحقيق من صدق المعلومات لذلك تأتي مقالته أو قصته أو مناقشاته أو نقده بزاد وفير من الآراء النافعة التي يستفيد منها المطالع، وقد لاحظت أن ما ينشره بعض المحررين في صفحاتهم التي يشرفون عليها يغلب عليه طابع التسرع والتكلف والمجاملات في حين لا تتاح الفرصة الكافية في نشر مقالات جيدة المستوى لكتاب آخرين ليفيضوا بالتعبير عن أنفسهم تتوفر فيها الانطلاقة والإضافة بما يحقق قدراً كبيراً من الفائدة في تطوير فنون أدبنا.. وذلك مما يساعد على تبين كثير من القضايا التي لها مساس بالأدب والعلم والتاريخ والثقافة وتحليلها ومناقشتها لاستيضاح ما يخفى أو الاعتراض عليه.
|