شهر رمضان المبارك موصوف بالعظمة والبركة لذا فله هيبة تحوطه وحدود تحرسه وشريعة تحميه. يعظم فيه الحرام وتضاعف فيه الأعمال الصالحة، ويقف من في قلبه أدنى إيمان عن تجاوز حدوده وعمل المعصية فيه. ولذا يحجم أكثر العصاة والفساق عن الإقدام على مزاولة معاصيهم، أما من عميت بصيرته وغطى الران قلبه فإن رمضان وغيره عنده سواء، نسأل الله العافية. ولذا كان التحذير من الإفطار فيه من غير عذر وذنب كبير لا يكفره صوم الدهر وإن صامه. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صوم الدهر كله) رواه الترمذي وأبو داوود والنسائي وابن ماجة. وحجم المعصية فيه أكبر منها في غيره. وهناك محذورة على الصائم ومباحة للمفطر وأعظمها الجماع. ونسمع من يستفسر عن حكمه بعد رمضان عندما تذهب سكرته وتعظم ندامته. لاشك أن الجهل بفداحة المعصية وعنفوان الشباب وفتح باب المداعبة يجر إلى ذلك. فعلى المسلم وخاصة الشباب الابتعاد عن التلبس بكل الأمور التي تجر إلى ذلك لأن إثمه عظيم وكفارته كبيرة وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. وقوة الإيمان وقوة الشهوة عند الرجال تتفاوت فمن الرجال من يباشر وهو صائم ويقبل وهو صائم ولكنه مالك لإربه، ومن الرجال من تكون شهوته تثور عند نظرة يصوبها أو قبلة يوقعها أو لمسة يتلذذ بها ومن كان يتلذذ بهذه الأمور إلى درجة الإنزال فعليه اجتنابها لأن الإنزال باختياره بتقبيل أو لمس أو تصويب نظر مفطر. وإذا لم يحصل بهذه الأمور إنزال فلا بأس بها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أتقى الناس كان يفعل ذلك كما في الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه.
شريعة الإسلام شريعة سمحة وميسرة لا كلفة فيها ولا مشقة {لا الكّلٌَفٍ اللهّهٍ نّفًسْا إلاَّ وٍسًعّهّا} وصيام رمضان المبارك من عرى الإسلام وقواعد الدين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة المكتوبة وصوم رمضان» رواه أبو يعلي باسناد حسن. ومع أن الصيام من أسس الإسلام وأركانه فإن الله سبحانه وتعالى من تيسيره ورحمته أباح الإفطار فيه لأعذار تطرأ لبعض الصائمين. والأعذار أنواع النوع الأول يوجب القضاء على المفطرين بدون كفارة وذلك كالمرض العادي والسفر قال تعالى {فّمّن كّانّ مٌنكٍم مَّرٌيضْا أّّوً عّلّى" سّفّرُ فّعٌدَّةِ مٌَنً أّّيَّامُ أٍخّرّ} وليس كل مرض يبيح المفطر وإنما العلة في ذلك خوف الضرر على الصحيح من أقوال العلماء فمن خاف الضرر بزيادة مرضه أو طوله أفطر. أما المرض الذي لايخاف منه كوجع الضرس وجرح الإصبع والدمل وما شابه ذلك فلا يوجب الفطر. ولو صام من يباح له الفطر صح صومه ولكنه مكروه لتركه تخفيف الله وقبول رخصه والمسافر يباح له المفطر ولو صام أجزأه لما رُوي عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام قال: (إن شئت فصم وإن شئت فافطر) متفق عليه. وقال أنس «كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم» متفق عليه.
النوع الثاني من يفطر لكبر أو مرض لايرجى برؤه فلا يجب عليه الصيام ولا القضاء لقوله تعالى {فّاتَّقٍوا اللهّ مّا اسًتّطّعًتٍمً} لكن يجب ان يطعم عن كل يوم مسكيناً وقال ابن عباس رضي الله عنهما في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لايستطيعان ان يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً» رواه البخاري.
النوع الثالث من يفطر ولا يجب عليه قضاء ولا كفارة وهو الهرم الذي بلغ الهذيان وسقط تمييزه فسقط التكليف عنه.
|