* واشنطن - هاوارد لافرانشي :
قد يعطي الاعتراف بالبرنامج الكوري الشمالي للسلاح النووي مصداقية جديدة لوصف الرئيس بوش كلا من العراق وإيران وكوريا الشمالية باعتبارها (محوراً للشر)، غير أنه يعمق أيضا من تعقيد رد الفعل الأمريكي تجاه أسلحة الدمارالشامل.
مع كل العقد الدبلوماسية والأمنية التي تكبل الأزمة العراقية فربما يثبت في النهاية أن التعامل مع صدام حسين أقل تعقيدا بكثير من التحديات التي تطرحها إمكانيات الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية في شبه الجزيرة الكورية.
يقول بعض المراقبين إن الإدارة ستتعلم الآن أنه كان خطأ جسيما من بوش المساواة بين كوريا الشمالية والعراق في (المحور) الذي رسمه وسوف تتعرض الولايات المتحدة من جراء الأساليب المختلفة لمواجهة التحديين لمزيد من الاتهامات بإثارة الحرب (في حالة العراق) وبتصرف متناقض.
مع ذلك فبينما تجاهد الإدارة للموازنة بين مواجهتين في آن واحد مع أنظمة منبوذة تمتلك قدرات تسليحية يقول المحللون بوجود أسباب صحيحة للتعامل مع بغداد وبيونغ يانغ بطريقتين مختلفتين على نحو ما تقوم به إدارة بوش حتى الآن. فيما يبدو غير أن المضي في هذا الاتجاه سيكون أيضا محفوفا بالمزالق، يقول ويليام كلارك وهو مساعد وزير خارجية سابق لشؤون الشرق الأدنى. (هذه ويقصد مسألة كوريا الشمالية) تمثل مشكلة دبلوماسية أكثر تعقيدا مقارنة بما نواجهه مع العراق الذي نراه بدوره معقدا بما يكفي.
بالقطع سيدعو بعض المتشددين من ذوي النفوذ في الإدارة لخط متشدد، بل تهديدي مع حكومة تقر بانتهاكها سرا للغرض من اتفاق عام 1994 الذي هدف إلى وقف كوريا الشمالية من الحصول على أسلحة نووية، تقول مصادر الإدارة إن ردود الفعل الأولى لبعض صانعي القرار اتجهت إلى أن ما حدث خرق واضح لاتفاق عام 1994، وأنه خرق يجد التعبير عنه في الصياغة التي حاولت الولايات المتحدة تضمينها في قرار الأمم المتحدة الخاص بالعراق والذي تعتقد الولايات المتحدة أنه يشكل أسسا لاستخدام القوة، غير أن المحللين يقولون بوجود فوارق عديدة بين العراق وكوريا الشمالية. وأن ظروفا مختلفة تجعل أيضا من تهديد الولايات المتحدة باستخدام القوة في شبه الجزيرة الكورية أمرا أكثر صعوبة.
مخزون أكبر
بداية، تملك كوريا الشمالية جيشا أكبر مقارنة بالجيش العراقي ويتم نشره في مواجهة حليف رئيسي للولايات المتحدة كوريا الجنوبية حيث يوجد 37000 من الجنود الأمريكيين، كما تملك كوريا الشمالية أيضا مخزونا أكبر من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية يستطيع إلحاق الدمار بشبه الجزيرة. ويظل من غير الواضح ما إن كانت كوريا الشمالية قد امتلكت بالفعل أسلحة نووية أم لا.
يقول ديفيد اولبرايت رئيس معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن. ليس من اليسير (على الولايات المتحدة) التهديد باستخدام القوة في هذه الحالة. وهو يلاحظ أن كوريا الشمالية تملك نظم مدفعية تكفي لتدمير سيول (عاصمة كوريا الجنوبية).. وأطنان من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التي يثير التفكير فيها رعبا عظيما. كما أن ما يعتبره اولبرايت احتمالا (50% 50%) لحيازة فعلية لبعض السلاح النووي يجعل من مهمة مواجهة هذه المشكلة أصعب بكثير (مقارنة بالعراق).
يوجد عامل آخر وهو أنه على الرغم من إدراك الولايات المتحدة كما أكد الكوريون الشماليون مؤخرا لامتلاك الشمالية لبرنامج أسلحة نووية متقدم فالواضح أن الولايات المتحدة لا علم لها بالمكان الذي يدير فيه الكوريون برنامجهم النووي. (يبدو أن اصرار الولايات المتحدة على امتلاك الشمال لبرنامج أسلحة نووية يستند على معلومات استخباراتية وليس على صور لأقمار صناعية ).
ولهذا فمن المستبعد شن هجوم على موقع معين لكن توجد أسبابا أخرى قد تجعل كوريا الشمالية أكثر تعقلا مما يوحي به ولعها بالقتال ما يبقي على إمكانية التعامل معها دبلوماسيا. يقول ستيف مونتيغن، وهو خبير كوري شمالي في مركز رقابة ومنع انتشار الأسلحة في واشنطن إنه يتعين على الولايات المتحدة أن تضع في اعتبارها أن بيونغ يانغ لم تلجأ إطلاقا لاستخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية - على النقيض من صدام حسين وهو يقول إن بوادر حسن النية الأخيرة تجاه اليابان وكوريا الجنوبية تشير إلى أن الشمالية منفتحة للتفاوض يقول مونتيغن (أتوقع أن يقوم أي من المتشددين المعادين لكوريا الشمالية
بدفع المتوازيات بين العراق والشمالية والدعوة لبعض الإجراءات ضدها ربما بعد الفراغ من التعامل مع الأسلحة العراقية)، وهو يضيف لكنني أعتقد أن أمرا من هذا القبيل لن ينطوي على عقلانية إن الانفتاح الذي يبديه الكوريون الشماليون في المنطقة يشير إلى وجود إمكانية للبحث عن مخرج آخر من الأزمة.
تتمثل احدى الفرص المتاحة أمام الولايات المتحدة في إعلان أن العلاقات الاقتصادية مع كوريا الشمالية التي تبدو الأخيرة متحمسة لها ستظل مجمدة إلى أن توافق بيونغ يانغ على تفكيك أسلحتها والقبول بالتفتيش. ويقول اولبرايت لن يكون هذا الأمر سهلا للتفاوض غير أنه قد يمثل مخرجا.
مع ذلك، فان الضغط الآن باتجاه التفاوض مع كوريا الشمالية قد يزيد من الانتقادات حول العالم لحماسة الولايات المتحدة على محاربة العراق يقول اولبرايت: كيف يمكنك أن تفسر للمجتمع الدولي خروجك للحرب ضد دولة تقوم بتطوير أسلحة نووية في حين تبدي الرغبة في التفاوض مع بلد آخر قام بحيازة هذه الأسلحة بالفعل؟
أبيض وأسود
بالنسبة لمجموعة من القادة الذين يعرفون بالحديث عن العالم بلغة أبيض وأسود، تقوم إدارة بوش مؤخرا باستعراض قدرة على التعامل مع العالم بظلال رمادية يستعصي تمييزها. فيما يتعلق بالأزمتين العراقية والكورية الشمالية تقوم أمريكا جورج بوش بالاعتماد أكثر على الدبلوماسية وأساليب التعاون الدولي مقارنة بما كان عليه الحال قبل شهور قليلة حين عمد الصقور إلى اسلوب الخطابة المتشدد بالنسبة لبعض المراقبين، يعد هذا انتصارا على الأقل في الوقت الراهن للذرائعية (البراغماتية) على الايديولوجية.
يقول لورنس كورب وهو مساعد وزير دفاع سابق في إدارة ريغان (لو أننا مضينا وفق خطاب الرئيس عن حالة الاتحاد (الذي أطلق فيه بوش عبارة محور الشر) ووفق استراتيجية الأمن القومي (التي طرحت الشهر الماضي مذهبا لعمل عسكري وقائي بالنسبة لعالم ما بعد 11 سبتمبر)، لكان يفترض أننا نقوم الآن بعمليات قصف ضد كوريا الشمالية. وهو يضيف لكن واقعية (وزير الخارجية كولن) باول هي ما لجأ إليها الرئيس في النهاية إنه اعتراف يقول: إنه في عالم الواقع يتعين عليك التعامل مع ظلال من الرمادية. اختار بيت بوش الأبيض بسرعة رد فعل دبلوماسي عند مواجهته بحقيقة أن أحد أعضاء (محور الشر) كوريا الشمالية قد يكون حاز بالفعل على أسلحة نووية ويسعى للمزيد وبدلا عن مواجهة كوريا الشمالية بمفردها تؤكد الإدارة على جهود ضاغطة مع حلفاء اقليميين قال جيمس كيلي مساعد وزير الخارجية للشؤون الشرق آسيوية والباسيفيكية في سيول إن الولايات المتحدة لا تواجه كوريا الشمالية الآن بحد زمني نهائي لإنهاء برامجها التسليحية. فعليا أحبطت هذه البرامج اتفاق عام 1994 الخاص برقابة التسلح.
حشد الدعم
في الأمم المتحدة تواصل إدارة يقودها بعناد وزير الخارجية باول ذو الدورالمتنامي التماس الدعم الدولي لعمل ضد قرار للأمم المتحدة يهدف إلى ترويض العراق حتى الآن. يمكن للولايات المتحدة الخضوع لقرار من مجلس الأمن الدولي يتضمن على مواجهة العراق (عواقب) في حالة عدم تقيده بنظام جديد صارم للتفتيش عن الأسلحة، غير أن القرار لن يخول استخدام القوة في حال فشل العراق في الالتزام. كما تقول مصادر دبلوماسية وسوف تلتزم الولايات المتحدة بوضوح بالعودة (للتشاور) مع مجلس الأمن قبل اتخاذ خطوة عسكرية. هاتان الحالتان تلقيان الضوء على تباين لافت للنظر بين صورة إدارة تؤكد بغطرسة على استعدادها للعمل بشكل منفرد وبين واقع دبلوماسية مضنية مستهلكة للوقت يقول المحللون إن ثلاثة عوامل رئيسية تفسر هذا التغيير وهي: كبح جماح المحافظين داخل الإدارة عن طريق الواقع العالمي حرب ضد الإرهاب تستدعي تعاونا دوليا بغية إنجاز تقدم جاد، والتأثيرات المعتدلة للرأي العام الأمريكي.
يقول جوزيف مونتفيلي وهو خبير في الدبلوماسية الوقائية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، غريزة المحافظين الجدد لاسيما في (نائب الرئيس ديك تشيني) البيت الأبيض وفي وزارة الدفاع. لا تهتم بما يفكر فيه العالم إذ إننا ذوو قوة وبأس غير أن عودة القاعدة للظهور الذي نراه في أماكن مترامية الأطراف كمنطقة الخليج واندونيسيا لهي تذكرة بأننا لا نستطيع مواجهة هذه الحرب منفردين. ويضيف مشيرا إلى تفجير بالي في اندونيسيا إن العنف لهو تحد للأمن الدولي يستلزم ترابطا أكثر حذقا وانسجاما مع العالم مقارنة بعالم ظللنا ننفخ فيه البوق.
إن الاشارات التي تؤذن بولايات متحدة أكثر ارتكازا على المجتمع الدولي تدفع على الراحة وتنفس الصعداء في أركان مختلفة من العالم يقول ستيفن ايفريست وهو متخصص في العلاقات عبر الأطلسية بمركز الإصلاح الاوربي في لندن إن رد فعل أمريكي أكثر تنويعا تجاه تحديات الأمن العالمي يجد الترحيب المتحمس لاسيما في اوروبا.
إن صياغة بوش ل (محور الشر) في خطابه عن حالة الاتحاد مشيرا إلى العراق وإيران وكوريا الشمالية أصابت بالقلق الكثير من المراقبين على أن صدمة 11 سبتمبر تدفع الولايات المتحدة لتبني اسلوب معاد، بل حربي في مواجهة التحديات العالمية غير أن الحالة الكورية الشمالية تشير إلى أن الإدارة تمايز بين المجرمين تماما كما تشير الدلائل على أن الولايات المتحدة تمارس الضغط الهادىء على الأصدقاء في شأن بيع إيران تجهيزات ومواد حساسة.
الرأي العام
عامل رئيسي آخر في إضفاء لون رمادي على اسلوب الإدارة يتمثل في جمهور الانتخابات الأمريكية تشير استطلاعات الرأي بثبات إلى تحفظ الجمهور الأمريكي تجاه إقدام أمريكا منفردة على عمل يبدو أيضاً أن الأمريكيين يقلقون من نشر القوات الأمريكية بكثافة ضعيفة على رقعة واسعة والدخول في مواجهات متعددة في آن واحد. وبينما يدعمون الحرب ضدالارهاب فإنهم يقلقون من أثر استعداء المسلمين الذين يمثلون خمس سكان العالم. يلقي كل هذا بالتأثير على الإدارة على نحو ما يقول به المحللون يقول مونتيفيلي وهو يتخير صورة اثنين من الجناح المحافظ في الإدارة أشياء كثيرة سوف تفسد خطط (وزير الدفاع دونالد) رامسفيلد وتشيني. يضيف كورب وهو يعمل الآن في مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك.
هنالك الكثيرين في هذه الإدارة ممن يريدون أن يصبحوا أكثر اعتمادا على العالم غير أن بوش سياسي جيد يضيف هذا جرعة من الواقعية للخليط والرئيس يتراجع حتى إذا كان ذلك يعني تكدير دعاة الاعتماد على العالم.
(*) خدمة كريستيان ساينس مونيتور خاص ب(الجزيرة). |