|
المؤلف صديق، وزميل وشقراوي تقاسمت معه الركض اللاهث عبر أزقة شقراء.. وبين بطاحها.. نعتمر سويا ذكريات الطفولة.. وطفولة الذكريات.. نتقاسم حياة ليست بالألم كله.. ولا بالأمل كله.. كانت المزيج بين هذا وذاك.. ترى أي وقع لجرس اشعاره في ديوانه «عبر السنين» وأي ايقاع لأخباره تنم عنه تجربته الحياتية والشعورية التي أمكن استحضارها من خلال قصائده.. هذا ما سوف نتعرف عليه ونحن نصحبه في مسيرة رحلته.. وفي مسار دربه.!
لمسة وفاء وبر لروح والده تفيض وتنبض حياة وحيوية.. ومن رثائيته الى «خلجات ضميره»:
ويتوجه الى بني وطنه شاحذاً هممهم بعيدا عن الشر وابتغاء السوء.. ويسائلهم في حيرة وحسرة:
قبلها الكثيرون سألوا.. ومعها الكثيرون سألوا.. وبعدك الكثيرون يسألون ويطرحون على ضمائرهم كل علامات الاستفهام «؟؟» والتعجب «!!» دون جواب سوى الصمت القاتل.. ان لم نقل العجز القاتل. و«رجع الصدى» لديه مسموع وقوي يبثه في صيغة لحن شاد في سماء الطير.. لماذا تراكمت العوائق في دربه؟ متذكراً ساعات الفراق.. وصرير أعواد النعوش. وشهيق المعزين ودموعهم.. وصور الهوان.. وأشياء أخرى لا يتسع المجال لاحتوائها لكثرتها.. وتعدد صورها.. ويركن أخيراً الى ثبات يقينه: «إني وانت على محجتنا القويمة سائرونا نحفي الركاب.. وقد نسير.. إذا نجافي الركب هونا».. ومع «عظاته» الجميلة يستغرقنا السماع:
أين علامات الاستفهام يا صديقي؟ ويمضي في عظته أمام محراب التبتل:
سبحانه جل شأنه.. لا صعاب امامه فهو أقوى من كل شيء. وأعدل من كل شيء.. وأرحم من أي شيء.. وفي سباعياته يبدأ بالعتاب بعد ان فرغ من الثواب.
لعله كان يشير الى يوسف وامرأة العزيز وقد راودته عن نفسه.. لنمض به لنتعرف على حقيقة ما جرى:
ليت شاعرنا الكريم أحل مفردة الصب بدلا عن الكرب.. ما رأيه..؟.. وماذا قالت؟
إلا انه تمرد على رغبتها وراح يرقبها في فضول أفضى بقلبه الى شباكها الذي لا يرحم.. وفي صراعه معها تمتد به لغة الحوار.. وينتهي به المشهد الدرامي الى يقظة العفة ليأخذ سبيله بعيداً عن دروب الزلل: ثلاثية كيماوية معدنية شخوصها الناس أليسوا معادن متفاوتة القيمة والقامة.. بلى..
جميل هذا التوصيف.. والتوظيف للمفردات وليست شاعرنا وهو يتحدث عن كبراء القوم ابدل تعنو بكلمة يعنو.. امشي في جادته مهرولاً يشدني الشوق الى مسقط الرأس.. الى شقراء وهو يتغنى بها بعد غياب:
ملاحظتان اسوقهما الى صديقي الشاعر.. الأولى العداوة الظاهرة بينه وبين علامات الاستفهام اللازمة مع كل شطر.. أما الثانية فان الظل لا يذوب.. وإنما الضوء.. ونمضي سوياً مع عشقه:
لا يكتفي ببعض معالم مدينته.. وانما يعرج شعراً على سوق الحسيني والمعلاوي. وسوق البيع. والركاب ويسائلها:
نعم يا صديقي بقدر ما تذكرتها فإنها تذكرك وتشكرك وقد خلدتها قصيدة تضج بجماليات الصور والذكريات.. ويتحدث عن «المجد الضائع» عن الأندلس.. وعن الرياح الهوج التي عصفت بها بنفس القدر من المأساوية التي تتعرض له «القدس أولى القبلتين.. وأرض فلسطين، وشعب فلسطين.. وبنفس القدر الذي تتهدد به الأخطار أكثر من وطن عربي في عصر الاحتواء والمطامع وأحادية القرار.. استغرقها شعراً بعد ان طاف بمعالمها التاريخية الاسلامية.. وعاد الى وطنه الذي غنى له.. أهازيج لوحة شاعرية جميلة أقتطع منها بضعة أبيات:
وكنت الطير في وصلك لوطنك.. كنت العندليب الذي يصدح ويملأ الفضاء نغماً وفيا. وثرياً. وأنا أستعرض ديوان أخي وأقلب صفحاته التي لم أصلها بعد أجد نفسي عاجزاً عن ملاحقتها لكثرتها.. ليعذرني إذا ما تجاوزت مالا أرغب في تجاوزه إلا أنها الضرورة وللضرورة أحكام.. «جوارح النفس» «سباعيات» «صداح» «القزم» «اجدادي» «حق الجدود وواجب الشباب» «الميزان» بعضها للخصوصية.. وبعضها للمناسبة.. ونتوقف معه أمام «الطيف الطائر» الذي شغل باله. واثار في دواخله شحنة شعورية مليئة بالأحاسيس: وبعض تساؤلات لحادي العيس وهو يتحرك أمامه..
وأنا بدوري أقول ما بالك تتجافى علامات الاستفهام ما دمتَ تسأل.؟! في النهاية وهو يذكر طيفه الزائر ويسترجع معه ذكريات ما يلبث ان يثوب الى صوابه بعد ان تقدمت به السنون..
لقد وقف معها طويلاً حتى تسمرت قدماه.. ربما لأن ما شده الى ماضيه أقوى من جذب حاضره.. وهو أدرى.. «شجا قمرية» صورة مماثلة لما قبلها.. الاختلاف في العنوان.. أما المضمون فواحد.. وجد. وشكوى. وانتظار. ثم رحيل بعد ان تساوى لديه وعدها ووعيدها.. ولأن شاعرنا الكريم عبدالرحمن العبدالكريم يهوى أولي العزم فقد شحذ قريحته.. وأطلق قلمه:
مقاطع تصويرية لجوانب سلوكية معاشة في حياة البشر عبر عنها بعفوية موظفاً بعض مفردات غير شاعرية كمفردتي «اختباصها» و«افتراصها» ولكنها ضرورة الشعر.. وحتمية القافية.. هذه المرة أنخت الراحلة.. لم لا والقصيدة أكبر من غزل..؟ بطلتها غادة.. فلذة الكبد..
ماذا يعترض طريقك؟ ويسد الأبواب في وجهك؟!
ما دام ولى.. لِمَ الاستغاثة؟ وهل غادة تملك الاجادة والتصرف أكثر منك؟! لا أظن. «الخلق القويم» و«منبع الحسن» و«روم المطالب» أعادت الى ذهني مقولة الشاعر:
ولو أنني تمنيت لتوقفت معها قصيدة قصيدة.. ولما تجاوزت حزينا عتابه لتلك الزوجة الناشزة.. ولا اخواتها من الأخريات اللواتي لم يخرجن عن الطاعة وإنما خرجن عن الاستطاعة.. ولأن كل ذي نعمة محسود لابد وان نتعرف عن كثب على الموقف:
ويستطرد في قصيدته الحديث عن الليل والأطيار والبرق. والقلب المشتاق الذي يؤرقه الى أن يقول:
آه من غيرة الأحباب.. انها مدمرة.. بل وقاتلة قتلها الشعراء شكوى.. وقتلتها الأغنيات تحذيراً
ويمضي في اجتماعياته الاصلاحية التي أفرغ لها جانبا واسعاً من ديوانه.. جميل منه ان يفعل هذا لولا تماثل اللوحات الشعرية في خطوطها وشخوصها ومحتوياتها مما لا يضيف جديداً الى رصيد الديوان الابداعي. يبدو ان النفير أوشك على المورد تاركا خلفه شذرات. وأم بلبل. والطائر الغريد. والحوراء. وإليها. والى شقيقاتها.. فظمأ القافلة قاتل.. وخطاها متعجلة حيث امتد بها السير والسهر.. وعلى مشارف الرحلة الممتعة نستشرف محطتنا الأخيرة.. ونقف أمامها مذهولين من «لفح الأربعين» طبعا لن يكونوا أربعين علي بابا إذاً لهربنا غير ملوين على شيء حتى لا نخطف.. لابد أن أربعين أخرى قد تكون في حسابات العمر الزمني هي المقصودة:
ونختتم هذه الرحلة بهذين البيتين الشاعرين:
وحسنا جاءت النهاية.. اللهم آمين.. اللهم فاستجب يا كريم دعوات ابن عبدالكريم وهي كثيرة. |
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |