|
|
فرض الله شهر رمضان لكي يكون مدرسة روحية لعبادة المسلمين ليزكي فيها نفوس المؤمنين وليهذب فيها أخلاقهم وليطهر ظاهرهم وباطنهم. ولقد كان الصحابة والتابعون يعدون أنفسهم للقاء الله ويهيئون أرواحهم للعبادة في رمضان ليتزودوا بزاده ولينهلوا من فيضه. وأرجو الله ان يجعل رمضان ملء قلوبنا وصدورنا ونور أبصارنا وبصائرنا وأن يجعلنا من الذين عظموا رمضان بأعمالهم وكرموه بعبادتهم وأكثروا فيه من الحسنات وفعل المكرمات بالإكثار من العبادات والطاعات. إذ يشرق على العالم الإسلامي هذه الأيام شهر من أعظم الشهور يمناً وبركة وأعمها منفعة وفائدة وارفعها منزلة ومكانة، شهر أجَلَّه الله وعظمه الرسول صلى الله عليه وسلم وكرمة المسلمون ذلك هو شهر رمضان الذي خصه الله دون سائر الشهور بخلال الخير وخصال المعروف، شهر الصيام والقيام، شهر الجود والكرم شهر البر والإحسان فيه أنزل القرآن، وفيه ليلة خير من ألف شهر وفيه أعطى الله نبيه محمد الرسالة وفيه كانت غزوة بدر التي وضع الله فيها أول حجر للإسلام إذ نصر الله المسلمين في هذه المعركة نصراً مؤزراً بإنزاله الملائكة غطاء جوياً في هذه المعركة الفاصلة الخالدة وفيه فتح مكة وهي آخر شوط بين الرسول وقريش، أوله عيد وآخره عيد تغلق فيه أبواب الجحيم وتصفد فيه الشياطين إلى غير ذلك من الخصائص والمزايا. فليتنا نحن المسلمون نقدره قدره وننزله منزلته ونحقق كل مافيه من فضائل وآداب. وإن مجيء رمضان وذهابه، بدءه وختامه آيات بينات لأولي الألباب، وعظات بالغات لقوم يعقلون، فكل شيء في الدنيا يجيء ويذهب ويزيد وينقص ويتحرك ويسكن ويتغير ويتبدل، دليل عظيم على فناء الحياة والأحياء وزوالهم وان البقاء والدوام لله الواحد القهار. «كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون». وما مجيء رمضان وذهابه إلا دورة من دورات الفلك التي يقطع الدهر بها مراحله، حتى تصل الدنيا بركبها إلى أجلها المحتوم. حقاً لقد دار الفلك دورة من دوراته وقطع العالم شوطاً من أشواطه وأتمت الدنيا فصلاً من رواية الحياة وطوى الإنسان صحيفة من كتاب أجله المحتوم وبين أول ذلك وآخره حدث كثير من التطورات والتقلبات التي إن دلت على شيء فإنما تدل على عبودية الإنسان وقدرة الله، فكم ولد إنسان لم يكن مولوداً، وكم مات إنسان كان موجوداً، وكم اغتنى فقير ما كان يطمع في الغنى وكم افتقر غنى ما كان يخطر له الفقر على بال. «يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار». حدث ذلك كله ويحدث والعالم في سكراتهم يعمهون وفي جهالتهم يتخبطون، وفي دنياهم يسرحون ويمرحون، حتى أظلمت أرواحهم وجمدت قلوبهم وضلت عقولهم وماتت ضمائرهم ومرضت نفوسهم وانهارت أخلاقهم، وضعف بينهم الوازع الديني، بل لقد استيقظت فيهم الأهواء وتمكنت فيه الشهوات، فكان لابد أن يجيء رمضان ليبعث العالم الإسلامي من رقدته وينبهه من غفلته ويوقظه من نومته، ويكفكف من تلك المادية العمياء التي غرق الإنسان فيها إلى أذنيه، وكان لابد من مجيء رمضان ليظهر هذه القلوب المتحجرة بنفحاته الطيبة وليعالج هذه النفوس المريضة بعملية القيام، وليرشد هذه العقول الضالة بنور التقوى، وليثلج هذه الصدور الضالة ببرد الإيمان وليطهر الألسنة الآثمة بحلاوة القرآن وليغسل تلك الأيدي الظالمة بماء الإحسان ولينهض بالإنسان كله إلى درجة عالية رفيعة حيث تغفر الذنوب وتكفر الخطايا وتضاعف الحسنات وترفع الدرجات ويرضى الله سبحانه وتعالى فيا له من شهر ملؤه الإكبار والإجلال والتكريم والتعظيم وكيف لايكون كذلك وقد احتفل الله به في السماوات العلا فزخرف من أجله الجنان ففتحت أبوابها للمؤمنين الصائمين. كل ذلك تعظيماً لرمضان وإكراماً للصائمين بل لقد احتفل به المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها فهذه هي فضائل شهر رمضان وتلك هي منزلته في عالم السماء منزلة كريمة ومكانة عظيمة وقدر كبير، ومن أجل ذلك احتفل به الأتقياء الصالحون فملأوه بالخير والعبادة وأكثروا فيه من الطاعة والصدقة والاحسان للفقراء واحيوا كل ايامه ولياليه يتلون فيه كتاب ربهم ويتدارسون فيه سنة نبيهم، ويتخلقون بأخلاق الصحابة والتابعين، فكان لاينتهي شهر رمضان إلا وقد صفت نفوسهم وزكت أرواحهم وامتلأت صدورهم وقلوبهم بالآيات البينات لأنهم قدروه قدره وأنزلوه منزلته، وملأوه بالجود والكرم والذكر والتسبيح والتهليل والتحميد والإحسان إلى الفقراء والمساكين {وّالًبّاقٌيّاتٍ الصَّالٌحّاتٍ خّيًرِ عٌندّ رّبٌَكّ ثّوّابْا وّخّيًرِ أّمّلاْ}. فيجب علينا نحن المسلمين ان نعلم ان رمضان فرصة ثمينة فنغتنمه وأيام سعيدة فنبتدرها لكي نظفر إن شاء الله بالمغفرة والرضوان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وماتأخر» وقال عليه الصلاة والسلام «من أعطش لله نفسه في يوم صائف أرواه الله يوم الظمأ والفزع وثبت قدمه يوم نزول الأقدام» ويقول «إن في الجنة باباً يقال له الريان لايدخل منه إلا الصائمون» ويقول الله سبحانه {شّهًرٍ رّمّضّانّ پَّذٌي أٍنزٌلّ فٌيهٌ پًقٍرًآنٍ هٍدْْى لٌَلنَّاسٌ وّبّيٌَنّاتُ مٌَنّ الًهٍدّى" وّالًفٍرًقّانٌ فّمّن شّهٌدّ مٌنكٍمٍ الشَّهًرّ فّلًيّصٍمًهٍ وّمّن كّانّ مّرٌيضْا أّّوً عّلّى" سّفّرُ فّعٌدَّةِ مٌَنً أّّيَّامُ أٍخّرّ يٍرٌيدٍ اللَّهٍ بٌكٍمٍ پًيٍسًرّ وّلا يٍرٌيدٍ بٌكٍمٍ پًعٍسًرّ وّلٌتٍكًمٌلٍوا الًعٌدَّةّ وّلٌتٍكّبٌَرٍوا پلَّهّ عّلّى" مّا هّدّاكٍمً وّلّعّلَّكٍمً تّشًكٍرٍونّ}. |
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |