|
| ||||||||||||
ثبت لدى كثير من المثقفين صورة لكافور الاخشيدي استقوها من تصوير المتنبي له. والحق ان ابا الطيب اشتط في هجاء كافور حتى لقد حض الناس على قتله محتجا بالدين تارة وتارة بالنسب.
حتى لقد تجنى على كافور وعلى تاريخ مصر في قوله:
فكافور لم يقتل سيده وتمجيد مصر له لأنه صنع لها دولة مستقرة ولعله من الجدير بنا أن نسأل: هل كافور كما صوره المتنبي، هل هو بهذا السوء؟ إن التأمل في سيرة هذا الزعيم يثبت العكس تماماً، فكافور ليس فيه مما نسبه اليه المتنبي شيء عدا أنه أسود - عبد- خصي، ولكن هل كان له يد في هذا؟. إن الإخشيد اشترى كافورا ورباه وأحسن تربيته ثم اعتقه ثم جعله من كبار قواده لما يمتلكه من حسن التدبير والحزم، بل ان بعض المؤرخين يعيد له الفضل في بقاء الدولة الإخشيدية، ويكفي ان نعرف ان الفاطميين كلما عزموا على غزو مصر تذكروا كافورا فقالوا: «لن نستطيع فتح مصر قبل زوال الحجر الأسود» يعنون كافورا. أما من ناحية الحكم بالعدل ففي ايامه لم يجد اصحاب الأموال من يقبل الزكاة منهم. وإذا كان المرء على دين خليله فدعونا نسأل: من هم جلساؤه؟ نجد أولاً وزيره جعفر بن الفرات وهو أحد رجال الحديث وممن روى عنه الدارقطني. ومن جلسائه كاتبه ابراهيم بن عبدالله النجيرمي صاحب الرسالة الشهيرة في الرد على قيصر الروم. ومن المؤرخين ابو عمر الكندي وكافور هو من كلفه بكتابة كتابه الأشهر «فضائل مصر». بعد هذا يجب ان نعرف ان الرجل كان يلقب بالاستاذ لسعة ثقافته العربية وتكفي شهادة المتنبي له عندما قال: «كنت إذا دخلت عليه أنشده يبش في وجهي حتى أنشدته».
فما ضحك بعدها في وجهي إلى ان تفرقنا فعجبت من فطنته. * فأعادها إليه وقال للرسول قل له {لّهٍ مّا فٌي السَّمّوّاتٌ وّمّا فٌي الأّرًضٌ وّمّا بّيًنّهٍمّا وّمّا تّحًتّ الثَّرّى" *6*} *طه: 6 فقبلها. والشواهد على ذلك كثيرة جدا ولكن نكتفي بهذا لنؤكد ان إحدى سقطات المتنبي هجاؤه المقذع لهذا الرجل العظيم. هذه الصورة الحقيقية لهذا الرجل تجعلنا نرفض قبول دعوى عشاق سيد شعراء العربية ان المتنبي تعمد سوء استهلال قصيدته الشهيرة
ذلك ان المتنبي اتبلي بسوء الاستهلال في كثير من مدحياته ومرثياته أمام أكثر من شخص من ذلك:
قالها مادحا ابا المنتصر شجاع بن محمد بن اوس الأزدي ومن أوائل أبياتها:
فهي تبدأ المحديات بمثل هذا؟ ومنها قصيدته في مدح المغيث بن علي العجلي ومطلعها:
ومنها داليته في مدح علي بن محمد بن سيار التميمي ومطلعها:
وفي مطلعها فخر بنفسه وذم للزمان وتشكيك في الناس وذم لهم
فهل نقول ان المتنبي تطير من هؤلاء جميعاً وكرههم حتى استهل قصائده بمثل هذا؟. ثم إن الأمر لا يقف عند المدحيات فحسب استمع اليه وهو يرثي اخت سيف الدولة وكلنا يعلم حب المتنبي لهذا العظيم يقول:
لتراه يخرج من الرثاء الى الغزل فهل هناك أقبح من هذا أمام رجل ماتت أخته؟. لقد علق الخوارزمي على هذا الاستهلال فقال: «لو عزاني إنسان عن حرمة لي بمثل هذا لألحقته بها». وعندما رثى أحد الأقربين الى سيف الدولة قال مبتدئا:
يكفي أن الصاحب بن عباد - وهو من هو - قال: لا أدري لِمَ لا يحزن سيف الدولة إذ أخذ المتنبي بنصيب من القلق؟ من هنا ندرك ان المتنبي تجنى على كافور ولم يعتمد في هجائه على حقائق بل كانت في مجملها افتراءات لا أصل لها من الصحة. ولعل هذا يبين لنا سبب لجوء المتنبي الى الشكل الكاريكاتوري مستعيناً بشكل كافور ومظهره الخارجي.
لكن دون نظر الى ما يحمله هذا الرجل من صفات خولته لأن يكون زعيما يذكره التاريخ. المراجع ديوان المتنبي شرح العكبري المتنبي في مصر والعراقين - مصطفى الشكعة (*) معلم اللغة العربية بثانوية عبدالرحمن الغافقي
|
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |