لو سُئل أحد منا: ما الحسنات التي يمكن أن تتوالى عليه وهو نائم في بيته؟ أو ما الحسنات التي يمكن أن تتوالى عليه وهو منشغل في عمله أو تجارته؟ أو ما الحسنات التي يمكن أن تتوالى عليه وهو يلعب مع أطفاله، بل ما الحسنات التي يمكن أن تتوالى عليه وهو ميت في قبره رهين عمله؟، وكلنا ذاك الرجل نسأل الله حسن الخاتمة للجميع.
يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسير بعض هذه الآية: {مّا قّدَّمٍوا} من الخير أو الشر، وهو أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم، {وّآثّارّهٍمً} آثار الخير والشر التي كانوا هم السبب في إيجادها في حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فكل خير عمل به أحد من الناس بسبب علم العبد وتعليمه أو نصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أوعلم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته، أو عمل خيراً من صلاة أو زكاة أو صدقة أو إحسان فاقتدى به غيره، أو عمل مسجداً أو محلاً من المحال التي يرتفق بها الناس وما أشبه ذلك، فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر، ولهذا «من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».
* ، فإن استجاب لك المأمور في فعل الطاعة أو ترك المعصية فلك مثل أجره لا ينقص من أجره شيء، فإن استمر على تلك الاستجابة فمعناه استمرار الأجر والثواب لك مثل ما له، وربما كان لذلك المأمور بالطاعة أو ترك المعصية بعد استجابته للخير أثر طيب على آخرين، فلك مثل أجورهم لا ينقص من أجورهم شيء، وهكذا يتسلسل الخير والثواب.
وفي الحديث الصحيح قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيء» (رواه مسلم)، ومن القواعد العظيمة قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «من دل على خيرٍ فله مثل أجر فاعله» (رواه مسلم).
ومن الأمثلة أيضاً: أنه حينما يقترح الإنسان على آخر عمل مشروع خيري فله مثل أجره، فلو اقترح إنشاء مركز إسلامي يتكون من مسجد جامع، ومكتبة، ومغسلة أموات، وفصول دراسية، بتكلفة خمسمائة ألف ريال مثلاً لكان للمقترح مثل أجر المتصدق من غير أن ينقص من أجره شيء، بل ربما أن هذا المقترح لا يستطيع أن يتصدق بربع هذا المبلغ.
وهناك مثال اجتماعي الأمة بأمس الحاجة إليه، وهو: السعي في زواج الأقارب أو غيرهم ذكوراً وإناثاً بأي طريقة مباحة مباشرة أو غير مباشرة، وخاصة في ظل تأخر الزواج لدى الجنسين، فالزواج عبادة، وبسببه تحصل عبادات أخرى، فهو ستر لعورات المسلمين، وكف لشر عظيم، وبسببه تنشأ ذرية صالحة تعبد الله تعالى وقد ينفع الله بهم الأمة في أي مجال من المجالات المهمة.
(*) الرياض |