من مشكاة النبوة
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبدالله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة» قال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يارسول الله! ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: (نعم وأرجو ان تكون منهم) متفق عليه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا نسي أحدكم، فأكل، أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) متفق عليه. وعن لقيط بن صبرة، رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ قال (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائماً) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
كلمات مضيئة
أعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه، جهادّ بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام. فمن جمع بين هذين الجهادين، ووفى بحقوقهما، وصبر عليهما، وفِّي أجره بغير حساب. قال كعب: ينادي يوم القيامة منادِ: إن كل حارث يُعطي بحرثه ويُزاد غير أهل القرآن والصيام، يعطون أجورهم بغير حساب، ويشفعان له أيضاً عند الله عز وجل، كما في «المسند» عن عبدالله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب! منعته الطعام والشهوات بالنهار. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان) فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها، سواء كان تحريمها يختص بالصيام، كشهوة الطعام، والشراب والنكاح ومقدماتها، أو لا يختص به، كشهوة فضول الكلام المحرم، والنظر المحرم والسماع المحرم والكسب المحرم، فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها، فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول : يارب! منعته شهواته، فشفعني فيه. هذا لمن حفظ صيامه، منعه من شهواته.
فأما من ضيع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه، فإنه جدير أن يضرب به وجهُ صاحبه، ويقول له: ضيعك الله كما ضيعتني . كما ورد مثل ذلك في الصلاة. وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل، فإن من قرأ القرآن وقام به فقد قام بحقه فيشفع له.
ابن رجب «رحمه الله»
|