Thursday 14th November,200211004العددالخميس 9 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

عبدالله المغامري الفيفي!! أين سمعتُ هذا الاسم؟! عبدالله المغامري الفيفي!! أين سمعتُ هذا الاسم؟!
«أهل الكهف النقدي» حين يستيقظون فجأة سيرون أن الساحة الأدبية تغيَّرت وأن قطارها يوشك أن يفوتهم
عبدالله السمطي

لا تثريب على السيد الدكتور عبدالله بن أحمد بن علي المغامري الفيفي (1382هـ - ...) في أن يقول عني ما قاله في رائعته المنشورة بثقافة الجزيرة تحت عنوان: «لا تعجبوا.. فهذا الرجل قد وجد سوقاً خالية»، ولا مندوحة في أن يصف شخصي البسيط بهذه الأوصاف التي تومىء إلى مهارته الأكاديمية، ولا غبار عليه في أن يسمني بأقذع الكلمات.. فقد رفع القلم عن ثلاثة، منهم: «النائم حتى يستيقظ»، كما أن «أهل الكهف النقدي» حين يستيقظون فجأة سيرون أن الساحة الأدبية قد تغيَّرت، وأن قطارها يوشك أن يفوتهم..
في الحقيقة لم أسمع بهذا «الفيفي» من قبل إلا عند نشر قصيدته بالجزيرة في شهر شعبان 1419هـ، وطوال الأعوام السابقة، لم يخرج علينا «الفيفي»، بتجربة إبداعية أو نقدية سوى بعض المقالات العابرة غير المؤثرة في أي مجرى أدبي أو تيار أو اتجاه، ثم طالعت بعض الأسطر من بيضة ديكه النقدية حول رواية «سقف الكفاية» للكاتب الشاب محمد علوان، التي يعدها «قصيدة شعر» وليست رواية. هكذا فإن اسم «الفيفي» لا يحرك ساكناً في ساحة الأدب، ربما يذكر فقط بتركيبة صرفية جديدة يقترن فيها حرفا جر في كلمة واحدة، لكن أن يدل على أن وراء هذا الاسم تجربة نقدية كبيرة، أو يدل على ناقد له إسهاماته الكبيرة، فهذا ما لا أراه أبداً، ولا يراه أي متابع لساحة الأدب بالسعودية.
نعم: أنا «ناقد شنطة»
أقر وأعترف أنني «ناقد شنطة» كما أشار العارف بالنقد الدكتور الفيفي - أدام الله عزه - فشنطتي - أو حقيبتي - مليئة بثروات محمد جبر الحربي، وسعد الحميدين، وعلي المديني، وثريا العريض ولطيفة قاري، وحافلة بالهدايا التي أهداها لي ناصر الجاسم، وعبدالله السفر، وحسين علي حسين، وأحمد الدويحي، ومحمد علوان، وفهد المصبح، وتركي الحمد، ويوسف المحيميد، وآمال بيومي، ولميس منصور، وصالح الحربي، ومكنوزة بكنوز شعراء منطقة عسير، ومتخمة بأموال شباب الشعراء والأدباء السعوديين الذين تناولت إبداعاتهم بالدراسة والفحص النقدي في دوريات مختلفة. كما أن «شنطتي» لا أستطيع أن أحملها من ثقل ما بها من خيرات وكنوز وعطايا جاءت ممن كتبتُ عنهم نقداً أدبياً أو حتى «صحفياً» كما يسميه العارف بالنظرية الدكتور الفيفي - جعله الله كنفاً وذخراً لكل الجاهلين أمثالي.
إنني أحمد الله على أنني أصبحتُ «ناقد شنطة» بهذا المعنى الذي ينأى بي عن تحبير الصفحات عن بعض الوجهاء، أو عن من يجعلون الإبداع مجرد زينة صالونية، أو أكاديمية.. وأحمد الله على أنني تلكأت كثيراً في الحصول على الدكتوراه وإلا لكان حالي حال البعض داخل الجامعة ممن يدرّسون «أدباً» أو «نقداً» ولا يدرون الأفق الراهن للأدب العربي خارج أسوار الجامعة، أو خارج «الكهف الأكاديمي».
تربية فيفية
إنني أشكر الله كثيراً - في هذا الشهر الكريم - أن قيّض لي رجلاً «فيفيّا» يهدي إليّ عيوبي، ولم يسرها لي إسراراً، بل صدع بها للناس، وجهر بها في خطبة عصماء، ومن أبرز هذه العيوب، - وناقل القدْح ليس بقادح - :
- «بفهمه الجزئي القاصر للنصوص تراه مثلاً لا يمل الحديث عن المفردات المألوفة والعلاقات والتكرارات، يلت ويعجن كثيراً دون أن يقول شيئاً».
- «إن هي إلا كلمات سمعها فرددها كيفما اتفق».
- «كأنه يعاني نوعاً من الفصام، بيد أن مرد هذا الفصام الحقيقي هو أنه رجل صحافة وإثارة بالكثير، لا رؤية له ولا منهج ولا معايير».
- «لكي يلبس على الناس هذا الفراغ تراه يخلط عقليته البلاغية القشرية التقليدية «المقتبسة» بقشور أخرى يجتلبها ليضيفها عليها، تظاهراً بالحداثة والمعرفة بالمناهج الحديثة، ليخرج بطبخة فاسدة، لا في القديم هي ولا في الحديث».
- «يعد نموذجاً مثالياً لممارسات كتابية شوهاء تعيش وتترعرع ويُسكت عنها».
- «المفارقة هنا أن هذا الفاشل في التفريق بين مفردات اللغة، لا يعرف معناها، فضلاً عن أن يعرف فروقها».
- «هو يدعي الشعر والنقد والصحافة والأكاديمية ويسعى إلى أن يعرفه الناس بهذه جميعاً».
- «الرجل إنما يسعى للإثارة والشهرة، وهو هكذا يترامى بنفسه بفضول زائد».
- «نحن أمام نموذج لا يبني حكماً أبداً على أسس لغوية أو معايير نقدية لأن مقاربته للنصوص بائسة فقيرة فاضحة محزنة حقاً، وإنما هو يهوش بالكلام تهويشاً، ويتلاعب بالأشياء كما يحلو له».
- «لم أر له أكثر من مقابلات مكرورة أو تسويق كلام تزلّفي تارة - لمن لا يجرؤ عليهم - أو انتقائي المزاج تارة أخرى».
- «ضجيجه إذن ما هو إلا فحيح حداثي».
- «هذه هي بضاعة كاتب يتصدر اليوم صحافتنا المحلية».
تلكم هي أبرز العيوب التي أهداها لي الدكتور الفيفي، وهي - كما ترون - أيها السادة - عيوب من النادر أن تجتمع في إنسان ناقد أو شاعر أو كاتب، فكيف إذا اجتمعت في إنسان «مدّع» مثلي رفض الوظيفة الحكومية، وتفرغ منذ نعومة أظافره الإبداعية للكتابة والشعر والأدب، ونشر قصائده وكتاباته النقدية في كبريات الصحف والمجلات الأدبية العربية، ومنذ أكثر من 15 عاماً وهو يحفر - بدأب - في صخور الساحة الأدبية العربية.. كيف إذا تلاقت هذه العيوب - وأحدها يكفي للانسحاب أو الموت - في شخص واحد؟
لذا فإنني أحمد الله ثانية - ونحن في شهر الصوم - أن قيّض لي من يهدي إليّ عيوبي، حتى لا استمر في تعكير صفو النقاد الأكاديميين، والأدباء والشعراء الذين أغرقهم الليل، وحتى لا يزيد فضولي أكثر فأتدخل فيما ليس يعنيني... فأنا مجرد أعجمي، ناقد شنطة، معوج اللسان لا أفهم من اللغة العربية شيئاً، ولا أعرف أن نقد رجل فيفيّ من كبائر النقد، وأن إبداء رأي «صحفي» هو تعدٍ على مناطق نفوذ النقد الأكاديمي الذي يشترط تجميع مئات المراجع - حقاً وباطلاً - للكتابة عن قصيدة أو للف والدوران حول تجربة شاعر، أو تضخيم الصفحات للكتابة عن «حبة» وجعلها «قبة» حتى ولو كانت عن شعر العميان.
لقد ربَّاني الرجل الأكاديمي - بحق - تربية «فيفية»، جعلتني أنتفض كالعصفور بلله القطر، وجعلتني أعيد التساؤل عن خبالتي، وجهلي، وسطحيتي، وسذاجة من منحوني الشهادة الجامعية في الأدب العربي، من جامعة عين شمس.
فيا لفداحة الإثم الذي ارتكبه كل من: عبدالقادر القط، ومصطفى ناصف، ولطفي عبدالبديع، وعفت الشرقاوي، ومهدي علام، وإبراهيم عبدالرحمن، وصلاح فضل، وعبدالهادي زاهر، وعاطف جودة نصر ومحمد عبدالمطلب.. إذ أعطوني درجات النجاح في السنوات الجامعية، ودرَّسوا مناهجهم لمدع مثلي.
ويا لجرم كمال أبو ديب، وجابر عصفور، وغالي شكري، وعبدالسلام المسدي، وعبدالله الغذامي، وعزالدين إسماعيل، والمرحوم علي شلش، وإبراهيم فتحي، وعدد كبير من النقاد والأدباء العرب منهم: أدونيس، ومحمود درويش، وعلي الشرقاوي، وسعدي يوسف، وعبدالعزيز المقالح، وفاروق شوشة، وإدوار الخراط، على سبيل المثال، لأنهم أشادوا بما أكتب.
ويا لذنب رؤساء تحرير الدوريات الأدبية: إبداع، وفصول، والقاهرة، والهلال، وشؤون أدبية، ونزوى، وكتابات معاصرة، والفيصل، وغيرها لما نشروه لي من «كلام هزيل» أظنه شعراً أو نقداً، ومن «ممارسات كتابية شوهاء تعيش وتترعرع ويُسكت عنها».
ويا لضيم، ويا لحيف، ويا لظم من منحوني درجة الماجستير في الأدب العربي الحديث - بعد تأخري في كتابة البحث سنوات طويلة بسبب لقمة العيش وتضخم «شنطتي» بالهدايا والكنوز - التي حصلت عليها عن بحث مطول عن: «قصيدة الحداثة في مصر في السبعينيات: التجريب والتحولات» والمناقشون هم: محمد عبدالمطلب، صلاح فضل، عبدالمنعم تليمة، بتقدير امتياز مع توصية بطبع الرسالة.
ثم يا لغبن الأديب حسن الخليل الذي استقدمني للعمل مشرفاً على المفكرة الثقافية بمجلة الحرس الوطني، ويا لجور د. عثمان الصيني الذي تفاهم معي للانتقال لصحيفة الوطن بوصفي محرراً ثقافياً، ثم أخيراً يا لجناية رؤساء الأقسام الصحفية لأنهم ينشرون لي هذا «الفحيح الحداثي» فأنا رجل مدّع، أسعى للإثارة والشهرة، كما قال الدكتور الفيفي.
إن الفيفي يصف الساحة الأدبية بأنها «سوق خالية» وهذا الوصف بمثابة «قدح» في ساحة تمور بالإبداع والدليل ظهور هذه الروايات الكثيفة مؤخراً وصدور عدد كبير من الدواوين والمجموعات القصصية وأيضاً الكتب النقدية. كما أنه يجعل من الوصف بكلمة «صحفي» أمراً سلبياً، وإذا كانت الصحافة لا تعجبه، فلماذا يمارس الكتابة فيها؟
إن كتابة الفيفي هذه لن تؤخر ولن تقدم لأنها كتابة من كشف عن مستواه الشعري منذ عدة سنوات، وأن ما يكتبه لا يتعدى كتابات المبتدئين من الشعراء، ومن العجيب أن تقدم له موسوعة الأدب العربي السعودي نموذجاً شعرياً فيه من الركاكة والضعف الكثير.
إن الفيفي يمارس الكتابة النقدية في الصحف منذ فترة، لكن ما سمعنا أنه حرّك ساكناً، أو التفت أحد لما يكتب، كأنه يلغو في البرية وحيداً، أو كأنه «أطرش في الزفة» يحاور فقط العميان الذين هم أجلى منه بصيرة ورؤيا.
نتساءل: لماذا لا تثير كتابات «الفيفي» شيئاً؟ ولا تطرح موضوعات ذات بال؟ ولماذا لا ينتبه إليها أحد؟
يمكن أن أعفي القارئ من مؤونة الجواب بالقول:- لأنها كتابات هزيلة، عابرة، لا تسمن ولا تغني من جوع.
ليست المسألة في الحصول على درجة جامعية - وإلا لحصلتُ عليها من زمن - لكن المسألة في تصوري هي الانغماس في الحياة الإبداعية والتواصل مع المبدعين الحقيقيين من كافة الأجيال، والكشف عن التجارب الجديدة، والمغامرة النقدية الدائبة، لكن «الفيفي» «المُغامري» لا يغامر أبداً، فهو يظل متمسكاً بجذوره الكهفية الأكاديمية.. فالنوم سلطان له الغلبُ.
إن «الدكتوراه» لا تمنح صاحبها امتيازاً بأنه ناقد أدبي، ثمة فارق بين عمل الناقد وعمل الجامعي.. عمل الناقد هو إضاءة مكامن حركة الإبداع والكشف عن الجماليات الناصعة فيه. الناقد يقود حركة الإبداع والثقافة، يتأمل ويستشرف ويضيف، أما الأستاذ الجامعي فله دوره التدريسي في تعريف الطلاب بعصور الأدب ونظرياته ومناهجه وتياراته. عمل الناقد «إبداعي، وعمل الجامعي تعليمي».
وقليل هم من يجمعون بين الصفتين، وليس «الفيفي» من زمرة النقاد.
وإذا كان أطل على الساحة برسالته: «الصورة البصرية في شعر العميان» فهي رسالة جامعية تقدم متطلبات الحصول على الدرجة فحسب، مليئة بالإحصاءات والجداول، والعبارات الجافة، والمراجع الكثيفة التي لم تجعل من الباحث سوى راصد، ورابط بين الفقرات المقتبسة.. وهذه الرسالة لا تجعل منه ناقداً أدبياً بالضرورة، وإلا فأين هي دراساته عن الأدب السعودي أو الأدب العربي بوجه عام؟ وهل حقاً يستطيع الكتابة عن الشعر الحديث بنزقه، وتجاربه، ومغامراته، أم أنه توقف فحسب عند «التأوق» و«المتمخرق» و«الحندس المتشقق» كما جاء فيما يسميه ديوانه الشعري؟!
الليل أغرقه
لن أتطرق إلى ما ذكره الفيفي عن شعري، فهو مجرد قارئ وهذه رؤيته - ولكن - فيما أعلمه عن نفسي - أنا أحاول كتابة قصيدة مختلفة حتى وإن جاءت بالشكل العمودي، وتكفيني شهادات عشرات الأدباء والنقاد الإيجابية عن نصوصي الشعرية، ويكفيني ما كتب حول ديواني: «فضاء المراثي» - القاهرة 1997م، وما سأصدره قريباً من دواوين ومن كتب نقدية ستجيب عن أسئلة من يهمه الأمر.
وحين حصل الفيفي على الدكتوراه في العام 1993م كان «السمطي» قد نشر أكثر من 70 قصيدة شعرية، وأكثر من 300 دراسة ومقالة نقدية، كان «السمطي» يكتب في الشرق الأوسط، والحياة، والرياض، وكان ينشر دراساته في: فصول، وإبداع، والقاهرة، وأدب ونقد، والثقافة الجديدة، كان «السمطي» قد أصدر مجلة «إيقاعات»، كان لديه مشروع نقدي - ولا يزال - يلتحم بساحة الأدب والإبداع.
«السمطي» نشر دراساته البنيوية والأسلوبية والتأويلية قبل أن يأتي إلى الرياض، كان «السمطي» أحد قائدي حركة الأدب والنقد الجديد في الثمانينيات والتسعينيات.. ومن يسل يعرف ويدرك.. وأعتذر للقارئ للقارئ عن هذه الاستطرادات.
وحين أصدر الفيفي - الذي جاء ليحاكمني ويتحدث عن تجربتي - ديوانه الأول على نفقته بعنوان: «إذا ما الليل أغرقني.. (1990م) صدَّره بقصيدة ردئية بعنوان: «زمان الشعر» نشرت بمجلة «اليمامة» في عدد 30 مارس 1983م والقصيدة الردئية هذه ضُمّنت - للأسف - في موسوعة الأدب العربي السعودي ضمن مرحلة التحديث (ص451) ربما كنموذج لشعر المبتدئين، ومطلع القصيدة هو:


كم شدونا بأناشيد الفدا
كل فجرٍ وانتظرنا الموعدا
فإذا الموعدُ يمسي حلماً
في عيون تتمناه غدا

والفيفي - يكذب فنياً وموضوعياً - في هذه القصيدة، فهو يرى أن زمان الشعر قد ولّى، وأنه هو الذي سيعيد له وهجه بعدما نام المنتدى»:-


أيها الشاعر ماذا ترتجي؟
لم يعد للحرف صوت أو صدى
فزمان الشعر ولّى منذ أنْ
ألف العُرب الرزايا والعدا

حين نشر الفيفي هذه القصيدة الردئية لم يكن زمان الشعر قد ولّى، إلا من عنده فحسب، فقد كان الشعر الحديث في بدايات توهجه في السعودية في مرحلة الثمانينيات الميلادية، وكان في قمة سطوعه عربياً مع أشعار نزار قباني، ومحمود درويش، وأمل دنقل، وعبدالصبور، والبياتي، وأدونيس، وسعدي يوسف، وعفيفي مطر، وأيضاً البردوني، وسليمان العيسى، وعبدالرزاق عبدالواحد وغيرهم.
فكيف ولَّى زمان الشعر وقتها؟
من الوجهة الفنية تخلو القصيدة من أي بيت شعري ذي مستوى ولو متوسطاً، مجرد عبارات تقريرية، والشعر ضد التقرير.
بل إن الديوان كله لا يضم سوى أبيات مرصوصة رصَّاً تلوذ ببعض الصور والتراكيب اللغوية المكررة، التي لا تعبأ بانحراف جمالي جديد، ولا تستشرف أفقاً فنياً مغامراً يجعل النص عنواناً على صاحبه لا العكس.
الدكتور الفيفي لا علاقة له بالشعر أو بالنقد، وفي زمن ذي إيقاع متسارع عليه أن يبحث له عن مهنة أخرى قد تروق لإمكانياته المتواضعة جداً، وليس في هذا الأمر عيب:


إذا لم تستطع شيئاً فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيعُ

يضم ما يسمى بديوان: «إذا ما الليل أغرقني» 12 موضوعاً منظوماً، يغلب عليها التقليد، ويمكن إدارجها بسهولة ضمن كتابات المبتدئين. من مثل:
- عندما أمسي بعيداً
عن شذاكِ يا فتاتي
يتمطى فيّ شوقي
في رياض الذكريات (ص15).
أو:


وتجتاس روحي نمير السواقي
وعزف القوافي وهمس الوترْ
فترتدُ عطشى وعطشى وعطشى
كثغر السراب وحلق الحجرْ

ويتكرر لدى الفيفي المجدد في الشعرية العربية ولغتها حقول دلالية تدل على عبقرية تواصله مع التراث مثل: نتقت نتقاً، رغْتُ، نمرقي، شُزْن، الكلال، وما نهنه، الحندس المتشقق، الوشل، المتمخرق» وغيرها من المفردات المتجددة التي تمنح عمقاً تناصياً لشعره، هذا العمق الذي كرسه بالسطو على بعض أشعار الشعراء العرب وتغيير بعض كلماتها ونسبها لنفسه من مثل:


- طارتْ شعاعاً مهجتي ويدي
تجتسُّ نبضا مات لم يلدِ (ص21).
- تمرُّ بنا الأيام ثكلى ضريرة ص 92.
- لا.. لم أعد أدري ولست أرى
أني سأدري لو حييتُ غدي (ص22).
- ما أنت يا قلبي؟ وكيف خبا
فيك اشتعال كان من عدوي (ص 22)

إن الفيفي يقحم نفسه في مجال الشعر، وبمنظومات المبتدئين التي يطلع بها علينا يظن أنه أصبح شاعراً حتى يجمع الحسنيين معاً: الشعر والنقد وإذا اقترب المرء أو تجاوز الأربعين - حسب التقويم الهجري - ولم يكن له كبير أثر في أي فن، فلينصرف إلى ما يجيده.. ولعل في مقالة الفيفي ما يدل على محتويات الإناء التي تنضحُ بمواهب الذم والقدح والتعريض، وهي مواهب تتطلبها أسواق عمل أخرى سوى الأكاديمية. لن أمارس هذه المواهب التي لا تليق بمن يمارس الكتابة، وينتسب إلى إبداعية اللغة العربية وأدبها.. لكنني أدعو «الدكتور» الفيفي إلى الحصول من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات على ببليوجرافيا مما نشر لي في السنوات الماضية...
أما أنا الجاهل الركيك، فحسبي أن أتمشى تحت حوائط الأدباء والمبدعين، وأن أفرض نفسي على الساحة فرضاً، شاعراً ركيكاً، وناقداً أهوش بالكلام تهويشاً، وصحفياً لا يبغي سوى الشهرة والإثارة، كما اكتشف الفيفي في مقالته.. ويا لنعم الاكتشاف.. الذي جاء بعد أن اكتشف الفيفي في رسالته الجامعية «تفوق العميان على المبصرين في إبداع الصورة البصرية».. ولعل هذه الموهبة في الاكتشاف تعود إلى ممارسته «الكشفية»... حتى إذا وصل إلى «قمة» الأكاديمية، أغلق عليه «كهفه» وهو آمن، وخرج على الناس بعد ذلك باكتشافاته، وربما يصل بعد ذلك إلى تحويل «تراب» النقد والشعر الذي يمارسه إلى «ذهب» لكن لن يصدق رنينه أو بريقه أي مبدع حقيقي في ساحة الأدب العربي.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved