كثيراً ما نسمع عن العولمة، وأنها الطريق إلى الاندماج العالمي والتي من خلالها يصبح العالم وكأنه قرية صغيرة مفتوحة إعلامياً واقتصادياً وثقافياً، حتى باتت قبائل في أفريقيا لم تعرف الكهرباء بعد تسعى للعولمة.. وكعادتنا -نحن العرب - نحاول ان نواجه العولمة بالخطابة والشعر وينتهي دورنا.. فلا نحن انضممنا إلى دول العالم وصرنا جزءاً من كيان دولي!! ولا نحن تعربنا؛ أي صرنا كياناً عربياً موحداً!!..
وتجدنا نستخدم -مع مزيد الأسف- أساليب بدائية لمواجهة خطط شيطانية محترفة وصرنا صيداً سهلاً لكل من يريد الوصول إلينا من كل صوب وجهة في العالم.. فصارت بيوتنا -باختصار شديد- مرتعاً لكل القنوات الفضائية والانترنت؛ فنجد أفراد الأسرة الواحدة يعيشون تحت سقف واحد وفي بيت واحد ولكنهم جميعاً لايعيشون تحت أهداف واحدة، وكل فرد له تليفزيون وجهاز كمبيوتر مستقل عن الآخر وعالمه الخاص به، فالوالد مشغول بسهراته مع شلته وأصدقائه والأم المسكينة تبحث عن زوجها وتجاهد في سبيل حماية أولادها - وفي نفس الوقت - تحاول أن ترضي نفسها؛ أي أنها أمام مهمات قتالية شرسة غالباً لاتنجح فيها فيصيبها الملل والفتور والإرهاق فتتنازل عن مهماتها ومساعيها وتتركها وتلقي بنفسها أمام أقرب تليفون وتلفزيون دون انقطاع.
هذه هي العولمة العائلية مع الأسف، صرنا مرتبطين بالعالم كله ومنفصلين عن أقرب الناس إلينا.. وعندما تنبهت بعض الجهات والهيئات والمؤسسات إلى هذه الحرب غير المعلنة من العولمة، هبت بالتالي لمواجهة العولمة ولكن كيف؟؟ فقط بالسعي إلى عولمة العرب واللغة العربية.. فانظروا إلى ماذا فعلت؟؟.. قامت بانشاء وتصميم مواقع كثيرة جداً على شبكة الانترنت لتشرح للغرب اننا نواجه العولمة وتوضح لهم قضية العرب والمسلمين - قضية فلسطين - وتعرض عليهم صوراً يومية من شهداء وجرحى الانتفاضة في القدس المحتلة وباقي المناطق الفلسطينية في مواجهة الدبابات والأسلحة الإسرائيلية.. وهذا في حد ذاته ليس بالشيء القليل وله مزايا كثيرة ولاشك.. ولكن هل سألنا أنفسنا أين ذلك من العولمة؟!
فالعولمة تتعامل وتفهم اللغة الانجليزية.. إذاً هذه المواقع العربية لن يحاول أي أمريكي أو أوروبي تصفحها أو ان يتفهم وجهة نظرنا في قضايانا وهمومنا وطموحاتنا وفيما يحدث لنا.. فكيف نستطيع ان نؤثر على الأمريكي أو الأوروبي أو حتى الإسرائيلي بالرأي الآخر المنطقي غير المتشنج الذي يثبت بالوثاق والأدلة التي لا تقبل الشك - والتي يملكونها هم - ونعرضها عليهم؟!!
إذ ربما يفهمون ويتفهمون وجهة نظرنا وآرائنا ويتفاعلون معنا.. كيف نقدم لهم مواقع شيقة نستطيع من خلالها تقديم المعلومة القيمة والصحيحة والطرح المتعقل بأسلوب شيق ومقبول لديهم لكي نجتذبهم ونستقطبهم لتصفح مواقعنا؟؟..
فربما يخرج بمعلومة كان يجهلها أو طرح يقتنع به أو يتبنى موقفا داعما لنا؛ في وقت يروج الإعلام الأمريكي والغربي باستمرار صورة مزورة لنا كعرب، وأننا إرهابيون حتى النخاع وشعوب تتقن الكذب والنفاق.. بل إن هذه الصور موجودة أمام أطفالهم منذ الصغر تربوا ونشأوا عليها.. فكيف نغير من مفاهيم ترسخت في أذهانهم؟؟ في الوقت الذي نعلم جيدا أنه ليس لديهم حاجة لتعلم اللغة العربية واننا يجب ان نصل إليهم بلغتهم التي يعرفونها.. وها نحن -بكل السذاجة- نطلب منهم ان يتقنوا اللغة العربية حتى يستطيعوا قراءة ما نكتب، وما ندافع به عن أنفسنا، وما نفضح به تحيز وافتراء الإعلام الغربي.. فإسرائيل - مثلاً - عندما رأت في كتب الأطفال في سويسرا تجاهلاً لمحرقة اليهود الشهيرة (الهولوكوست) قامت الدنيا ولم تقعد حتى اعتذر وزير التعليم عن هذا الخطأ غير المقصود وقاموا بإعادة طبع الكتب بفصول مطولة عن تلك المحرقة.. طبعاً لم تستخدم إسرائيل اللغة العبرية لتقنع أهل سويسرا بما أرادت، وإنما ذهبت إلهيم باللغات الثلاث المستخدمة في سويسرا نفسها وهي الانجليزية والفرنسية والألمانية.. أما نحن فلدينا كل الكفاءات والخبرات والإمكانيات لكي نحول عشرات آلاف من المواقع العربية على شبكة الانرنت إلى مواقع تعبر عن أفكارنا ورؤانا وتوضح أصالة مجتمعاتنا وأخلاقياتها وتقاليدها بلغة تفهمها المجتمعات الغربية وتقتنع بها، ولكننا مع الأسف نستخدم أسلوب النعامة في دفن رأسها في الرمال حتى لا ترى العدو.. هذا من جانب..
وعندما ننظر إلى الجانب الآخر نجد ان بعض فضائياتنا العربية أصبحت بالفعل مسخرة للعولمة، وأعتقد أنها لن تفهم معنى العولمة حتى الآن.. بل ويبدو أنهم فهموا العولمة على أنها الاسم المشتق من (عالمة) ولا أقصد بالطبع عالمة في الذرة أو الاقتصاد أو التكنولوجيا بل عالمة بمعنى راقصة.. وهكذا تعولمت الفضائيات قبل عصر العولمة، وأصبحت تهدر كل يوم ساعات طويلة في فن العولمة، وعندما شمرت بعض المحطات الفضائية العربية عن ساعديها لمواجهة العولمة ماذا فعلت؟؟ كل ما فعلته أنها قامت بترجمة الأفلام والمسلسلات العربية إلى اللغة الانجليزية لاغراء المشاهد الأمريكي والأوروبي لترك ما لديه من برامج وأفلام وتركيز نظره على أفلامنا ومسلسلاتنا المترجمة، وهذا - ولاشك - يثبت للأسف أننا متخلفون.. فمتى كانت الأفلام والمسلسلات وبخاصة المسلسلات المدبلجة التي تعتبر جريمة في حق مجتمعاتنا العربية وفي حق شبابنا بالذات الذين يدفعون ثمن العولمة.. أقول متى كانت تلك الأفلام والمسلسلات هي نتاج ثقافة شعب ما؟؟
ومتى أصبح ما يسمى «بالفيديو كليب» يعبر عن أعرافنا وتقاليدنا وأصالتنا العربية؟؟ ومتى ندرك ونتيقن جيدا ان العولمة أصبحت قدرنا الذي لا مفر منه؟؟ وهل صحيح أننا نستطيع التعامل مع العولمة ومواجهتها؟؟ وهل بإمكاننا ومقدورنا بما لدينا من ارث حضاري عظيم وتاريخ مضيء ومشرف تفعيل الوسائل والسبل المتاحة لنا للوقاية من سلبيات العولمة ومخاطرها ومن ثم التأثير على الشعوب والمجتمعات الأخرى؟؟ وقبل هذا وذاك أريد ان أقول باختصار شديد جدا هل صحيح أننا نريد ان ندخل العولمة؟؟
|