لا يخلو بيت من عواصف الخلاف بين الزوجين، ولا يخلو من شجار وخصام، وقد تتعرض الحياة الزوجية لهزات عنيفة وزلازل تكاد تقوض البناء كله، وتهد ما سهر الزوجان على بنائه سنوات طويلة، وإذا تحلى الزوجان بالحكمة والتروي وكانا من الكاظمين الغيظ والعافين عن بعضهما بعضا استطاعا الحفاظ على أمان بيتهما من السقوط وجدرانه من الشروخ.. أما إذا ترك كل منهما لنفسه هواها وأعطى لغضبه مداه، فإن الهزة قد تسبب شروخاً في جدران حياتهما الزوجية وسيجدان صعوبة في إزالتها، أما إذا تطور الخصام إلى زلزال فقد يهد البيت كله فتسقط سقوفه على رؤوس أصحابه ويطال الأذى المحق والمخطئ والبريء على السواء.
والحياة تشهد بتحطم بيوت بناها أصحابها على أساس متين من الحب وأعمدة مسلحة بالثقة والاحترام.. بيوت مشيدة بهذا النوع من البناء تحطمت في لحظة غضب من أحد الزوجين أو من كليهما ذلك لأنهما لم يتركا خطاً للرجعة، ولم يحافظا على «شعرة معاوية» التي دعا إلى الحفاظ عليها في أشد حالات العداء ناهيك عن الخصام، وهناك للأسف أزواج وزوجات كثر يدب بينهما الخلاف، والخلاف عادة بين الأزواج يكون لأسباب تافهة، فلا يترك هؤلاء بينهما شعرة معاوية ولا يستبقون من خيوط الصبر خيطاً، ولا يجدون نقيصة في بعضهما بعضاً إلا وقالوها ويصل أسوأهم إلى أدنى مستوى من السباب والشتائم وإحصاء العيوب ونكران المحاسن، وقد يتطاير شرر هذا الحريق فيطال الأطفال الأبرياء ولا يحاول الزوجان إطفاء الحريق أو تهدئة ناره على الأقل فيهتك أحدهما أو كلاهما ستر الحياة الزوجية ويفشي أسرارها أمام الآخرين، وينشر ما أراد الله طيه وينسى أو تنسى ما كان بينهما من عقد وميثاق يشهد بأن يكون كل منهما سكناً للآخر، فلا يتذكران ما بينهما من عشرة طيبة، وساعات حلوة، ومواقف نبيلة، ومن حياة لم تخل من الحب.
ولو أضاع الغضب والخلاف والشقاق وتغير الطباع حق الحب.. فأين حق العشرة؟! فللعشرة بين الزوجين حقوق لو أدرك قيمتها الأزواج لما فاه أحدهما في حق الآخر بكلمة جارحة أو هتك له ستراً مهما امتد بينهما الخلاف أو استحكم العداء.
لو أدرك الأزواج أو الزوجات في لحظات الغضب والخلاف وهم يعلنون موت الحب في الحياة الزوجية ويشطبون المحاسن ويضخمون العيوب ويعددون المآخذ.. لو تذكروا حق العشرة بينهما وتذكروا محاسن هذه العشرة واللحظات السعيدة فيها والمواقف الطيبة لحافظوا على خط الرجعة ولتركوا شعرة معاوية قائمة ليجدوا بعد ذلك الحواجز بينهم تزول، والعيوب تذوب، وقوائم الخلاف تتهاوى، وربما يعود الحب يرفرف بأجنحته من جديد في بيت ظن أصحابه أن الحب قد هرب منه لغير رجعة.
إن الخلافات بين الزوجين غالباً تافهة إلا في الكبائر وتظل صغيرة لا تكبر إلا إذا حرص أحدهما أو كلاهما على تجميعها ليلقي بها مرة و احدة في وجه صاحبه، لهذا ينصح علماء النفس والاجتماع بالتخلص من صغائر الخلاف بين الزوجين أولاً بأول بأكثر وسائل التفاهم الإنساني تحفزاً إلا وهو الحوار والتفاهم تارة، وغض الطرف والتسامح تارة أخرى، وإذا كان معاوية قد دعا إلى الحفاظ على شعرة في التعامل مع الناس لو شدوها أرخاها حتى لا تنقطع فما بالنا بالعلاقة بين زوجين يربطهما أقوى ما يمكن أن يربط رجلاً بامرأة على وجه الأرض!.
|