لابد أن يعمل العرب والمسلمون على تحسين صورتهم في أعين الغرب، هذه عبارة اقرأها واسمعها كثيراً عند مناقشة الحوار الإسلامي العربي مع الغرب، ولكنني أفهمها على النحو التالي، إن أفضل طريقة لتحسين صورة العرب والمسلمين في أعين الغرب هو أن يمتنع العرب والمسلمون عن ارتكاب الحماقات والجرائم التي تحصل في العالم، وإلا فما معنى ينبغي تحسين صورة المسلمين في أعين الغرب؟ وكيف يمكن أن تتحسن صورة العرب في نظر الآخرين؟ وبصيغة أخرى كيف يمكن أن يقبل الآخرون العرب وما هي متطلباتهم لقبول و«لهضم» العرب؟ ما هو ثابت لدي هو أن المسلم على وجه الاجمال، والعربي على وجه الخصوص «ثقيل هضمه» على معدة الغرب عموما وبلاد العم سام بشكل أخص، وكان من افرازات «ثقل النفس» الذي ارتبط بالشخصية الإسلامية والعربية أن كل منجز يتولد عن هذه الشخصية لابد أن يكون ثقيلاً أيضاً ومن هنا جاءت الحضارة الإسلامية في نظر هؤلاء «راديكالية»، أصولية، قائمة على العنف والبطش والتدمير، وعلى هذا الأساس ومن هذا المنبع والمنطق الفكري قامت نظرية صراع الحضارات لصموئيل هنتنجتون، لفتت هذه النظرية أنظار مثقفينا الناطقين بالضاد وخصوصاً بعد أحداث الحادث عشر من سبتمبر لتعقد الندوات وتقام المؤتمرات لمناقشة ما يسمى صراع الحضارات وكذلك أسس الحوار مع الغرب، وعلى كثرة ما أقيم من مناسبات لدراسة هذا الموضوع وعلى تنوع واختلاف مشارب المؤتمرين والمتحدثين، فإن النتائج تكاد لا تخرج عن أمرين، أما الأول فهو أن الحضارات لا تتصارع ولكنها تتعايش وتتآلف ويكمل بعضها بعضا، أما الأمر الآخر وهو مدار حديثنا هنا، فهو الاجماع على أهمية وضرورة تحسين صورتنا المشوهة في نظر هؤلاء، لأهمية هذا الأمر لنقل الصورة الصحيحة عن الإسلام ورسالته.
لا شك عندي أن الحضارات تمر بمراحل حياة مختلفة تتأرجح بين الضعف والقوة والشدة ثم الزعامة والسيطرة، لتبدأ الشيخوخة وغياب الشمس، ومن ثم بزوغ شمس جديدة وحضارة جديدة لأقوام آخرين، تبدأ من حيث تنتهي الحضارات السابقة وتقوم على معطياتها ومنجزاتها، تتعايش الحضارات بمنطق ماراثوني فهي تتسابق باتجاه خط التفوق والسيطرة، ومتى ما تم ذلك لحضارة بعينها فإن هذا التفوق لا يلغي الآخر بقدر ما يحجب عنه الضوء ويركنه جانباً، القدر الذي يجعل الاخرين ينسون منجزاته أو يتناسونها، وها هي حضارة الغرب بقيادة الولايات المتحدة لامست خط التفوق والسيطرة، وركنت ما عداها بعيداً عن الأضواء، إذاً لا فرق بين أن يسمى هذا الصراع صراعاً أو تعايشاً أو تنافساً أو ما شابه ذلك فالنتيجة لن تتغير بتغير المسمى.
هذا أمر منطقي ويمكن تفهمه، ولكن ما لا يمكن القبول به هو أن التعامل المثالي مع هذا الوضع في رأي بعض مفكرينا هو تغيرنا نحن وقبولنا برأي الآخر والخضوع لمتطلباته بتغيير الثوابت والمبادئ التي تقوم عليها حضارتنا، هذه المعاملة بمبادئها التي ننشدها نحن لن تقوم ولن يبادلنا إياها الطرف الآخر إلا بوجود رأي فكري مضاد يقوم على رفض الخضوع لآراء الآخر، والاقتناع بما لدينا من أفكار ومعتقدات وايديولوجيات، بل والمفاخرة بها والسعى إلى اقناع الآخرين بها وبمنجزاتها.
قوة المجتمعات قوة داخلية أساسها قوة المعتقد، والاقتناع بالفكرة وبالهدف المراد الدفاع عنه، وضعف المجتمعات يبدأ بعدم قناعتها بما لديها والاعجاب بما لدى الآخرين، ومنتهى هذا الضعف هو قبول المجتمع بتدخلات الآخرين في أفكاره ومحاولة تغيير تصرفاته، وإذا كان الحال كذلك فإن شعوبنا ومجتمعاتنا وصلت إلى درجة من الضعف، سمح فيه النخبة من مثقفينا ورجال الفكر لدينا بفكرة التعديل والتحسين بل وطالبوا بضرورة التغيير من أجل قبولنا من الآخر وإمكانية التحاور معه، نعم لقد انصاع غالبية من تصدى لمناقشة فكرة صراع الحضارات والتعامل مع الأزمة الراهنة لرغبات الآخر ومتطلباته ونادوا بضرورة تغيير الصورة التي نحن عليها وإلا فما هو نوع التغيير المنشود؟ وإلى أي حد يراد تطبيقه؟ هل لابد أن تخلع نساؤنا الحجاب ليقبلنا الآخرون، وهل نغير مناهجنا الدراسية بتغيير مرتكزاتها وثوابتها أم لابد أن تصبح العلاقة الجنسية جزءاً من المنهج المقرر على أطفال الخامسة والسادسة الابتدائية.
وفي الختام اعتقد انه من المفيد أن نسأل أنفسنا هل نحن ملزمون بتغيير صورتنا وتعديلها أم انه على الآخرين أن يصححوا نواياهم، وان يغيروا من افكارهم ومخططاتهم، وان يعدلوا من «نظاراتهم» ليروا الصورة على حقيقتها كما هي، حيث هي معتدلة متوازنة، فالصورة لم تكن مائلة أو غير سوية في يوم من الأيام لكن الغرب هم الذين تعمدوا أن يروها كذلك، وإلا فما سر انه وراء كل مصيبة تحدث هنا أو هناك عربي مسلم.. ولماذا هذا التحول المفاجئ في سلوك المسلمين في كل مكان.. نعم يمكن أن يبرر ذلك ولكن من خلال منطق يمكن وصفه بالمنطق المقلوب.
|