Sunday 10th November,200211000العددالأحد 5 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الرهان الأخير الرهان الأخير
لبنى وجدي الطحلاوي

تقوم بعض الدول في الغرب وعلى رأسها أمريكا بحملات تمشيط ومداهمة وتوقيف واعتقالات وبشكل عشوائي للكثير من أفراد الجاليات المسلمة لديها، دون أدلة تورطهم في أي عمل مشبوه ودون وجه حق وبشكل مناف للقوانين والأعراف المتعارف عليها دولياً والتي تحترم حقوق الإنسان، إلى جانب ما يقوم به الإعلام الأمريكي من حملات محمومة ومسمومة ضدنا، والإدارة الأمريكية، تقول انها غير مسؤولة عما ينشر في صحافتها مدعية إنها تحترم حرية الرأي ولديها صحافة حرة وتعترف في المواقف الرسمية أمام العالم، ان الشعب السعودي صديق، وان الحكومة السعودية حكومة حكيمة ومتزنة لايشوبها شائبة واحدة في تاريخها كما تعترف بذلك كافة دول العالم لِمَ هذا التباين والتناقض الرهيب بين ما تصرحون به وما تمارسونه من أفعال على أرض الواقع، فلقد تجرأتم إلى حد طلب أخذ بصمات جميع السعوديين الراغبين في الدخول إلى الأراضي الأمريكية، فهذه سابقة فريدة من نوعها لم يسمع بها أحد من قبل، فهذا يعني ان جميع الشعب السعودي مدان إلى ان يثبت العكس، وهذا عكس ماهو متعارف عليه في القوانين الدولية التي تقر بان (المتهم بريء إلى ان تثبت إدانته)، نحن أيضا نتمتع بحرية الرأي ونتمتع بصحافة حرة ولذلك نجيب على صحافتكم الحرة تلك بنفس منطق الحرية هذا، فهل نحن ظهرنا فجأة على خارطة العالم بعد 11 سبتمبر ؟ ألم يكن لنا تاريخ طويل وماضٍ شاهد علينا من التعامل والمواقف المشرفة والحكيمة مع العالم ومع أمريكا على وجه الخصوص حكومة وشعبا فهل أحداث 11 سبتمبر تلغي تلك الحقائق وتنكر تاريخنا الطويل المشرف مع العالم، هل تحولنا جميعاً فجأة بين ليلة وضحاها إلى مدانين؟ وكيف تتهمون الإسلام والمسلمين بالإرهاب؟ ومتى كان شعب المملكة على وجه الخصوص مداناً؟ لِمَ لا تسألون شعبكم الذي عاش بيننا لأكثر من ستة عقود منذ أن ظهر البترول في المملكة للعمل في بلادنا، إن كان وجدنا يوما إرهابيين، إنه عاش بيننا آمنا على نفسه وماله وعرضه أكثر مما يحظى به من أمان في بلادكم، فمجتمعنا من سماته الأمن والأمان الذي حرمت منه معظم دول العالم وأنتم تحديدا أكثر من يدرك ذلك.
فهل وجد هؤلاء من المجتمع السعودي أي عنف أو إرهاب يمارس عليهم، هل بدا علينا شيء من ذلك يوماً؟
ألم نقابلكم بحب وبكرم الضيافة وبحسن الخلق الذي يميزنا، ألم نفتح لكم جميع الأبواب؟ ألم تحظوا بصداقات متينة مع الكثير من أفراد شعبنا؟ وأدركتم أننا شعب ودود ومحب للآخرين ويحترم خصوصية الآخرين ويبتسم في وجه الغرباء هل (بقرار سياسي) نصبح مدانين وتنكرون علينا كل تلك الحقائق فتمزقون صفحات مشرفة وعظيمة وصادقة لبلادنا ولشعبنا مدونة جيدا في ذاكرة التاريخ التي لا تضعف أبداً، وتلقون بها في مزبلة التاريخ؟
ان ما تزعمونه بان هناك 14 سعوديا بين منفذي 11 سبتمبر بصرف النظر عن الأيادي الخفية التي ساعدت وخططت وتواطأت والتي تعرفونها تماما ومدونة في ملفاتكم ضمن الأدلة السرية، هل هؤلاء يمثلون الشعب السعودي الذي قوامه أكثر من 16 مليون نسمة.
والقاعدة وزعيمها أسامة بن لادن هو صنيعتكم فأنتم أول من دعمه بالسلاح والتدريبات والمخابرات وكل ما يلزم لكي ينجح في جهاده ضد الاتحاد السوفييتي، وقلتم عنه مجاهدا وبطلا عظيماً، وقد نجح وأصبحتم القوة العظمى الوحيدة في العالم ان ابن لادن هو (السحر الذي انقلب على الساحر)، إنكم لاتجرأون على فتح ملف (الإرهاب) ولا (القاعدة) لأنكم تعلمون جيدا إن 11 سبتمبر هو نتاج للسياسة الأمريكية الخارجية وهذه هي الحقيقة الوحيدة التي لاتحتمل الشك في كل مايقال هنا وهناك وتعرفونها جيدا أنتم ولاتريدون ان تقروا بها.
لماذا لاتجرون مقابلات مع جالياتكم المقيمة في بلادنا كاستطلاع للرأي عوضا عن أن تتكبدوا أكثر من خمسة عشر مليون دولار، لتلميع صورتكم على حساب (أفلام تلفزيونية) تعدونها للعرب والمسلمين للبث في شهر رمضان، عبارة عن مقابلات مع بعض الجاليات المسلمة في بلادكم، لتظهروا أنهم ممتنون لكم وأنكم تعاملونهم بشكل جيد في مجتمعاتكم وأنكم تقدرون الإسلام والمسلمين وتحترمون الحجاب.... وإلى آخره من الأمور التي لايمكن ان تقنع المشاهد العربي والمسلم لانها باتت منتهية الصلاحية وتعلم الشعوب المسلمة جميعها جيدا ماذا تفعلون مع رعاياهم وماذا تفعلون في غوانتانامو، وماذا تدعون على الإسلام وتشوهونه حتى القسيسين ورجال الدين في بلادكم تجرأوا على الإسلام وعلى رسولنا، حتى مخططاتكم على أمتنا العربية، باتت مفضوحة، نحن لسنا سذجاً فعندما نشاهد أفلامكم تلك (الهوليودية الصنع) التي تعدونها لنا، نصدقها ونظنها واقعاً وحقيقة بالفعل.
لقد سجل بعد 11 سبتمبر العديد من الاعتداءات والعنف ضد الجاليات المسلمة في أمريكا رجال وشباب ونساء محجبات، فهل وجدتم يوما من الجاليات المسلمة و(السعودية) على وجه الخصوص على مدار عشرات السنين أي عنف أو شيء من الإرهاب هل يوجد أفضل منهم خلقاً وتسامحاً وطيبة بين شعوب العالم المختلفة التي تعيش في بلادكم؟
لقد اجتمع الغرب وعلى رأسهم أمريكا ليحلوا مشكلة (تيمور الشرقية) وحققوا لها الاستقلال والانفصال في بضعة شهور لأنه إقليم مسيحي يريد ان ينفصل عن أكبر كيان مسلم في العالم هي أندونيسيا، وفي المقابل صراع عربي اسرائيلي عمره أكثر من خمسين عاماً، صدرت بشأنه عشرات القرارات من الأمم المتحدة فماذا فعلتم له؟ لم تنصفوه يوما بل في المقابل تعطون الدبابات والطائرات الأباتشي والإف 16 للكيان الصهيوني ليقضي على الشعب الفلسطيني مزودين بضوء أخضر فاقع أمريكي، لماذا لم تدعموا استقلاله مثل (تيمور الشرقية) لماذا لم تؤيدوه ليقيم دولته المستقلة على تراب أرضه المغتصبة، حتى قرارات الشرعية الدولية لينال حقه وقفتم أمامها بكل قوة واستعملتم حق الفيتو الدائم لحماية اسرائيل من تنفيذ عشرات القرارات الصادرة ضدها من مجلس الأمن، مع إنكم تدعون ان ما تنوا القيام به ضد العراق من حرب، لتجاهله القرارات الصادرة بحقه من مجلس الأمن، مع ان العالم أجمع يعلم ان اسرائيل صدر بحقها أضعاف القرارات التي صدرت في حق العراق من (مجلس الأمن) وانها لم تنفذ منها شيئاً، حتى في مؤتمر (ديربان) الذي أدانت فيه أكثر من ثلاثة آلاف منظمة عالمية اسرائيل بالعنصرية والتطهير العرقي، انسحبتم منه محتجين وطالبتم الاتحاد الأوروبي ان يحذو حذوكم فهدد بالتبعية لكم بالانسحاب إذا تمت إدانة إسرائيل بذلك، وخرجت القمة والتوصيات دون اي إدانة لاسرائيل، كما أردتم دون ما أدنى اعتبار للحق والعدل وللشرعية الدولية ولمليار ونصف المليار، مسلم في العالم.
هكذا أنتم تفعلون فقط ما يناسب مصالحكم حتى لو على حساب العدل والقيم الإنسانية وحقوق الإنسان التي تتشدقون بها دائماً وأنتم في ممارساتكم مع المسلمين أبعد ما تكونون عنها.
إنكم تشعلون العنف في العالم لأنكم تستطيعون بقرار سياسي واحد حازم وجازم وملزم لاسرائيل ان تحلوا القضية الفلسطينية لو التزمتم بالحياد ولو (لمرة واحدة) فتضعون حلاً وحداً للصراعات في الشرق الأوسط، فتنسحب اسرائيل من الأراضي التي احتلتها في يونيو حزيران 1967م ويقيم الشعب الفلسطيني دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
إن الشعوب باتت لا تثق ولا تصدق إلا ما ينفذ على أرض الواقع، تريد أفعالاً مترجمة على أرض الواقع (لاوعود شهر العسل) المؤجلة.
ويبقى السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هنا، لماذا عندما تقوم جماعة أو فرد بعمل عنيف أو إجرامي ويكون مسلما يركز على ديانته؟ ولماذا إن لم يكن مسلما فقضية الدين لاتثار لا من قريب ولا من بعيد؟ بالرغم من ان المسلمين لديهم قضية عادلة يحاربون من أجلها وان أخطأ البعض التصرف والسلوك، فهذه ردود أفعال لما يتعرضون له، لأن الغرب يبرهن باستمرار من خلال مواقفه حيال القضايا الهامة والعادلة للمسلمين على انه يكن كراهية قديمة ودفينة للإسلام والمسلمين ولم يجد العدل والانصاف طريقهما إلينا يوماً.
إن هناك الكثير من المنظمات الإرهابية في العالم تمارس كل صور الإرهاب بلا رادع ولا تملك أي منها عدالة قضيتنا، ولا يشار عند ذكرها للدين الذي يدين به اتباعها لأنهم ليسوا مسلمين، فقناص واشنطن قالوا عنه مسلما وركزوا على أنه اعتنق الإسلام وغير اسمه لمحمد ولم يركزوا على أنه أمريكي ولد وعاش وترعرع في المجتمع الأمريكي من أبوين أمريكيين ورجل عسكري في الجيش الأمريكي شارك في حرب الخليج السابقة، هم لايدركون ان ملايين السود في أمريكا اعتنقوا الإسلام لأنهم وجدوا في الإسلام المساواة والإخاء والإعلاء للجانب الإنساني في الإنسان ورد لهم اعتبارهم وكرامتهم وآدميتهم بعد ان عاشوا عقودا طويلة من الزمن يعانون التفرقة العنصرية والعبودية والرق، بينما ماكفاي، منفذ انفجار أوكلاهوما، قالوا عنه ينتمي إلى مليشيا يمينية متطرفة، جندي أمريكي شارك سابقا في حرب الخليج لم يتحدثوا عن دينه، ومنظمة (إيتا الانفصالية) باسبانيا التي تطالب بانفصال إقليم (إلباسك) وتقوم بأعمال إرهابية ومدونة كمنظمة إرهابية لم يذكر انتماؤها الديني لأنها ليست مسلمة، ومنظمة (الألوية الحمراء) في إيطاليا منظمة إرهابية عمرها ثلاثة عقود ومن أشهر المنظمات الإرهابية المدرجة في قائمة الإرهاب، لايذكر انتماؤها الديني لأنها ليست مسلمة، ومنظمة (الخمير الحمر) بكمبوديا منظمة إرهابية عمرها عقدان من الزمن لايذكر أحد انتماءها الديني لأنها ليست مسلمة، ومنظمة (كاخ) الصهيونية العنصرية المتطرفة التي كان يتزعمها الحاخام (مائير كاهانا) وكانت تقوم بالمذابح والقتل حتى داخل الحرم الإبراهيمي، لم يذكر أحد انتماءها الديني لأنها ليست مسلمة، ومنظمة (الجيش الأحمر الإيرلندي) في بريطانيا التي تطالب بالحكم الذاتي لإيرلندا وما تقوم به من تفجيرات سنويا وخاصة في المناسبات الوطنية والأعياد في بريطانيا وقتلت الكثير من الضحايا لعقود من الزمن لم يتحدث أحد عن انتمائها الديني لأنها ليست مسلمة، ومنظمة (التاميل) في سيريلانكا منظمة قامت بعمليات إرهابية ومدرجة في قائمة الإرهاب لكن أحدا لا يذكر انتماءها الديني لأنها ليست مسلمة، وغيرها من المنظمات الإرهابية التي لا تحصى ولاتعد ولايشار لانتمائها الديني لأنها ليست مسلمة.
لم ولن تتوانى الأمة العربية والإسلامية يوما عن المطالبة بأرضها المغتصبة وبحقوقها المشروعة ولن نكل ولن نمل من المطالبة، وسنظل نحمل القضية على عاتقنا جيلا وراء جيل إلى ان ينعم الله علينا بالنصر المبين.
لقد اتهمتم الإسلام بالإرهاب بقرار سياسي، لأنه يناسبكم ويناسب مخططاتكم القادمة، كما برأتم اليهود من دم المسيح بقرار سياسي فأعلن البابا تبرئتهم بعد قرون من الزمن فإلى هذا الحد قراراتكم السياسية تغسل العقول وتغير الحقائق لديكم وبكل سهولة حتى معتقداتكم الدينية؟
إذاً نحن جميعاً مليار ونصف المليار مسلم في العالم بانتظار قرار سياسي، كي يبرئ البابا الإسلام والمسلمين من الإرهاب...
ويبقى السؤال الأخير، إلى متى سنظل رهينة القرار السياسي....؟

فاكس: 6066701-02
ص.ب 4584 جدة 21421

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved