Friday 8th November,200210998العددالجمعة 3 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الكلمة في الإسلام الكلمة في الإسلام
رياض بن حمد العُمري ( * )

{أّلّمً تّرّ كّيًفّ ضّرّبّ اللّهٍ مّثّلاْ كّلٌمّةْ طّيٌَبّةْ كّشّجّرّةُ طّيٌَبّةُ أّصًلٍهّا ثّابٌتِ وّفّرًعٍهّا فٌي السَّمّاءٌ (24) تٍؤًتٌي أٍكٍلّهّا كٍلَّ حٌينُ بٌإذًنٌ رّبٌَهّا وّيّضًرٌبٍ اللهٍ الأّمًثّالّ لٌلنَّاسٌ لّعّلَّهٍمً يّتّذّكَّرٍونّ (25) وّمّثّلٍ كّلٌمّةُ خّبٌيثّةُ كّشّجّرّةُ خّبٌيثّةُ اجًتٍثَّتً مٌن فّوًقٌ الأّرًضٌ مّا لّهّا مٌن قّرّارُ (26)} [إبراهيم: 24 - 26]
يحدد الله تعالى في هذه الآيات قيمة الكلمة ويبين أهدافها، يرسم الطريق واضحاً أمامنا لكيلا تتحول الكلمة الى معول هدم وأداة تخريب، فهو تعالى يريد في هذا التوجيه والوضوح ان يجعل من الكلمة أداة بناء تسهم في صنع الخير وإشاعة الود والمحبة بين الناس، فهو عندما يعقد لنا المقارنة الرائعة بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة فيصور لنا الكملة الطيبة ويشبهها بالشجرة المثمرة الراسخة الأصل والجذور في عمق الأرض، والمستطيلة الامتداد والفروع في آفاق السماء، إنما يريد تعالى ان يرسم لنا تصور الإسلام لأهداف الكلمة، وتفسيره لسبب وجودها وآثارها التي يمكن ان تتركها في حياة الإنسان، فالحق تبارك وتعالى يريد أن تكون الكلمة مصدراً للخير والعطاء والإصلاح.الكلمة الطيبة تقع في نفس الضال فتهديه، والمحزون فتسليه، والخائف فتطمئنه، والفاسد فتصلحه، والجاهل فتعلمه، والغضبان فتهدئه والعدو البعيد فتقربه.
إن هذه الكلمة عندما نحسن استعمالها تستطيع أن تفعل وتؤثر في نفس الإنسان المخاطب بها أكثر مما تؤثر وسائل وأساليب كثيرة أخرى، لذلك راح تعالى يوجهنا كي نحسن استعمال الكلمة، ونتقن استخدامها في نشر الدعوة وإصلاح المجتمع، وإشاعة روح الاخوة والمحبة بين المسلمين، وتأمل معي بعض استعمالات القرآن الكريم للقول والكلمة مما يبين أهدافها:
{ وّإذّا خّاطّبّهٍمٍ الجّاهٌلٍونّ قّالٍوا سّلامْا (63)} *الفرقان: 63* ، {إلّيًهٌ يّصًعّدٍ الكّلٌمٍ الطَّيٌَبٍ وّالًعّمّلٍ الصَّالٌحٍ يّرًفّعٍهٍ وّالَّذٌينّ يّمًكٍرٍونّ پسَّيٌَئّاتٌ لّهٍمً عّذّابِ شّدٌيدِ وّمّكًرٍ أٍوًلّئٌكّ هٍوّ يّبٍورٍ (10)} *فاطر: 10* ، {وّقٍولٍوا لٌلنَّاسٌ حٍسًنْا} *البقرة: 83*، { فّأّعًرٌضً عّنًهٍمً وّعٌظًهٍمً وّقٍل لَّهٍمً فٌي أّنفٍسٌهٌمً قّوًلاْ بّلٌيغْا (63)} *النساء: 63* ، {لا خّيًرّ فٌي كّثٌيرُ مٌَن نَّجًوّاهٍمً إلاَّ مّنً أّمّرّ بٌصّدّقّةُ أّوً مّعًرٍوفُ أّوً إصًلاحُ بّيًنّ النَّاسٌ وّمّن يّفًعّلً ذّلٌكّ ابًتٌغّاءّ مّرًضّاتٌ اللّهٌ فّسّوًفّ نٍؤًتٌيهٌ أّجًرْا عّظٌيمْا (114)} *النساء: 114* ، {وّقٍولٍوا قّوًلاْ سّدٌيدْا } *الأحزاب: 70*
فأهداف الكلمة في استعمال القرآن إذن هي نشر الإصلاح والخير والمعروف والسلام والإحسان بين الناس، لأن للكلمة الطيبة أثراً فريداً على شخصية المتلقي لها والمخاطب بها، والقرآن بحديثه هذا يرسم للإنسان بصورة عامة، ولصناع الكلمة من الأدباء والكتاب والخطباء والعلماء والشعراء والدعاة الى الإسلام والإصلاح بصورة خاصة، يرسم لهم كيفية استعمال الكلمة، واسلوب استخدامها، والأهداف الطبيعية التي وجدت من أجلها.
ونحن في حياتنا العملية نلاحظ ذلك واضحاً، ونلمسه بدقة فيما نقرأ وفيما نسمع من وسائل الإعلام، فلنحظ كيف يعرض شخص فكرة ويناقش قضية فتجابه بالرفض والرد والمقاومة من الطرف المتلقي، في حين يتفنن شخص آخر في أسلوب العرض واختيار الكلمة، فتقع في نفس المتلقي موقع التأثير والقبول فتفعل مفعولها وتحقق أهدافها.
وقد تنبهت الدول المتقدمة «مادياً» الى دور الكلمة وأهمية نقل الأفكار وتوصيلها، فبذلت جهوداً فنية ومالية وبشرية ضخمة، لتبني أجهزة الإعلام التي تخدم أهدافها وتحقق أغراضها فسخرت الخطباء والأدباء وعلماء النفس والرأي والإعلام والصحافة لهذه المهمة، وأصبح للكلمة والفكرة خبراء ومهندسون وأجهزة، تخطط للكلمة والفكرة وتشرف على صناعتها وأسلوب ايصالها المؤثر، وقد استطاعت هذه الجهود الضخمة المخططة ان تغزو نفس الإنسان وعقله، مستهدفة نشر الكلمة وإن كانت خبيثة مادامت تخدم مصالحها وتوجهاتها الفاسدة في غالب الأحيان.
لذا كان لزاماً علينا معشر المسلمين إذا ما أردنا للكلمة الطيبة البناءة التي تنشر الإسلام وتعلي رايته وتبصر الناس بدين الله الحق ان تحتل موقعها المؤثر في أنفس الناس، وان تجتث الكلمة الخبيثة بكل صورها وأشكالها من أعماقهم، فلا بد من التخطيط بوعي وخبرة لاستعمال الكلمة وتوصيل الفكرة، لمجابهة الحرب الفكرية والدعائية التي يواجهها الإسلام حالياً، والبحث عن أفضل السبل والوسائل المناسبة في ذلك، مقتفين في ذلك المنهج الرباني المتمثل في قوله سبحانه وتعالى:
ادًعٍ إلّى" سّبٌيلٌ رّبٌَكّ بٌالًحٌكًمّةٌ وّالًمّوًعٌظّةٌ الحّسّنّةٌ وّجّادٌلًهٍم بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ} [النحل: 125]

( * ) المعيد بكلية أصول الدين في الرياض

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved