Tuesday 5th November,200210995العددالثلاثاء 30 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مع سيطرة جنرالات الحرب على الحكومة الجديدة في إسرائيل مع سيطرة جنرالات الحرب على الحكومة الجديدة في إسرائيل
تصفية السلطة وممارسة الترانسفير مخاطر تواجه الفلسطينيين أمام الحكومة المتشددة
حكومة شارون الضيقة أكثر تطرفاً وتهدد استقرار الأوضاع في المنطقة

* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي البلهاسي:
أثار انسحاب حزب العمل الإسرائيلي من الحكومة عدداً من المخاوف على الصعيد الداخلي لإسرائيل وعلى الصعيد الخارجي أيضاً، فداخل إسرائيل أشارت بعض الاستنتاجات إلى ان انهيار حكومة الوحدة الوطنية في إسرائيل بانسحاب حزب العمل سيكون مقدمة لعودة مظاهر الانقسام السياسي الحاد في الساحة الإسرائيلية وان المعارضة الداخلية قد تتصاعد خلال الفترة المقبلة في اسرائيل ضد رئيس الوزراء شارون من أجل وقف الحرب ضد الفلسطينيين وسياسة هدم السلام في المنطقة وان الأمر لن يخلو من انتقادات أمريكية لسياسة شارون ومحاولة فرض قيود على حركته في الفترة المقبلة.
وعلى الصعيد الخارجي عربياً ودولياً برزت مخاوف من اتجاه شارون لتشكيل حكومة ضيقة من اليمين الإسرائيلي لتفادي انهيار الحكومة الإسرائيلية واجراء الانتخابات المبكرة حيث أشار بعض المحللين إلى ان تشكيل حكومة إسرائيلية من اليمين المتطرف سيؤدي إلى المزيد من أحداث العنف والتردي في عملية السلام وهو ما أدى إلى تزايد المخاوف الدولية ومنها الأمريكية من ان يتبع شارون وحكومته الجديدة المزمع تشكيلها خطاً أكثر تشدداً يتطابق مع اليمين المتشدد في اسرائيل.
عدة تساؤلات أثارتها الأزمة السياسية التي حدثت داخل اسرائيل دارت كلها حول مدى تأثير انسحاب حزب العمل في الحكومة الإسرائيلية وتأثير الاتجاهات السياسية الجديدة التي يقودها شارون بعد انسحاب حزب العمل في عملية السلام والوضع المتفجر في الشرق الأوسط وكذلك حول حسابات المكسب والخسارة من وراء الأزمة سواء للاطراف السياسية داخل اسرائيل أو للفلسطينيين الذين ستحدد نهايات الأزمة شكل التعامل الإسرائيلي معهم في المرحلة المقبلة.
أسباب الانسحاب
على الرغم من ان السبب المعلن لانسحاب بن اليعازر وحزبه من الحكومة الإسرائيلية الائتلافية التي تشكلت قبل عشرين شهراً كان الاحتجاج على تخصيص 145 مليون دولار في ميزانية عام 2003 للمستوطنات اليهودية إلا ان المحللين السياسيين، لا يرون فيه السبب الحقيقي للانسحاب فهم يشيرون إلى ان بن اليعازر كان قد أعلن في بداية الشهر الماضي رفضه التصويت ضد الميزانية لأن ذلك يتعارض مع مصلحة اسرائيل وسيؤدي إلى انفراط عقد حكومة الوحدة في وقت يتعرض أمن اسرائيل فيه للخطر من جانب الإسرائيليين والحرب الأمريكية المحتملة ضد العراق وقالوا ان تراجع بن اليعازر فجأة عن هذا الموقف وتصويته ضد الميزانية ضارباً عرض الحائط بتهديدات شارون بطرد أي وزير يصوت ضد مشروع الميزانية لهما أسباب أخرى تتعلق بالأوضاع الداخلية لحزب العمل ولإسرائيل.
فالمراقبون يرون ان الانسحاب جاء لدواعٍ حزبية في المقام الأول في ضوء حالة الضعف التي يعانيها حزب العمل جراء التشرذم والفرقة والانشقاق السائدة في الحزب منذ هزيمة باراك زعيمه السابق في الانتخابات الأخيرة وكذلك استمرار حالة التنافس بين أقطاب الحزب على زعامته وهذا ما دفع بالمراقبين إلى القول بأن بن اليعازر اضطر إلى الاستقالة من الحكومة للحفاظ على استمراره في زعامة الحزب وقد يتمكن بعد ذلك من عقد اتفاق جديد مع شارون يعود به إلى الحكومة وقد اتخذ حزب العمل من مسألة الموازنة ذريعة للانسحاب مع عدم معارضة مسألة الاستيطان لعدم قدرته على تحدي حالة التعبئة القومية - الدينية العامة داخل اسرائيل التي تترجم تلك السياسات المتطرفة للحكومة كما ان تدهور شعبية الحزب دفعه إلى استغلال الموضوع الاقتصادي الاجتماعي بدعوته إلى تحويل الموازنة إلى الخدمات الاجتماعية لكي تزيد شعبيته ويعود إلى المقدمة من جديد.
على ان كثيراً من المحللين يرون ان المستقبل السياسي داخل اسرائيل ليس في مصلحة حزب العمل الذي فقد الكثير من مصداقيته أمام الرأي العام الإسرائيلي خاصة اليهود من أصل عربي الذين لم ينخدعوا بدعوته إلى مساواة ميزانية (مدن التطوير) وهي المدن الفقيرة التي يسكنونها بنظرتها المخصصة للاستيطان ومعظم هؤلاء اليهود من أصل عربي يعدّون حزب العمل هو المسؤول الأول عن مآسيهم وأوضاعهم السياسية والاجتماعية المتدنية داخل اسرائيل.
سقوط شارون!!
ولكن هل سيؤدي انسحاب حزب العمل إلى سقوط حكم شارون وهل سينجح شارون في تشكيل الحكومة الجديدة ويتفادى الانتخابات المبكرة؟ وإذا ما حدثت هذه الانتخابات هل سينجح فيها أم يتولى آخر رئاسة الحكومة الإسرائيلية؟
معظم آراء المحللين تجمع على ان شارون قادر على الاستمرار في حكم اسرائيل من بدون حزب العمل معتمداً على حزب الليكود وحلفائه في التيار الديني اليميني المتشدد وهو ما يسعى شارون إلى عمله حالياً حيث يواصل جهوده لاقناع افيجدور ليبرمان زعيم (الحزب الاتحادي - اسرائيل بيتنا) بالانضمام إلى حكومته مما سيوفر له الأغلبية داخل الكنيست ليصبح لدى حكومة شارون 62 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست.
وحتى لو أخفق شارون في ضم حزب ليبرمان فإن استطلاعات الرأي الأخيرة في اسرائيل تشير إلى ان فوز شارون مرجح في أي انتخابات مقبلة سواء كانت مبكرة أو في موعدها الأصلي وضد أي من منافسيه سواء كان نتنياهو داخل الليكود أو بن اليعازر أو بدائله من حزب العمل حيث أشارت الاستطلاعات إلى انه في حالة اجراء الانتخابات المقبلة فإن حزب الليكود سيفوز ب 31 مقعداً مقابل 19 مقعداً وسيزداد عدد المقاعد التي يحتلها الليكود وانصاره إلى 66 مقعداً مقابل 62 مقعداً في الكنيست الحالي وحملت استطلاعات الرأي بن اليعازر مسؤولية انهيار الحكومة الوطنية وهو ما ساهم في تدني شعبيته.
محاولات شارون للخروج من الأزمة الحالية تثير الكثير من المخاوف إذ تميل توجهاته في تشكيل الحكومة الضيقة الجديدة إلى اليمين المتشدد بصورة واضحة وظهرت بوادر ذلك مع اعلان تعيين موفاز وزيراً للدفاع وتعيين يعلون رئيسا للاركان وتعيين مائير داجان رئيساً للموساد في حين يتوقف منصب وزير الخارجية على مفاوضات شارون مع نتنياهو وليبرمان ليتولى أحدهما حقيبة الخارجية وان كان موقفهما لم يتحدد بعد ومازال بين القبول والرفض.
حكومة حرب
ولا شك في أن سيطرة جنرالات الحرب على حكومة شارون المقبلة ومعظمهم متهمون بارتكاب جرائم حرب وكذلك ميل تشكيل الحكومة إلى من هم أشد عنفاً وتطرفاً في اليمين الإسرائيلي لهما تداعيات خطيرة، وإذا كان شارون يمثل قمة التطرف والعنف داخل المجتمع الإسرائيلي فإن الباقين من التشكيل المزمع لحكومته الجديدة ليسوا أقل منه تطرفاً، فشاؤول موفاز وزير الدفاع لم يحاول أبداً منذ كان رئيساً للأركان إخفاء طموحه السياسي وقد دب خلاف بينه وبين شارون عندما انتقد قراراً اتخذه رئيس الوزراء بسحب الجيش من مدينة الخليل بعد إعادة احتلالها وقاد موفاز عمليات الجيش الإسرائيلي ضد انتفاضة الأقصى التي اندلعت في سبتمبر 2000 بما فيها الاجتياح الضخم للضفة الغربية الذي كان يرمي إلى سحق الانتفاضة، ويعتقد انه كان وراء أوامر تنفيذ عدد من عمليات قتل النشطاء الفلسطينيين الذين تتهمهم اسرائيل بالضلوع في عمليات ضدها.
وقد دأب موفاز منذ فترة طويلة على انتقاد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات واتهم عرفات بترؤس سلطة تشجع الإرهابيين وتمولهم وتدربهم وطالب بطرده ونفيه ولا شك في ان توليه لوزارة الدفاع يعني مزيداً من بحور الدم ومزيداً من البطش بالفلسطينيين ثم يأتي مائير داجان وهو جنرال متقاعد من أشد مؤيدي شارون لكي يصبح رئيساً للموساد وهذا يعني أيضا الاتجاه نحو مزيد من التشدد في التعامل مع نشطاء الانتفاضة.
أما المشكلة الأكبر فتأتي مع تولي أحد اثنين وزارة الخارجية، أما ليبرمان زعيم حزب اسرائيل بيتنا أكثر ساسة اسرائيل تشدداً ودعا خلال الحملة الانتخابية لحكومة شارون إلى ضرب السد العالي وباحراق القاهرة ولا شك في ان تولي مثل هذا المتشدد وزارة الخارجية سيشعل النار في المنطقة، والثاني هو نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل الأسبق وهو المعروف بتشدده ودعوته لتبني سياسة أكثر صرامة في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية المستمرة منذ أكثر من عامين، كما انتقد نتنياهو رئيس الوزراء شارون مراراً ودعا حكومته لطرد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على الرغم من معارضة الولايات المتحدة ومن المعروف ان الارتداد عن عملية السلام بدأ في عهد حكومة نتنياهو.
على ان كثيراً من التحليلات السياسية لاتتوقع لتلك الحكومة المزمع تشكيلها مع الأحزاب اليمينية والدينية المتشددة الصغيرة ان تبقى طويلاً خاصة وان أعضاء كتلة الليكود التي تنتمي إليها شارون لايميلون إلى ذلك ويفضلون إجراء انتخابات مبكرة ويقول المحللون ان هذه الحكومة في حالة قيامها ستظل هشة وواقعة تحت رحمة الأحزاب اليمينية الصغيرة وهو ما سيعجل بانهيارها والدعوة لانتخابات مبكرة قبل موعدها الأصلي في اكتوبر 2003 إذ سيصارع شارون على جبهتين داخل الكنيست لتأمين الأغلبية المطلوبة وداخل حزبه الليكود لمواجهة منافسه على رئاسة الحزب بنيامين نتنياهو الذي يرجح المراقبون ان يرفض عرض شارون بتولي وزارة الخارجية حيث يستعد لانتخابات رئاسة الحزب.
ولكنّ المراقبين يرون ان شارون لن يخسر في الحالتين فإذا قبل نتنياهو عرضه فسيضمن عدم مهاجمته له في الانتخابات الداخلية لحزب الليكود وإذا رفض فسيظهره شارون أمام الرأي العام على انه رجل غير وطني وهو ما سيساهم في تدهور شعبيته وزيادة شعبية شارون ولذلك وصف المراقبون عرض شارون بالعرض (الذكي).
ولكن ماذا لو تشكلت الحكومة على هذا النحو المتطرف واستمرت؟ وماذا ستكون تداعيات ذلك على القضية الفلسطينية وعملية السلام؟
محاولة فاشلة
د.عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يقول هناك عدد من المخاطر التي تواجه الفلسطينيين في المرحلة القادمة خاصة مع زيادة التوجه نحو اليمين المتشدد أهمها التوجه نحو تصفية السلطة الفلسطينية مع وجود شخصيات مثل نتنياهو أو موفاز أو ليبرمان في الحكومة وكذلك هناك مخاطر من تزايد سيناريوهات طرد الفلسطينيين إذا حدثت الحرب ضد العراق واستغلت اسرائيل الأوضاع لتنفيذ ذلك وحتى إذا كان هناك اتفاق مع أمريكا على عدم فعل ذلك فسيصر على عدم تطبيقه ويمارسون سياسة الترانسفير ضد الفلسطينيين.وأشار جاد إلى ان وجود حزب العمل لن يغير الأمور كثيراً ولن يخفف من وطأة التطرف الإسرائيلي فمنذ مقتل رابين تحول حزب العمل إلى جناح من أجنحة الليكود ومن ثم فقد مصداقيته وسيستمر في تدهور شعبيته حتى يتراجع إلى المرتبة الثالثة بين الأحزاب الإسرائيلية الأخرى وستشهد الفترة المقبلة صعود أحزاب أخرى مثل حزب شاس.
ويقول خالد الأزعر الكاتب والمفكر الفلسطيني ان انسحاب حزب العمل لايعني ان ينساق البعض وراء الأحاديث عن خسائر السلام فما يسميه البعض (سلام) لم يكن موجوداً من الأساس أيام وجود حزب العمل في الحكومة الاسرائيلية ولم يكن حزب العمل سوى غطاء معنوي لتصرفات وسياسة شارون وكانت مهمته ان يعرض الحكومة الإسرائيلية الائتلافية وكأنها تمثل كل ألوان الطيف للرأي العام الإسرائيلي.
وأشار الأزعر إلى ان شارون سيظل هو الرابح الوحيد في أي انتخابات قادمة وانه سيتغلب على نتنياهو وقال: شارون هو استاذ نتنياهو في التطرف وهو الوريث الشرعي لاستراتيجية العنف الصهيوني فلماذا يختار الإسرائيليون نتنياهو وهو الذي تفاوض مع الفلسطينيين من قبل وانسحب من الخليل بينما شارون يظهر وجهاً صهيونياً أكثر بقاء ولو كان التجمع الصهيوني اميل إلى التشدد فسيختار شارون.
وأكد الأزعر ان شارون سينجح في تشكيل الحكومة وحتى لو حدثت انتخابات عامة فسيكسب لأن شعبيته تزداد من يوم إلى آخر لأنه يهدف إلى تعطيل مسيرة عملية السلام، والأزمة الداخلية سبب كافٍ له لهذا التعطيل وإصابة الحياة السياسية بالشلل وإخفاق عملية التسوية وهو سعيد بذلك جداً.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved