Wednesday 30th October,200210989العددالاربعاء 24 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أبكيك يا أخي... وأسترجع أبكيك يا أخي... وأسترجع

{إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}
لي مع الموت قصة طويلة، فقد بدأ بأخي سعد ثم والدي الكريم ثم أخي الأكبر إبراهيم ثم راشد ثم أخيراً شقيقي محمد..


ولو كان سهماً واحداً لاتّقيته
ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالثُ

ولكنها إرادة الله وقضاؤه وحكمته.. فهذه دار الدنيا دنيا كما سماها ربها:


حكمُ المهيمن في البرية جاري
ما هذه الدنيا بدارِ قرارِ
طُبعت على كدر وأنت تريدها
صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلِّفُ الأيام ضِدَّ طباعها
متطلبٌ في الماء جذوة نار

* رحل أبو هشام عن الدنيا الفانية وهو في أوج شبابه.


يا كوكباً ما كان أقصر عمره
وكذاك عمر كواكب الأسحار
إني وترت بصارم ذي رونق
أعددته لطلابة الأوتار

* لمَ يا أبا هشام رحلت بل لقد استبدلت بجوارنا خير جوار، جوار أرحم الراحمين.. ما أبعد جوارك عن جوارنا..


جاورت أعدائي وجاور ربَّه
شتان بين جواره وجواري

* قرأ أبو هشام كتب الأدب والتاريخ والإسلام والسياسة وكان يغرف من بحر، وكان غيره ينحت من صخر.. وكتب في الرياضة والدين والفن والشعر فهو أديب مرهف الحس وصحفي لا يعرف المجاملة وهذا عيبه في الصحافة تجلت فيه الأرومة اللاّمية والسجايا الطائية، فمات شامخاً عزيزاً.. لم يحن هامته وكذلك «تموت الأشجار وهي واقفة»..
سائل الدهر مُذْ عرفناه هل يعرفُ
مِنا إلا الفعال الحميدا
* ابتلي أبو هشام بمرض الكبد وعانى من أطباء الوطن الذين تضخَّمت ذواتهم كما تضخمت مرتباتهم في ذلك المستشفى الذي يُصرف عليه ببذخ ويعامل المواطن فيه بفوقية أطبائه الذين يعانون من فيروسات «فلاشات الإعلام والسبق الطبي» والعملية «الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط بل العالم».. ولو تمت الاستفادة منه كمقبرة لأموات المسلمين في شارع التخصصي وسط البلد بدل مقبرة المنصورية البعيدة لكان أولى.. وأعظم منفعة..
* وما يعزيني في موت أخي مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ميت البطن شهيد»، أي الذي يموت بداء في البطن، لشدة آلامه وتمكنها من الصدر وضيقه واكتئابه وحرجه..
* وما يعزيني في موت أبي هشام مثل شدته في جوانب العقيدة والأدب مع الله والأدب مع رسوله.. كان يحب أحد الشعراء وقبل موته بأسابيع كتب ذلك الشاعر قصيدة في رثاء أحد الوجهاء وقال من جهله «هذا قضاه وخبط عشواه من حين» يعني لماذا تقبض هذا الوجيه بدليل قوله في بيت سبقه «مافي الحزون وقطف الأعمار خيرة»،
فلما قرأها أبو هشام غضب وأنكر عليه سوء الأدب مع الله وقال لي: «كلِّم سماحة المفتي... لا يجوز هذا، وأنت طالب علم، لماذا لا تنكر هذا الهدم العلني للعقيدة فأنا مريض ولا يمكنونني من الكتابة ولا ينشرون لي إلا ما يريدون».
وأما رضاه بقدره فكان يردد دائماً: «أنا راضٍ بقدر الله»..
وأما محبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعظيمة جداً، فكان ينكر عليَّ أحيانا وأنا أحدث ببعض أحاديث المصطفى وسيرته أني أنسى الصلاة والسلام عليه أو أذكر أصحابه بأسمائهم دون أمير المؤمنين مثلا في الخلفاء أو الصحابي الجليل أو نحوها... بل كنت حينما أخالفه الرأي في بعض تصرفاته ويجادلني وألجأ إلى ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجاً.. يتوقف ويذعن ويبكي..
وقد صح عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - (أن أعرابيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة: فقال: وماذا أعددت لها، فقال: ما أعددتُ لها كثير عملٍ غير أني أحبُّ الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحبَّ يوم القيامة).
* وما يعزيني في موت أبي هشام أنَّ والدته تدعو له والآن اجتهدت له في الدعاء وأرجو أن توافق في شهر رمضان ليلة القدر وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «دعاء الوالد لولده مستجاب» و«ثلاثة لا ترد دعوتهم... وذكر منهم دعاء الوالد لولده» وفي رواية «دعاء الوالد على ولده».
* وما يعزيني في فقد أبي وإخوتي وأعمامي مثل قول الحق جل ذكره {وّبّشٌَرٌ الصَّابٌرٌينّ. الذٌينّ إذّا أّّصّابّتًهٍم مَصٌيبّةِ قّالٍوا إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ. أٍوًلّئٌكّ عّلّيًهٌمً صّلّوّاتِ مٌَن رَّبٌَهٌمً وّرّحًمّةِ وّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ المٍهًتّدٍونّ}..
فأنا أردد وأسترجع: {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ} واثقاً بأن في الله عوضاً عن كل هالك وخلفاً من كل فائت،
وقد وعد ربنا بالصلوات منه وهي الذكر والثناء في الملأ الأعلى والرحمة منه والهداية التي هي بيده وحده لاشريك له.
* وما يعزيني في فقد أبي هشام مثل قول المولى تقدست أسماؤه {إنَّمّا يٍوّفَّى الصَّابٌرٍونّ أّجًرّهٍم بٌغّيًرٌ حٌسّابُ} فأسأل الله أن يجعلنا منهم وينظمنا في سلكهم.
* وإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا أبا هشام لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا..
* فاللهم اغفر لأبي هشام ذنبه، دقه وجله، وخطأه وعمده وأوله وآخره، واجعل ما أصابه تكفيراً للسيئات ورفعة في الدرجات واغسله من ذنوبه وخطاياه بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله.. وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الآخرين..
واعذه من عذاب القبر وعذاب النار واجمعنا به في مستقر رحمتك ودار كرامتك واصلح ذريته والطف به في كل حال..
واخلف عليه شبابه بجوارك وبرد رحمتك يا حي يا قيوم، اسألك ذلك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت.. ياذا الجلال والإكرام.
* وختاماً أشكر كل من واسانا في مصابنا صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد وصاحب السمو الأمير سعود بن عبدالله بن محمد بن الإمام عبدالرحمن الفيصل وصاحب السمو عبدالعزيز بن محمد بن سعود وصاحب السمو سلطان بن محمد بن سعود الكبير وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن مساعد بن عبدالعزيز وأصحاب السمو الأمراء سعود بن عبدالله بن ثنيان محافظ الهيئة الملكية للجبيل وينبع وخالد بن سعد بن فهد وسعود بن سلطان العبدالله والشيخ محمد بن إبراهيم آل إبراهيم والشاعر طلال الرشيد والشاعر الصديق الوفي توفيق الخليفة، ومعالي وزير المعارف ووزير الإعلام ووكيل وزارة الصناعة والكهرباء لشؤون الكهرباء والأستاذ سليمان العيسى والأستاذ عساف أبو ثنين ورؤساء تحرير جريدة اليوم والاقتصادية والرياضية وجميع زملائه ومحبيه وأبناء الشعب الكريم.
م. عبدالله بن حمد الكثيري

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved