«اخواني، ان بلادنا العزيزة تزخر بحمد الله بموارد اقتصادية كثيرة ومتنوعة من زراعية وصناعية ومعدنية وغير ذلك، وقد وفقنا الله لاكمال جميع ما يلزم توفيره من المرافق الحديثة لاستغلال هذه الموارد وبذلك فقد اصبح أمام المواطنين في جميع أنحاء البلاد فرص واسعة لاستثمار هذه الموارد، على أفضل وجه ممكن ومن أجل تشجيع المواطنين على تحقيق ذلك، وقد أنشأت حكومتنا الأجهزة المختصة للإقراض والإرشاد، كما أجرت الأنظمة والقواعد التي تلزم لذلك أيضاً، وإننا ندعو المواطنين للتوسع في استثمار هذه المجالات بما يعود على وطنهم وعليهم بالخير إن شاء الله، فإننا نطلب من جميع المسؤولين في الحكومة العمل بقوة في سبيل دعم مجهود المواطنين ومساعدتهم وارشادهم إلى إقامة المشاريع الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية، كما نطلب منهم الحرص على تشجيع ما تنتجه المؤسسات الوطنية من انتاج زراعي أو صناعي وما تقدمه من خدمات مختلفة واعطائه الاولوية».
فهد بن عبدالعزيز1/7/1403هـ
مع بدء التخطيط للتنمية وقف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - حفظه الله- طويلاً امام نظريات التخطيط وفلسفاته ليستخلص منها جوهراً اساسياً يتمثل في القدرة على اقامة توازن حكيم بين الموارد وبين الاحتياجات من الخدمات، وقد افادته خبرة ابن الصحراء وتجارب العمل السياسي الطويل التي مر بها في تاريخه الطويل، وانعكس ذلك في المهمة التخطيطية في أنها لم تكتف بضبط حجم الاحتياجات على قدرة الموارد، حتى وإن كان ذلك يكفل قدرا من الطمأنينة، وإنما تجاوزته إلى قائمة الاحتياجات وقائمة أخرى بالطموحات والتطلعات الانسانية التي يمكن أن يدفع بها عصر يزخر بتغيرات ومستجدات ومتحولات سريعة.
من هذا اكتسب التخطيط للتنمية في المملكة شخصيته الفريدة، في أنه قدم لكل مدة خطة للتنمية تتعامل مع مرحلتها وتكون قادرة في الوقت ذاته على التعامل مع مستجدات مرحلة قادمة، ممهدة إلى خطة تالية، وأصبح هذا الشعور أساساً في تحديد الركائز أو المحاور الأساسية في كل خطة، حريصة على ارساء هذا المنهج على اسس اسلامية، وأخلاقية، استمدتها من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وقيمه العظيمة، وانعكس ذلك في تضمين كل الأهداف بعيدة المدى أو قصيرته.
والأسس الاستراتيجية في كل خطط التنمية، التركيز الواجب على أبعاد أساسية، بعد اجتماعي يركز على المحافظة على القيم الإسلامية ويوجه إلى تنمية القوى البشرية، وإلى الرفاهية الاجتماعية، والصحية، والثقافية، بما يتطلبه ذلك من توفير لسبل التعليم، والتدريب، للمواطنين يقدم معطياته من العناصر البشرية الوطنية المسلحة بالعلم والمالكة لقدرة الابداع والتجديد فيما يدفع بهذه الأمة إلى نهضتها المبتغاة، وبعد اقتصادي يتوجه إلى العمل على تدعيم القاعدة الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل، وتحقيق النمو المتوازن للقطاعات والمناطق موجها جهوده إلى الاستغلال الأمثل للموارد الذاتية، والعمل على تحقيق إنتاجية عالية ينعم بخيرها مواطن اليوم، ويتمتع بها أبناء أجيال قادمة، وبعد تنظيمي يتوجه إلى تطوير ينهض بكفاءة الخدمات الحكومية سواء بإنشاء مؤسسات حكومية جديدة، او بإصدار النظم واللوائح الادارية، ومن ثم الارتفاع بالانتاجية.
كل ذلك أخذته جميع الخطط المتعاقبة بعين الحسبان وأحلته موقع الأهمية المناسبة كإطار أساسي لجهود التخطيط للتنمية، وان ركزت كل خطة على توجهات خاصة بها وفقا للظروف المحيطة بها.
أكد خادم الحرمين الشريفين بعد مبايعته ملكاً على البلاد استمرار الارادة التنموية لدى المملكة وتقدم الوعي والتحليل للواقع ومشاكله وحدوده، فقد تطورت أساليب التخطيط الاقتصادي مع تطور التجربة والتطبيق بحيث يمكن ان يتبين مع تعاقب الخطط التنموية ان تجربة التخطيط الاقتصادي تتسع وتثري بالانجازات وبمواجهة العقبات. وقد عبر عن اعتزازه في خطابه بتاريخ 9 / 6 / 1402 هـ. «أنا كمواطن أعتز بهذه المشاريع وخلافها من المشاريع الصناعية التي سوف نلمس من الآن وفي المستقبل فائدتها للوطن ونأمل أن تواصل كل الجهات التي لها علاقة بالمشاريع الانمائية في هذا الوطن العزيز سواء كانت صناعية أو زراعية أو عمرانية أو طرقاً ومستشفيات وخلافها فنحن ما بين وقت وآخر نرى مشاريع جديدة تقام في هذا الوطن العزيز والقاعدة التي نسير عليها فيما سبق إلى الآن هي أن تتكلم المشاريع عن نفسها».
فهد بن عبدالعزيز9/6/1404هـ كانت خطة التنمية الثالثة «1400- 1405هـ» اولى الخطط التنموية في هذا العهد الزاهر وقد وافق تنفيذ هذه الخطة بعض الظروف المحلية والعالمية، وهي مرحلة تم فيها أكبر توسعة في اقتصاد المملكة وزيادة في ايرادات النفط ساهمت في التعجيل بالتنفيذ كما صاحب اعداد الخطة الثالثة تقدم المملكة لتحتل مكانها كقوة مالية كبرى وبروز عملها الاقتصادي القائم على أنها أكبر مصدر للنفط في العالم، وما تبع ذلك من مسؤوليات وواجبات دولية.
وكانت الخطة الثانية قد أسهمت إسهاما واضحا في تكوين هيكل من التجهيزات الأساسية التي ركزت عليها الخطة الثانية، كما استطاعت المملكة بعد تجربة الخطتين الأولى والثانية أن تتحكم في الضغوط التضخمية التي كانت تضغط على مستوى المعيشة، وتهدد نظام الأسعار، وقد نتج عن هذا تحسن في المستوى المادي للمعيشة لمعظم السكان، وقد سجلت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي «بما في ذلك الزيت» ارتفاعا بنسبة «4 ،26%» خلال المدة من 1395- 1400هـ، ومع ذلك فقد ظل عدم التوازن بين احتياجات الاقتصاد المتزايدة من القوى العاملة وبين عدد السعوديين الذين ينضمون لسوق العمل قائما مع ما صاحب ذلك من مشاكل تحتاج لمواجهة ومعالجة.
وقد حرصت هذه الخطة بشكل أساسي على احداث تغيير جذري في بنية الاقتصاد الوطني من خلال تحديد مستويات انتاج النفط والغاز والحرص المستمر على تنويع القاعدة الاقتصادية واقامة الصناعات الهيدروكربونية فضلا عن التقليل من نسبة الاستثمارات الموجهة إلى التجهيزات الأساسية وتلافي حدوث ارتفاع في معدلات التضخم،كما استهدفت خطة التنمية الثالثة زيادة الناتج المحلي الإجمالي من «6 ،358» بليون ريال في بداية الخطة «1400/1401هـ» إلى «6 ،419» بليون ريال خلال الخطة بمعدل نمو متوسط قرابة «3 ،3%»، ولتحقيق هذا الهدف قدرت الاعتمادات المالية لتنفيذ الخطة الثالثة بما يقارب «999» بليون ريال، تمثل الحد الأعلى للانفاق خصص منها لقطاعات التنمية «7 ،701» بليون ريال أو ما نسبته «7 ،89%» وقد زاد الانفاق الحكومي الفعلي عما هو مقدر في الخطة بنسبة «20%» وذلك للحاجة إلى انشاء المزيد من التجهيزات الأساسية للطلب المتزايد على خدماتها.
وبذلك حدث تغير في التوزيع الهيكلي للانفاق خاصة بالنسبة لقطاع التجهيزات الأساسية مما أدى إلى زيادة في استقدام الأيدي العاملة، وصاحب ذلك زيادة في الطلب على السلع والخدمات، وبلغ المنصرف الفعلي على قطاع التجهيزات الأساسية «6 ،40%» من مجموع المنصرف على القطاعات التنموية أي بزيادة قدرها «5%» عن التقديرات الأولى للخطة، وأنفق على قطاع الموارد الاقتصادية «3 ،3%» من حجم الانفاق على قطاعات التنمية بنقص قدره «7%» عن اعتمادات الخطة، وذلك نتيجة من تغير الأهمية النسبية للقطاعات المختلفة خلال مدة التنفيذ، فزادت حصة القطاع الخاص في تكوين رأس المال الثابت خلال تنفيذ الخطة من «2 ،23» بليون ريال عام 1399/1400هـ إلى «7 ،37» بليون ريال عام 1404/1405هـ، وبلغت جملة استثمارات القطاع الخاص خلال سنوات الخطة «1 ،177» بليون ريال مما دعم استقلال القطاع الخاص عن المصروفات الحكومية، وكان القطاع الصناعي من اهم القطاعات التي حققت نمواً كبيراً في هذه الخطة حيث بلغ نموه السنوي «1 ،14».
وكان القطاع الزراعي قد تجاوز ما كان مستهدفاً، وذلك نتيجة لانواع الدعم والاهتمام الخاص من خادم الحرمين الشريفين الذي هدفت سياسته في هذه الخطة إلى دعم القطاعين الصناعي والزراعي للتقليل من الاعتماد على صادرات البترول، والعمل على تحقيق توازن بين الاستثمار في القطاعات الانتاجية والاستثمار في مشروعات رأس المال الاجتماعي، إنجازات القطاعات.
وتعد خطة التنمية الرابعة «1405-1410هـ» أول خطة تنمية تنفذ مكتملة في عهد الملك فهد، فقد بدأت هذه الخطة في العام الثالث من حكمه، واشارت في مقدمتها إلى أن إعداد هذه الخطة قد استوجب اجراء تقويم لما تحقق عبر السنوات الخمس عشرة الماضية، فضلاً عن ان هذه الخطة جاءت في منتصف الطريق إلى الهدف الذي استشرفته المملكة عند بداية تجربة التخطيط، وتطلعت فيه إلى عام 1420هـ الذي انقضى وسلكت بالخطط الثلاث الأولى خطوات إلى تحقيق انجازات أكبر، ووعود أكثر في مجالات التنمية كافة، ولعل أبرز خصائص الخطة الجديدة تأكيدها على أن يكون محورها الأساسي هو الانسان السعودي بعد ما تحققت انجازات في البنية الأساسية والبناء الاقتصادي والاجتماعي لمؤسسات الدولة.
وكان ذلك تحقيقاً لما تميزت به توجهات وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين واتسم بها عهده منذ بداية توليه الحكم، وتتفق دراسات التخطيط والاقتصاد في المملكة على أن خطة التنمية الرابعة قد أعدت في ظروف اقتصادية جديدة تطورت تدريجياً منذ نهاية الخطة الثانية ولكنها لم تظهر وتتكامل إلا في نهاية الخطة الثالثة، ومن الممكن تلخيص هذه الظروف في النقاط التالية:
1- استكمال الجانب الأكبر من التجهيزات الاساسية.
2- تحقيق تقدم في هدف تنويع القاعدة الاقتصادية.
3- زيادة امكانات القوى البشرية واعداد المتعلمين والمتدربين.
4- ادخال تحسينات ملموسة في الكفاية الادارية للاجهزة الحكومية.
5- حدوث تطور واضح في القطاع وزيادة كفاءته الانتاجية والاقتصادية.
6- حدوث انخفاض في مستوى عائدات النفط ومع ذلك فقد بدأ الاقتصاد العالمي الخروج من اطول فترة ركود اقتصادي شهدها العالم وقد ادى هذا إلى اتباع اسلوب اكثر واقعية في تمويل كل من النفقات المتكررة ونفقات المشاريع، وقد ادت هذه الظروف في مجموعها إلى ان يتجه التركيز في الخطة الرابعة على اعادة تركيب البنية الاقتصادية بحيث يؤدي القطاع الخاص عملاً رياديا في التنمية.
وهكذا تم التركيز على مجموعة من السياسات والجوانب التفصيلية لعملية التنمية تحددت في أهداف الخطة التي كان ابرزها تكوين المواطن العامل المنتج وتنمية القوى البشرية ودفع الحركة الثقافية إلى المستوى الذي يجعلها تساير التطور الذي تعيشه المملكة وتخفيف الاعتماد على انتاج وتصدير البترول الخام، وقد بلغ الانفاق الفعلي على الخطة الرابعة «828» بليون ريال تقريبا وقد أبرز ذلك أهمية هدف تنويع القاعدة الاقتصادية وسياسته واستراتيجيته لتقليل الاعتماد على الايرادات النفطية.
ومن مجمل هذه الظروف التي صاحبت تنفيذ الخطة الرابعة جاءت خطة التنمية الخامسة «1410-1415هـ» بدورها لتمثل مرحلة انتقالية أخرى، فقد اتجهت إلى العمل على تعزيز الانتعاش الذي بدا واضحاً في السنوات الأخيرة من خطة التنمية الرابعة، كما أنه بعد استكمال برامج الاستثمار في التجهيزات الأساسية وتوفر الخدمات الأساسية للمواطنين ولا سيما خدمات التعليم، والرعاية الصحية، أصبح واضحاً أن الاقتصاد الوطني يدخل في مرحلة جديدة من مراحل التنمية مختلفة اختلافاً بيناً عما ساد خلال الخطط السابقة، ولهذا اكدت هذه الخطة على استمرارها في دعم القطاع الخاص ومساندته لزيادة استثماراته من خلال مجموعة من الاجراءات التنظيمية. ومن الحوافز والتمويل المشترك بين القطاعين الخاص والعام، كما واصلت الخطة سعيها لتنويع القاعدة الاقتصادية وتقليل اعتماد الاقتصاد الوطني بصورة تدريجية على قطاع النفط كمصدر رئيسي للدخل الوطني، فيتجه التنويع اساساً إلى زيادة اسهام القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الاجمالي، وعلى الرغم من كل الصعوبات التي واجهتها الخطة الرابعة فإن الاقتصاد السعودي قد دخل مدة خطة التنمية الخامسة بكثير من جوانب القوة الايجابية المدعومة بارتفاع مستويات المعيشة وتوفر فرص النشاطات التجارية وتوفير تجهيزات أساسية ذات نوعية عالمية.
وقد اكدت توجيهات قائد مسيرة التنمية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله على المحافظة على الرفاهية ونوعية الحياة للمجتمع السعودي فضلاً عن تنمية الموارد البشرية السعودية والاستفادة القصوى منها، والتركيز على تغيير البنية الاقتصادية عن طريق النمو والتعجيل في تنمية وتطوير العلوم والتقنية.
وجاءت خطة التنمية السادسة «1415-1420هـ» في ظل متغيرات دولية ومستجدات محلية، وعدد من التحديات الاقتصادية، ومع ذلك فقد سارت هذه الخطة بفضل الله سبحانه وتعالى ثم برعاية من حادي مسيرة التنمية في هذا الوطن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله نحو أهدافها لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي، لقد تحدّت هذه الخطة في واحدة من أقسى الظروف السياسية والاقتصادية نتيجة لحرب الخليج والتطورات السلبية التي سادت خلال السنوات السابقة في سوق النفط العالمي، وترتب على ظروف الحرب زيادة النفقات الحكومية إلى جانب الالتزامات المستمرة التي تحتاجها متطلبات استمرار التنمية.
ويضاف لكل هذه العوامل الداخلية تأثير التطوير الكبير الذي استحدث خلال سنوات الخطة الخامسة وتمثل في الانظمة الثلاثة وهي النظام الاساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، فقد كانت لهذه النظم انعكاساتها الهامة على البعد الاقليمي للخطة وذلك التأثير المباشر على هيكل ومحتوى تخطيط التنمية الإقليمية كمكون حيوي من مكونات الخطة، أما بالنسبة للقطاع الخاص فقد ترتب على عودة ارصدته المالية من الخارج وتزايد السيولة النقدية لديه ضرورة ايجاد سياسات ملائمة تمكن هذا القطاع من تحويل موجوداته المالية إلى استثمارات عينية ثابتة داخل المملكة، فكان من الضروري للخطة أن تشتمل على سياسات محددة تهيئ المناخ الاستثماري المواتي للقطاع الخاص لتوظيف موارده الاقتصادية وقد تزامن هذا مع إعلان الحكومة الصريح توجهها نحو تخصيص بعض المرافق الحكومية ذات الصبغة التجارية.
وبناء على ذلك حددت الخطة اولوياتها فيما يلي: الاستمرار في دعم الدفاع الوطني وتعضيده، والتطوير المستمر للقوة الدفاعية الذاتية للمملكة، وتعميق الولاء والانتماء لدى المواطنين، وترشيد الانفاق الحكومي وزيادة اعتماد الاقتصاد الوطني على اسهامات القطاع الخاص، واتخاذ الوسائل الكفيلة بمعالجة المعوقات التي تواجه تنمية القوى البشرية وتوظيفها، والتوسع المستمر في التجهيزات الاساسية وصيانتها بصورة تتلاءم مع توسع الطلب عليها نتيجة زيادة أعداد السكان وكثافة التجمعات السكانية.
يتبع |