Thursday 24th October,200210983العددالخميس 18 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شدو شدو
بين دريدا وابن دريد..!
د. فارس محمد الغزي

أنا ابن دريد يا دريدا.. مثلك أنا أعزق في أرض اللغة الخصبة غير أنني لا شك أفوقك قدراً وقدرة، فقد أتيت في زمن جميل منحني فيه قومي أجمل توصيف وذلك هو «أشهر العلماء وأعلم الشعراء».. ومع ذلك أخبرني من تكون.. وليتك في معرض ذلك تبين عن سر ما بك حيث تبدو شاحبا.. قلقا.. بل غائر العينين.. زائغ النظرات..؟!
دريدا: حسنا أنا «حداثي» أموت كل مرة أحبر فيها نصا.. أقصد أنني أموت كل مرة أنشر فيها مؤلفاً وذلك أخذاً بنهج «موت المؤلف».. أما ما يبدو على محياي فهو عرض من أعراض داء الحداثة الذي ابتليت به فأنهك قواي وشلَّ قدراتي، بل جعلني أدور في حلقة مفرغة هي «أنا» يدور حول ذاته.. لا يفهمها سواه.. أما ما عدا «أنا» فلهم من الفهم الطوفان المعجم الملجم.
ابن دريد: عفواً لم أفهم ما تقصده لاسيما «حكاية!» موتك بمجرد أن تؤلف كتاباً..؟
دريدا: إنه ليس بالموت الحقيقي يا سيدي في زمن تولى.. بل هو بالأحرى كناية عن ريادة ما يخطه اليراع حتى لو كان في عداد سقط المتاع.. فموت المؤلف هنا لا يعادله سوى كلمة «طز!».. بمعنى ان المؤلف هنا ليس إلا ملكة نحل تموت بمجرد إتمامها لعملية التلاقح.. أما النص.. فالنص العسل..
ابن دريد: أمرك غريب يا دريدا.. وعلى منوال قاعدتك هذه فمن المفترض أنني قد قُضيت بمجرد ان فرغت من تأليف كتابي «جمهرة اللغة».. غير أنه بفضل «عدم موتي» هذا استطعت ان أقدم تباعا العديد من المؤلفات التي منها تمثيلا «الاشتقاق» و«المقصور والممدود»..
دريدا: كلامك هذا يقع بالنسبة لي خارج حدود النص المتاح لي فهمه.. حبذا لو هبطت في مطار الحداثة لنستقبلك هنا بحفاوة وترحيب وفوق ذلك «بالفهم» لما تقول.. ففي ثنايا تحبيرك - لا تفكيرك - يا ابن دريد.. يقبع ما يُفهم من المحسوس الملموس..
ابن دريد: لو قلت «الملحوس..!» المنحوس لكان أبلغ.
دريدا: «برافو عليك!».. لقد أصبت حتى لو كنت مخطئاً.. فيكفيك أيها الحاضر/ الغائب محاولتك تسجيل حضور في وقت انتفى فيه الغياب والحضور بفعل سرمدية تواترهما..!
ابن دريد: «غثيتني يا الغثيث..!» فمن تكون حقا؟ إنني أشم فيك أحبار إسرائيليات أحباركم التي راجت على وجه الخصوص في أيامنا الخوالي..
دريدا: «صح لسانك!».. فأصلي أنا من بني يهود..!
ابن دريد: إذن فقل لي يا دريدا أما يزال قومي سادة قومك بل رواد الكون.. ملاّك نجوم العلياء..؟!
دريدا: في الحقيقة.. أخاف ردة فعلك فيما لو أفصحت لك عن الحقيقة.. غير أنني أستطيع القول تمثلا وتحريفا وترميزا: «لكل شيء إذا ما تم تفكيك..!!».
ابن دريد: على رسلك.. لقد فهمت عليك رغم أنك الإلجام ذاته.. فهيا إذن أعطني عنوان أقرب مقبرة.. فأنا لا أطيق الموت المعنوي.. فالموت الحقيقي أكثر راحة من صهيل الجينات العربية الأصيلة في كياني..!
دريدا: «أوكي..!» هل أنت أيضا بحاجة الى مساعدة في إهالة تراب قبرك عليك بطريقة حداثية..؟!
ابن دريد: لا بأس.. شريطة ان تدعني أحثوه أولاً في وجهك بطريقة تراثية..!

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved