«الوفاء» سمة من سمات هذا الوطن، وقيام هذه الدولة على يد مؤسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - يعد ملحمة عظيمة من ملاحم الوفاء، ومن هذا التاريخ الفريد نفهم أن وفاء الحاكم لشعبه أو وفاءالشعب لحاكمه يتجه في غايته الأساسية لهدف أسمى، هذا الهدف يدخل في قاعدة «الولاء» و«البراء» الولاء لمن أطاع الله وعمل بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والبراءة ممن خالف ذلك ولم يحكم بما أنزل الله.
هذه هي الفلسفة الحقيقية التي تقوم عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم في المملكة العربية السعودية، وللأسف يتوه بعض الذين يبحثون عن سر التلاحم بين الشعب وقيادته في هذه البلاد، هذا التلاحم لا يمكن أن تنفصم عراه ما دام هذا الدين قائماً وراية «لا إله إلا الله محمد رسول الله» ترتفع على أعلام هذا الوطن التي لا تنكس لموت بشر دون بقية أعلام دول الأرض.
و«الوفاء» في هذا البلد لا يقوم للأشخاص في ذواتهم، وإنما يكون للقيم العظيمة والمعاني السامية وتأصيلاً لرسالة الإسلام الخالدة، فإذا ما ذكر الأشخاص فإنما يذكرون لأنهم كانوا يمثلون هذه القيم السامية ويعملون على رعايتها وتطبيق أهدافها، ولعل في هذه «الفلسفة» أو «الرؤية» للتاريخ السعودي في دوله الثلاث المتعاقبة ما يصعب فهمه على الكثير من المتابعين السياسيين والمؤرخين، الذي يخطئ بعضهم في أحكامه إن أحسن النية دون فهم، ويشتط البعض الآخر إن أساء النية دون علم.
ولولا «الوفاء العظيم» لهذا الشعب ليحقق له العدل المتعطش إليه وليقيم فيه شرع الله الذي يهفو إليه قلبه لما سعى الملك عبد العزيز لإقامة هذه المملكة المترامية الأطراف، وقد تشرب هذا النوع من «الوفاء» أبناء الملك عبد العزيز، وفي مقدمتهم الملوك الذين حكموا من بعده «سعود وفيصل وخالد» رحمهم الله جميعاً، وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز حفظهما الله وأدامهما عزاً لهذا الوطن حيث ضربا أروع الأمثلة في «الوفاء » بما قدماه في أكثر من عشرين عاماً من انجازات لهذا الشعب لم تستطعها دول أخرى في عشرات السنين.
لم أعجب لهذه «اللفتة» الوفية من سموه، وليس مثلي الذي يزكيه، فما أنا إلا جندي من جنوده وتلميذ في مدرسته، وإنما ستشهد له أعماله التي تسير على نهج «الوفاء العظيم» الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وولي عهده الأمين سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز، وتحدوها توجيهاتهما السديدة بهذا الخصوص في مجالات خدمة هذا الوطن وشعبه كافة.
نعم لم أعجب لهذه «اللفتة الوفية» كما لن يعجب أي فرد من أفراد القوات المسلحة السعودية من صغار الرتب إلى أكبرها، وبالمثل لن يعجب أبناء الشعب السعودي في مختلف الأعمال، ذلك لأن سمو الأمير سلطان الذي بدأ عقداً خامساً - بفضل الله وتوفيقه- في خدمة القوات المسلحة، له من الأعمال ما طالت مناحي حياة المواطن السعودي كافة ولم يقتصر على خدمة القوات المسلحة وحدها، فهو مؤسس «مدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية» و«مركز الأمير سلطان للعلوم والتقنية» و«برنامج الأمير سلطان لدعم المعوقين والموهوبين» و«برنامج الأمير سلطان للاتصالات الطبية والتعليمية» وغيرها من عشرات البرامج والمشروعات التي يمولها من حسابه الخاص مثل: «مشروع بحث مرض الخرف» و«برنامج التربية الخاصة بجامعة الخليج» وغيرها كثير مما يصعب احصاؤه في هذا المقام.
ولابد لي أن أوضح أن الجانب الإنساني عند سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز يحمل معنى مركباً عميق الأبعاد يقوم على ثلاثة أضلاع أساسية أو ثلاثة أهداف استراتيجية وهي: هدف خيري - هدف ثقافي - هدف ديني.
وكل الأعمال السابقة الذكر تقوم على هذه الأضلاع الثلاثة، حتى ولو كانت بارزة الوضوح في جانب من الجوانب، مثل موسوعة الأمير سلطان العربية العالمية ذات الهدف الثقافي الواضح، فإنها أيضاً تصب في خدمة العمل الوطني والإسلامي المتميز الذي تقدمه المملكة في هذا المجال، وهذا يدفعني إلى القول إن جوهر فلسفة سمو سيدي الأمير سلطان بن عبد العزيز في خدماته كافة التي يقدمها تجعل من كل الأهداف الثلاثة السابقة الذكر تصب في خضم بحر «الوفاء» لهذا الوطن ملكاً وشعباً، والمعادل الموضوعي لهذا «الوفاء» هو خدمة الإنسان السعودي خاصة، والإنسان المسلم عامة، هذا الجانب يسمى في المصطلحات الاقتصادية «تنمية القوى البشرية» أو «التنمية الوطنية للقوى البشرية»، وهذه التنمية لا تكتمل في دولة تتخذ من الاسلام عقيدة ومنهاج حياة إلا بتلك العناصر جميعاً، وهذا يبرز في قول سموه في الكثير من خطبه:
«إننا نهتم بالإنسان قبل الآلة، والآلة يمكن شراؤها من أي بلاد لكن الإنسان يحتاج للاهتمام والعناية ورفع الحالة المعنوية لأنه لا يصنع في الخارج وانما نحن مسؤولون عن اعداده في الداخل».
وهذا الاهتمام بإعداد الإنسان السعودي من الداخل جعل خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين - حفظهما الله - يسندان لسمو سيدي الأمير سلطان رئاسة الكثير من اللجان التي تصب في خدمة «التنمية البشرية السعودية» في المجالات كافة مثل: رئاسته لمجالس ادارة القوى العاملة والخطوط السعودية والهيئة الوطنية لحماية البيئة الفطرية، ورئاسة عدد من اللجان مثل: اللجنة العليا للتوازن الاستراتيجي والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والهيئة العليا للدعوة الإسلامية، كما أنه نائب رئيس اللجنة العليا لسياسة التعليم واللجنة العليا للإصلاح الإداري، وهذه المسؤوليات من الناحية الشكلية لا علاقة لها بمسؤوليته الأساسية بوصفه وزيراً للدفاع والطيران، ولكن من الناحية العملية فإن خادم الحرمين الشريفين القائد الأعلى لكافة القوات المسلحة - حفظه الله - يدرك أن اشراك وزير الدفاع في هذه المسؤوليات يعد اثراء للقوات المسلحة السعودية، فكل فرد في القوات المسلحة هو مواطن في المقام الأول يحتاج للتسلح بالعقيدة والوطنية والعلم والثقافة، وهذه حسياً يحتاجها رجل القوات المسلحة جنباً إلى جنب مع التدريب على حمل السلاح، ومن دون هذه العناصر التي لا تخرج عن الاضلاع الثلاثة لفلسفة سمو الأمير سلطان «حب الخير - الثقافة - الدين» لا يمكن لرجل القوات المسلحة أن يكون مواطناً صالحاً ومقاتلاً وطنياً شجاعاً يؤمن بالهدف السامي الذي أسست له هذه القوة، وهذا الهدف يعبر عنه سمو سيدي وزير الدفاع بقوله: «المملكة تسير وفق نهج عسكري يهدف إلى بناء المقاتل السعودي روحياً وفكرياً وجسمياً، آخذاً بأسباب العلوم الحديثة والتدريب والتربية العسكرية المعاصرة المهذبة بروح القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ليظل مسلماً قوياً بعقيدته وايمانه مخلصاً لرسالته النبيلة وقيادته العليا، التي لا تألو جهداً في تزويده بالسلاح المتفوق الفعال لأن القوات المسلحة السعودية جزء لا يتجزأ من امكانات العالم العربي والإسلامي وهي جاهزة دائماً للاضطلاع بكامل مسؤولياتها للدفاع عن القضايا العادلة».
على هذا الأساس المتين من الأهداف السامية والنبيلة والقيم الخيرة لديننا الحنيف، ثم المبادئ السامية التي غرسها مؤسس هذا الكيان الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - في قلوب أبنائه الأبرار، وعلى ضوء التوجيهات السديدة لمولاي خادم الحرمين الشريفين القائد الأعلى لكافة القوات المسلحة الملك فهد بن عبد العزيز وسمو سيدي ولي عهده الأمين الأمير عبد الله بن عبد العزيز - أيدهما الله - استلهم سمو سيدي الأمير سلطان بن عبد العزيز فلسفة حياته ومنهاج عمله، وأقام كل صغيرة وكبيرة في حياته سواء فيما يخص نفسه وأسرته أو أفراد قواتنا المسلحة وهم أسرته الحقيقية الكبيرة أم عامة أفراد شعبنا السعودي الهمام محط محبته ومهوى فؤاده ومناط كل أعماله ووفائه.
إن هذا اليوم هو بحق يوم الوفاء للمبادئ والقيم والمثل السامية والنبيلة؟ ومن أحق بلغة الوفاء في هذا اليوم أكثر من الرجال الذين حملوا أرواحهم على أكفهم دفاعاً عن هذا الوطن ومقدساته، وشمروا عن سواعدهم تحديثاً وتشييداً وتطويراً لجميع فروع قواتنا المسلحة براً وبحراً وجواً حتى دخلت قوة دفاعاتنا الجوية التي تسمى اصطلاحاً «بالقوة الرابعة» مرحلة الصواريخ والردع الاستراتيجي ووصل التأهيل العلمي للقوة البشرية أعلى مستوياته في كثير من المعاهد والكليات العسكرية، وتوسعت الصناعات الحربية لتغطي الكثير من احتياجات قطاعاتنا العسكرية، وأقيمت المدن والقواعد العسكرية في طول البلاد وعرضها، وأقمنا نظم الدفاع المتينة مثل «نظام القيادة والسيطرة» و«مركز الدفاع الوطني» و«نظم المعلومات المالية والادارية» ودخلنا بجدارة في برنامج التوازن الاقتصادي مع الدول المصدرة للسلاح، وشيدنا أضخم المستششفيات العسكرية وأحدثها حتى اضحت سمعتها العلمية عالمية الصيت ينشدها الناس من كل مكان، ذلك إلى جانب توسعة شبكات اسطولنا الجوي المدني، ومشاركة قواتنا المسلحة بفعالية واقتدار في تنفيذ خطط التنمية الوطنية المتعاقبة.
ولا يسعني هنا إلا أن أقول لسمو سيدي الأمير سلطان بن عبد العزيز: على بركة الله في «لفتة الوفاء» واستمرارية العطاء، واتاحة الفرصة لجميع أبناء القوات المسلحة لخدمة الوطن كل مراحل العمر، وطوال الحياة، بل حتى آخر رمق فيها، حباً في وطن من أجله نعيش، ووفاء لمليك كلنا له فداء.
|