سعدت بزيارتي لعنيزة كلَّ السعادة، لأنني قرأت في واحاتها الخضراء من قصائد الكرم والشيم والحب ما يسعد القلب، وسمعت من همساتِ ذرَّات رمالها ما نقلني الى عهودٍ خالياتٍ رفرفت فيها أجنحة شعرنا العربي الأصيل محلِّقة في أجواء البلاغة والبيان.
نعم.. سعدت بالزيارة لأني رأيت لوحةً كبيرةً من الذكرى الخالدة أضاءت بصور رجالٍ رفعوا لواء العلم والأدب في ربوع هذه الواحة الجميلة من واحات القصيم التي تعرف كيف تلقِّن الشعر أجمل الكلمات، وأرقَّ الألحان، فكأنني رأيت - في زيارتي هذه - الشيخ «صالح العثمان القاضي» الأزهريّ الذي تتلمذ على يده الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وكأنني دلفتُ بشوق إلى حلقة من حلقات دروس الشيخ عبدالرحمن الناصر السعدي أستمع الى لفتاته الجميلة في تفسير القرآن الكريم، وكأنني استقبلت مع أهل عنيزة العالم المربي الشيخ صالح الناصر الصالح عائداً من بلدة «الزبير» في العراق بعد أن تلقَّى تعليمه في مدرسة النجاة الأهلية التي أنشأها الشيخ «محمد الأمين الشنقيطي» في الزبير، ليواجه بها مناهج التعليم في مدرسة الزبير الرسمية الانجليزية عام 1338هـ.
نعم - والله - كأنني صافحت في زيارتي هذه شيخنا الفاضل الكريم الشيخ «محمد بن صالح العثيمين» رحمه الله تعالى، وقبَّلت رأسه، واستمعت الى نصائحه الثمينة التي تنطلق من القلب، فلا تجد دون القلوب حواجز أبداً.. كأنني التقيت بهم رحمهم الله، وما أجمله من شعورٍ يملأ النفس سعادة، والقلب رضا.
سعدت بزيارتي لعنيزة لأنني رأيت من كرم أهلها، وأدبهم الجمِّ، ما أثلج الصدر، وأدخل السرور على قلوب عرائس الشعر.
لقد شعرت أن كلَّ ذرَّةٍ من ذرَّات رمالها تنشد شعراً، وكل سعفة من سعف نخلها تعزف لحناً، وكلَّ شَتلةٍ من شتلاتِ أثلها ترسم حُلُماً وتفتح لخيال الشاعر أُفُقاً.
لقد برز أمامي واضحاً وصف أمين الريحاني لعنيزة في كتابه «ملوك العرب» حينما قال:«عنيزة قطب الذوق والأدب.. وكأنها لؤلؤة في صحن من الذهب مطوق باللازورد، فهي في مجوّف من الأرض يحيط بها غاب من هذه الأشجار ليرد عنها رمال النفود التي تهددها من الجهات الثلاث من الشمال والغرب والجنوب».
سعدت بزيارتي لعنيزة لأن «مجمع العليان التعليمي» بمراحله الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية قد أحسن كلَّ الإحسان في الإعداد والترتيب للأمسية الشعرية التي التقيت فيه بمتذوِّقي الأدب، ومحبِّي الشعر لقاءً متميِّزاً، لقيت فيه بلابل الشعر ما أطربها، وحلَّقت بها في أجواء النغم الشعري الجميل، وهكذا تفوح عَرَاقةُ هذه البلاد بشذا الأصالة الذي لا ينقطع، لأن أزهارها لا تذبل، وكيف تذبل أزهارٌ تنبت في تربة جزيرة العرب التي نما الشعر العربي فيها وترعرع، وارتفع صوته الصدَّاح فأسمع، ووصفها الشاعر العربي فأبدع.
إنها لغتناالعربية الخالدة تخالط كلَّ ذرَّةٍ من ذرَّاتِ رمال هذه الجزيرة الأصيلة، وتعانق كل نخلة من نخيلها الباسقات، وكل غصن من أغصان أشجارها الوارفات، وتصافح قمَّة كلِّ جبالٍ من جبالها الشامخات، تحت راية تخفق بكلمة التوحيد الخالدة التي تجمع القلوب، وتؤلف بين النفوس.
فتحية صادقة لأهل عنيزة الكرام، ولمحافظها ومدير تعليمها وجميع من أسعدني بحضور الأمسية الشعرية، في تلك الليلة «العنيزيَّة» التي تحمل تاريخ اليوم الثامن من الشهر الثامن من عام 1423هـ.
إشارة
عنيزةُ إنها روح التآخي بها تسمو النفوس إلى المعالي |
|