يتوقد حماسا، ويشتعل غيرة، ويلتهب نشاطا، ولكنه يفسد أحيانا أكثر مما يصلح، فحماسه غير منضبط بضوابط الشرع، وغيرته غير مقيدة بقياد الدين، ونشاطه نابع من عواطفه، يتأثر أحيانا فيثور غضبا، إلى درجة أنه في بعض الأحيان تحمر عيناه، وتنتفخ أوداجه، وترتعش أطرافه، ويتكلم كلاما لا يفكر بسوء عواقبه، ولا ينظر إلى مضرة نتائجه، وقد يكون هذا الكلام من الخطورة بمكان إن عَمِلَ به أمثاله ممن تأثر به وخُدع بحماسه وغيرته ونشاطه.
ومما لاشك فيه أن الحماس غير المنضبط بضوابط الشرع تكون عواقبه وخيمة، ونتائجه أليمة والعواطف تكون أحيانا عواصف تعصف بصاحبها وتهوي به في مكان سحيق.
فلابد من ضبط الحماس بضوابط الشرع، وتقييده بما جاء في الكتاب والسنة، بمفهوم السلف الصالح من أهل القرون المفضلة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية.
ولكي ندرك أهمية عرض حماسنا، وضبط غيرتنا بما جاء في القرآن والسنة نتأمل الحادثة التالية: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني). فهؤلاء الثلاثة كل واحد منهم تحمس لأمر ما، الأول لقيام الليل، والثاني لصيام الدهر، والثالث للتبتل وترك الزواج، حرصا منهم للفوز بالجنة والنجاة من النار، لكنهم رضي الله عنهم لو فعلوا ذلك لتركوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم الذي يصلي ويرقد، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، فمن رغب عن سنته وانقاد لعواطفه وحماسه فليس منه صلى الله عليه وسلم.وحادثة الأعرابي الذي بال في المسجد، وأي مسجد؟ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه، منكرين عليه هذا الفعل المنكر العظيم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوه، وأريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، فتركوه حتى انتهى من بوله، ثم فعلوا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وانتهت القضية بسلام.
الشاهد الحماس، إذا كان على غير هدى فإن نتائجه تكون ضارة جدا، فعلى المسلم أن يضبط حماسه ويقيده بقيود الشرع، وبنصوص الكتاب والسنة، وهما الأمران اللذان لا يضل من تمسك بهما أبدا كما جاء في الحديث.
|