أ.د. منصور بن محمد النزهة*
داء السكري ينتشر في العالم بشكل وبائي إذ تقدر منظمة الصحة العالمية ان يرتفع عدد المصابين بمرض السكري من 150 مليون في الوقت الحاضر الى 300 مليون في عام 2025 معظمهم سيكونون في الدول النامية، لكن نسبة الاصابة بمرض السكري تختلف من بلد الى آخر، فبينما تبلغ نسبة الاصابة في أمريكا الى 9% لمن هم فوق سن العشرين وتصل الى 20% لمن أعمارهم تزيد على 65 سنة فإن نسبة الاصابة في دول الخليج العربية تصل الى أضعاف ذلك، خلال السنوات العشر الماضية أجريت عدة دراسات في دول الخليج العربية أشارت في مجملها الى ارتفاع نسبة الاصابة بمرض السكري. ففي المملكة العربية السعودية أجريت دراستان الأولى الدراسة الوطنية لمرض السكري والتي درست عينة وطنية لمن أعمارهم فوق 15 سنة ومن نتائجها ان نسبة الاصابة بداء السكري كانت 13% أما الدراسة الأخيرة فهي الدراسة الوطنية لدراسة أمراض شرايين القلب في المملكة وقد أوضحت هذه الدراسة ان نسبة الاصابة لمن أعمارهم بين 30-70 سنة كانت 24% وترتفع نسبة الاصابة مع ارتفاع السن لتصل الى 36% بعد سن الستين كما بلغت نسبة من هم معرضون للاصابة «مرحلة ما قبل داء السكري» 14%، وبلغت نسبة الاصابة بمرض السكري بين المرضى المصابين بأمراض شرايين القلب 51% ونسبة من هم في مرحلة ما قبل السكري 6 ،13% وتجدر الاشارة ان نسبة الاصابة بداء السكري بدول الخليج العربية متقاربة، فنسبة الاصابة بمرض السكري في البحرين بلغت 30% كما أشارت دراسة من الكويت ان نسبة الاصابة بداء السكري بين المرضى المصابين بأمراض شرايين القلب بلغت 57% بين الكويتيين و36% بين الوافدين وتعتبر هذه النسب عالية جداً عند مقارنتها بنسب الاصابة في الدول الغربية ففي بريطانيا بلغت نسبة الاصابة بمرض السكري بين المرضى المصابين بشرايين القلب 9%.
* ماذا تعني هذه الأرقام؟
تعني ان مرض السكري ينتشر في العالم بشكل وبائي ولكن دول الخليج العربية تأتي في رأس القائمة وبنسب مرتفعة جدا، لأسباب عدة منها التغير السريع في نمط الحياة كما أنه يبدو أن هناك عوامل وراثية تتطلب منا اجراء المزيد من البحوث للوصول اليها.
* لماذا الاهتمام بمرض السكري؟
لاشك ان مرض السكري يؤثر سلباً على نوعية الحياة كما أشارت العديد من الدراسات الى ارتفاع نسبة الوفيات بين هؤلاء المرضى وفي سن مبكر عن أقرانهم غير المصابين بمرض السكري بعدد سنوات قد تصل الى 15 سنة. ويرجع ذلك الى الاصابة بمضاعفات مرض السكري والذي يؤدي الى الكثير من المضاعفات عن طريق التأثير السلبي على الشرايين. وهناك نوعان من الشرايين التي يؤثر عليها مرض السكري: الشرايين الصغيرة والشرايين الكبيرة. ومن آثار داء السكري على الشرايين الصغيرة اصابة الكلى - وشبكة العين - والأعصاب الطرفية. ويعتبر داء السكري السبب الأول للفشل الكلوي في كثير من الدول ففي الولايات المتحدة الأمريكية 40% من حالات الفشل الكلوي بسبب داء السكري. كما أنه من أهم أسباب العمى والاصابة بعدم الاحساس في الأطراف من جراء اصابة الأعصاب الطرفية. أما اصابة الشرايين الكبيرة فمنها اصابة شرايين القلب التاجية عالمياً، وكما أشرنا فإن من 51-57% من مرضانا المصابين بأمراض شرايين القلب في دول الخليج يعانون من داء السكري كما ان هناك 5 ،13% معرضين للاصابة وتأثير داء السكري على الشرايين السباتية «الشرايين التي تغذي الدماغ» يؤدي الى الاصابة بالسكتة الدماغية. كما ان التأثير على شرايين الأطراف يؤدي الى الاصابة بنقص التروية لهذه الأطراف وقد يؤدي الى مُوات «غانغرين» مما يتطلب بتراً لجزء من الأطراف.
* هل يمكن الحد من الإصابة بمرض السكري؟ وهل يمكن الحد من المضاعفات للمرضى المصابين؟
أشارت الى امكانية ذلك العديد من الدراسات منها ثلاث دراسات أجريت في السويد والصين، وآخرها في فنلندا والتي أشارت انه يمكن خفض نسبة الاصابة بداء السكري بين أشخاص كانت أوزانهم مرتفعة «معدل منسب حجم الجسم 31كم2» وكانوا معرضين للاصابة بداء السكري «مرحلة ما قبل داء السكري» وتم ذلك عن طريق اتباع اجراءات تشمل خفض أوزانهم وذلك باتباع حمية تهدف لخفض الوزن مع خفض استهلاك كمية الدهون خاصة الدهون المشبعة وكذلك زيادة استهلاك الألياف في الطعام اضافة الى ممارسة الرياضة وقد أدى ذلك الى خفض أوزانهم بنسبة 5% «4- 6كجم خلال سنتين» وبعد مرور أربع سنوات من اتباع هذه الاجراءات انخفضت نسبة الاصابة بمرض السكري 8%. وهذا يؤكد على أهمية خفض الوزن ودوره في الوقاية من الاصابة بداء السكري.
أما المصابون بداء السكري فقد أثبتت العديد من الدراسات ان ثقافة المريض بمرضه ومحافظته على علاجه واتباع الحمية بشكل جيد بحيث يكون مستوى السكر في الدم متحكماً فيه يؤدي الى خفض نسبة الاصابة بمضاعفات السكري على شبكية العين وكذلك على الكلى والأعصاب. أما بالنسبة لاصابة الشرايين الكبيرة فقد أشارت دراسات أخرى انه بالاضافة الى التحكم في مستوى السكر في الدم فإن معالجة عوامل الخطورة الأخرى للاصابة بأمراض شرايين القلب والمصاحبة في كثير من الأحيان لداء السكري «والتي تشمل ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الدهون في الدم والتدخين» اضافة الى استعمال الأسبرين يؤدي بإذن الله الى خفض نسبة الاصابة بأمراض شرايين القلب والسكتة الدماغية واصابة شرايين الأطراف.
* ما دور وزارات الصحة في دول مجلس التعاون؟
إن وزارات الصحة في دول مجلس التعاون تقع عليها مسؤولية كبيرة وهي تنظر الى هذه الأرقام. المسؤولية عليهم كبيرة نلخصها بأهمية بذل الجهد والمال على البرامج الوقائية إذا أردنا ان نخفض نسبة الاصابة بهذه الأمراض مجتمعة ونخفض من معاناة المصابين بها اضافة الى خفض تكلفة الرعاية الصحية في المستقبل القريب والبعيد ان هذا يتطلب خططاً وبرامج لمواجهة كل عامل من عوامل الخطورة التي أشرنا اليها. نحن نعلم ان مجلس وزراء الصحة بدول مجلس التعاون أصدر قرارين في يناير 2001م القرار الأول يقضي بتنشيط عمل اللجنة الخليجية لمكافحة أمراض القلب والأوعية الدموية «الوعائية» والثاني بتنشيط اللجنة الخليجية لمكافحة داء السكري.
إننا نطالب وزارات الصحة في دول مجلس التعاون باتخاذ الاجراءات الوقاية بشكل أسرع تتناسب مع حجم المشكلة والمعاناة. إن أمراض شرايين القلب بدأت تفتك بأفراد المجتمع الخليجي وبشكل وبائي، وبنسب تقترب من نسب الاصابة في الدول الغربية، إننا إذ لم نتدخل سريعاً بخططنا الوقائية وبتطبيقها قد نصل يوماً الى نقطة اللاعودة، وبالتأكيد لا أحد منا يريد ذلك!.
والله من وراء القصد.
* مدير مركز الملك فهد لطب وجراحة القلب - رئيس جمعية القلب السعودية جامعة الملك سعود |