تفاعلا مع ما كتبه الاخ قبلان صالح قبلان لوراق الجزيرة بتاريخ 19 رجب تحت عنوان «مغالطات في تاريخ الرس» حيث اشار بصفة خاصة الى ما ورد في كتابين عن ابراهيم باشا الاول بعنوان «ذكرى البطل الفاتح ابراهيم باشا» نشرته الجمعية الملكية للدراسات التاريخية بمصر في عام 1948م بمناسبة انقضاء مئة عام على وفاة ابراهيم باشا أما الكتاب الآخر فكان من تأليف بيير كربتيس ترجمة محمد بدران ومن مطبوعات لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة.
وقد فند الاخ قبلان ما ورد في الكتابين من مغالطات حول حصار ابراهيم باشا للرس في الفترة من 25 شعبان 1232هـ وحتى 12 ذي الحجة من العام نفسه ونتائج المعركة التي دارت بينه وبين أهلها.
وانتهت بالصلح الذي لا شك ان الطرفين كانا راغبين فيه لكن بعض بنوده تشير الى ان اهل الرس كانوا في الموقف الاقوى.
وقد اعتمد الاخ قبلان في رده على ما ورد في كتب المتقدمين من العرب والمستشرقين ممن عاصروا الأحداث أو كانوا قريبي عهد بها لكن المشكلة الأزلية هي ان من يعيدون كتابة التاريخ لا يجهلون في الغالب الحقائق المرتبطة ببعض الاحداث لكنهم يهمشونها ويعيدون صياغة الاحداث وفقا لميولهم او انتماءاتهم او اتجاهاتهم الفكرية الخاصة بهم. وعلى العموم فالاخ الكاتب قام بما هو مطلوب منه تجاه تاريخ بلدته فجزاه الله خيرا، لكنني اريد من جانبي ان اشير الى بعض الملاحظات:
1- يقول الاخ قبلان ان ابراهيم باشا دخل الرس واستقبله اهلها استقبال الفاتحين وهذا غير صحيح وكيف يستقبلونه بهذه الصفة وهم قد قاتلوه اكثر من ثلاثة اشهر ونصف وضربهم في ليلة واحدة برواية المؤرخ النجدي ابن بشر بخمسة آلاف رمية بالمدافع والقنبر والقبس كما قطع من نخيلهم برواية المؤرخ ابن بسام نحو 50 الف نخلة، ولكنه دخل الرس وفقا لشروط الصلح وفي عدد محدود من جنده ضمهم مجلس الشيخ قرناس الذي أدركنا بعض انقاضه وكانت مساحة الغرفة الواحدة لا تزيد على 10م. ومن الروايات الشعبية الطريفة انه عندما كان الباشا في مجلس الشيخ قرناس القائد الفعلي للمقاومة وقف بالباب احد ابنائه الصغار فقال له الباشا ادخل فرفض وطلب والده ان يدخل فلم يفعل فما كان من الباشا الا ان رمى اليه بقطعة جنيه فتقدم الصبي وأخذها ثم رمى اليه بأخرى في موضع اقرب فتقدم وأخذها وبعد عدة محاولات تمكن الباشا من الامساك بالصبي وقبَّله وقال: يا قرناس هكذا نسوي بالناس فقال قرناس ولكننا لسنا كما الناس.
وهذه الحكاية تعزز القول بالموقف القوي لاهل الرس الذي جعل قرناس ليس بحاجة الى مجاملة الباشا.
2- لعل الامر قد التبس على بيير كربتيس في قوله: ان ابراهيم باشا هجم على الرس هجمة صادقة لم تستطع حاميتها ان تصده وعندما دخل المدينة لم يجد اعداءه فيها لأن العرب اخلوها كما اخلى الروس اسموهنك من قبل.. الخ.
أقول لعل في الامر بعض الالتباس والا كيف يستطيع اهل الرس اخلاءها وهم محاصرون بداخلها ولكن لعل هذا كان في المرة الثانية عندما قفل ابراهيم باشا راجعا الى مصر بعد سقوط الدرعية واستسلام كافة البلدان النجدية لحكمه فان اهل الرس عندما علموا بقدومه خرجوا منها الى ما فوقها من القصيرات والمزارع بعيدا عن طريقه بمن فيهم الشيخ قرناس الذي اختبأ في أبان الاحمر وكان من ابرز المطلوبين.
3- لا تقتصر المغالطات في تاريخ الرس على المؤلفات العربية أو المصرية، فقد وجد مع الأسف شيء من هذا القبيل في بعض المؤلفات المحلية المتأخرة ومن ذلك ما ورد في كتاب الاحوال السياسية في القصيم في عهد الدولة السعودية الثانية تأليف الدكتور محمد بن عبد الله السلمان الذي نال بموجبه درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الاولى من جامعة الامام محمد بن سعود بتاريخ 10/5/1406هـ.
اذ يقول في صفحة 32 لا بد ان هناك اسبابا دفعت بأهل الرس والخبراء الى الوقوف موقف المرحب من احتلال طوسون لبلادهم وقد عزا البعض ذلك الى كراهيتهم لحكم الدرعية، ولكن هذا الرأي يعوزه المنطق والادلة، ولعل ذلك يعود الى ما بذله طوسون كعادته لبعض زعماء البلدين من عطاء وخلع جلب فيه قلوبهم واستطاعوا التأثير على البقية ومع ذلك فقد كان موقف اهالي هاتين البلدتين مثار استياء وتهكم من باقي أهالي القصيم بسبب مسالمتهم للعدو الأجنبي.. إلخ. هذا ما يسوقه المؤلف في تبرير مصالحة اهل الرس لطوسون، ويبدو فيه التحامل والمغالطة لدى مقارنته بما يقوله في تبرير مسالمة اهل بريدة وعنيزة ووقوفهم موقف المرحب من احتلال خورشيد باشا لبلادهم حيث يقول في صفحة 106: تدل الواقعة وتفصيلاتها على ان شعوب المنطقة لم يكن خضوعهم للحملات المصرية جبناً بقدر ما هو سير في الطريق الصحيح الأسلم لهم ولمنطقتهم وعدم الدخول في حرب معروفة نتائجها لصالح عدوهم الاقوى بعدده وعتاده.
ثم انني اتساءل ما الذي فعله اهل القصيم الذين أثار مصالحة اهل الرس لطوسون استياءهم وتهكمهم - أتساءل ما الذي فعلوه لمناصرة اخوانهم أهل الرس عند ما حاصرهم ابراهيم باشا وقاتلهم وقاتلوه قرابة اربعة أشهر حتى كاد ان يبيدهم عن آخرهم، بل ما الذي فعلوه عندما رحل اليهم ابراهيم باشا وكانوا اقدر من اهل الرس من حيث العدد والعتاد على المقاومة ولكنهم آثروا الاستسلام ومع ذلك يظهر من احفادهم في آخر الزمان من يقول ان اهل الرس ما قاوموا الحصار الذي ضربه عليهم ابراهيم باشا الا ليكفِّروا عن ذنبهم الاول مع طوسون وليت الذي قال هذا مؤلف اجنبي اذاً لهان الامر ولكنه مع الاسف من ذوي القربى.
وظلم ذوي القرى أشد مضاضة
على النفس من وقع الحسام المهند
والله المستعان.
محمد الحزاب الغفيلي/ محافظة الرس |