القاعة مليئة بكبار الأطباء الذين قدموا إليها من أنحاء العالم، لايكاد يخلو مقعدُ من مقاعدها التي تتجاوز الألفين.. الجميع ينتظرون بداية الجلسة الأولى لهذا المؤتمر الطبي الكبير الذي تستضيفه دولة أوروبية.. الأحاديث تدور بين الجالسين في موضوعات شتى، في القاعة عدد غير قليل من النساء، بين طبيبات، وصحفيات، ومرافقات لأزواجهن الأطباء المشاركين في هذا المؤتمر، معظم النساء - إن لم يكن جميعهن - سافرات سفوراً غير طبيعي لأنه يعرض على الحاضرين أنواع المفاتن، وأصناف القصّات، وغرائب الأزياء بين قصير وأقصر وأشد قصرا لايخرج من دائرة الإغراء هذه إلا عدد من الطبيبات جاوزت أعمارهن الستين، وذهبت نضارة وجوههن، فما عادت إحداهن تستأثر باهتمام أحد من الجلوس في تلك القاعة الكبيرة إلا من كان من الأطباء حريصا على مناقشة طبية نافعة.
لم تبدأ الجلسة بعد، ومازالت بعض المقاعد القليلة تنتظر أصحابها ومازال الحاضرون يتبادلون أطراف الأحاديث، ومازالت الضحكات الخشنة والناعمة تملأ أجواء القاعة، ومازالت رؤوس الطبيبات والصحفيات وغيرهن من الحاضرات الشابات تهتز بين الفينة والأخرى بطريقة سريعة تفتعلها النساء غالباً لتحريك خصلات الشعر الناعمة التي تعبر عن مدى أهمية شعر المرأة في إكمال مظاهر زينتها، ومعالم جمالها، ومدى قدرتها على لفت أنظار الرجال في مثل هذه الأجواء المفعمة بالاختلاط.
صوت ينطلق من مكبرات القاعة يرحب بالحاضرين والحاضرات يقول: بعد دقائق ستبدأ الجلسة الأولى.
ودب الهدوء في أجواء القاعة الكبيرة، وأخذ كل جالس يعدل من جلسته، ويتهيأ لبداية الجد في المؤتمر الذي يستضيف أطباء وطبيبات من أنحاء العالم، هنا في هذه اللحظة دخل إلى القاعة طبيب سعودي، يحمل حقيبته التي تحتوي على أوراقه المعدّة لمشاركته في جلسة المؤتمر الأولى، والتفتت القاعة إليه، واتجهت أنظار الرجال والنساء، تصاحبها ابتسامات تتأرجح بين التعجب، والتعبير عن المفاجأة، والسخرية، ولكن الأنظار جميعها قد توجهت إلى ذلك الطبيب الذي يرافقه إنسان يلبس سوادا كاملا، إنه إنسان بلاشك، فالجسم وهيئته يؤكدان ذلك، ولكنه مجلل بالسواد، كان الطبيب السعودي يمشي إلى جوار ذلك الجسم المجلل بالسواد بثقة، وكان ذلك الجسم يمشي بثقة، وكانت الأنظار تتابع هذا المشهد باهتمام كبير، وبدأت همسات التساؤل تسري بين كثير من الحضور: إنها امرأة، نعم امرأة مسلمة تتوارى خلف هذه العباءة السوداء، ويتوارى وجهها خلف هذا الحجاب الأسود، حتى يداها تندسَّان في السواد، وجلس الطبيب المسلم ومعه زوجته، لم يكن يعنيهما من أمر الأنظار المتجهة إليهما شيء، ولم يتوقفا عند بعض الكلمات التي كانت تتجاوز الهمس من بعض الحاضرين والحاضرات: من أين جاء هذا الكائن العجيب هل يعقل ان يكون هذا الشيء موجوداً في عصر العولمة، لماذا تصنع هذه المرأة هذا، كيف تتنفس، كيف تعيش؟، كيف ترى ما أمامها؟، إنه التخلف ومن يدري، فلربما تخفي هذه الفتاة وجهاً قبيحا وراء هذا الحجاب؟؟!
بدأت الجلسة وانتهت، وعدد من الطبيبات الأوروبيات يتابعن بنظراتهن تلك المرأة الجالسة بأدب وهدوء في مقعدها، وكأنها كائن مستقل بنفسه عن الناس، وما كادت تنتهي الجلسة حتى اتجهت مجموعة من الطبيبات إلى هذه الفتاة، وحيَّينها فردت عليهن التحية بلغة انجليزية جيدة، وبدأن الحديث معها، وفتح الله عليها بما فتح من كلام جميل عن الحجاب وقيمته في الإسلام وأنه شرف للمرأة ورفع لمكانتها، وأنه لايحول أبداً بينها وبين ماتريد من العلم والمعرفة، واخذتهن جانبا وكشفت لهن وجهاً ربما كان أملح من وجوههن وقد فعلت ذلك بعد ان سألتها إحداهن: هل تعانين من مشكلة ما في وجهك، وكانت النتيجة إسلام سبع طبيبات غربيات في ذلك المؤتمر على يد امرأة مسلمة سعودية حافظت على حجابها إرضاء لربها، واقتناعاً راسخاً بتعاليم دينها، هنا كانت الرسالة واضحة لاتقبل التأويل، وهنا أصبح السواد مضيئاً، وهنا تتهاوى أوهام رجال ونساء مسلمين ومسلمات، ضعفت نفوسهم أمام شبهات كثيرة، ومغريات وشهوات، فنظروا ونظرن إلى الحجاب الشرعي بمنظار أسود ليس فيه ضوء، وبقلوب عميت بصائرها بما داخلها من شهوة النفس، وشبهة العقل، وبما خالط فطرتها من زيف الإحساس بالنقص أمام النماذج المتحللة من قيمها وتعاليم دينها في أنحاء العالم، وبما ضللها من أوهام التقدم والتطور، فأخذت تستقل أوامر الشرع الحكيم، وتنال من مظاهر هذا الشرع في الملبس والمأكل والمشرب، تنال منها بحروف مظلمة، وكلمات معتمة، تسطرها بعض الأقلام المريضة المصابة بطاعون الثقافة الغربية المنحرفة، والرؤية العلمانية اللادينية التي سرت لوثتها إلى عقول بعض ابناء المسلمين من المثقفين والمثقفات.
ليس السواد شرطاً في الحجاب، فالعبرة بالستر والحشمة وتحقيق مراد الشرع في حجاب المرأة المسلمة المبارك، وإنما ذكرناً السواد هنا لأنه اللون المتعارف عليه في الحجاب اليوم، ولا بأس به مادام متعارفاً عليه، فهو سواد مضيء مشرق، وكفاه إضاءة انه كان سبباً في إسلام سبع طبيبات أوروبيات في مؤتمر واحد، فما أجمله من سواد.
أنصح بزيارة موقع أطباء الحرمين التابع لمؤسسة الحرمين الخيرية لزيادة الشرح ومعرفة التفاصيل، وهو موقع مبارك على «الشبكة العنبكوتية» لي معه وقفة مستقلة في مقالة أخرى إن شاء الله.
* إشارة:
يامن تناديني وفي صوتها حشرجة تؤذي ولا تُطربُ كوني على علمٍ بأن الذي يخلص للرحمن لايرهبُ إنّا بغير الصدق أُلعوبةٌ في كف شيطانٍ بنا يلعبُ |
|