يعتقد الكثير من الناس- وخاصة غير المطلعين منهم - أن كل قسم أو منهج له علاقة بالحاسب الآلي يجب أن يوضع في كلية الحاسب الآلي. وهذا تضييق وحصر لمدى ومجال تقنية المعلومات وجهل كبير بما عليه الوضع في الدول الصناعية المتقدمة. وقد يتعجب الفرد منا إذا وجد أن هناك دولاً متقدمة لا يوجد في جامعاتها كليات منفصلة أو متخصصة للحاسب الآلي، بل إن أغلب هذه التخصصات موزعة على الكليات الأخرى كالهندسة والعلوم.
اقصد أنه من الخطأ التوسع «الرأسي» في مجالات وأقسام ومنهجيات كليات الحاسب الآلي لتشمل كلية الحاسب الآلي كل ما له علاقة بالحاسب.
وسأضرب أمثلة إمكانية وضع بعض التخصصات المطلوبة على كلية واحدة فقط وهي كلية العلوم الإدارية. وينطبق ذلك على جميع الكليات الأخرى.
أولا: قسم أو منهجيات أو مواد التجارة الالكترونية والتي هي عبارة عن تجارة تشمل جميع المكونات الأساسية للتجارة من توريد وإنتاج وتسويق ومالية وإدارة ومحاسبة وغيرها ينبغي أن تتواجد في مكانها الصحيح في إدارة الأعمال وليس الحاسب.
ولا يمنع أن يدرس طلاب التجارة الالكترونية بعض المواد التقنية من كلية الحاسب أو الأساليب الكمية أو من غيرها.
ولكن النظر إلى أن هذه الأقسام هي أقسام تقنية بحتة إنما هو خطر كبير يؤدي من جهة إلى خروج أجيال تقنيين لا يفقهون في التجارة شيئاً ومن جهة أخرى إلى خروج أجيال في التجارة لا يفقهون في المعلوماتية شيئاً.
ثانيا: قسم أو منهجيات الحكومة الالكترونية، فبالرغم من أنها تحتاج تقنية الحاسب إلا أنها تظل حكومة لها إجراءاتها التنظيمية والتخطيطية والتنفيذية والإشرافية والرقابية وكامل مفاهيمها وعملياتها الإدارية الأخرى.
ولذلك فمن الخطأ أن تكون من ضمن مجالات وتخصصات الحاسب الآلي، بل هي من ضمن مجالات وتخصصات قسم الإدارة العامة. ولا يمنع أيضا دراسة بعض الموضوعات ذات الصبغة التقنية من الأقسام الأخرى.
ثالثا: قسم أو منهجيات علم المعلومات الإدارية أو علم المعلومات واتخاذ القرارات، فبالرغم من أنها «علم معلومات» إلا أن مكانها الصحيح هو كلية إدارة الأعمال وليس الحاسب وخاصة انه يتطلب إلماماً بخلفيات أقسام إدارة الأعمال والعلوم الإدارية التي لا تتوفر في منهجيات الحاسب الآلي. بالإضافة إلى أن هذا الاقتراح هو الوضع القائم في معظم جامعات وكليات الدول المتقدمة.
هذه أمثلة فقط ويمكن أن تطبق مثل هذه الاستراتيجية «الأفقية» أو «الشمولية» بالنسبة للأقسام والكليات الأخرى كنظم المعلومات المكتبية ونظم المعلومات الجغرافية وقوانين الشبكة والأمن والمناهج واللغويات وغيرها كثير جدا.
ويشبه الحال أيضا الكليات الطبية، حيث مع وجودها في أغلب الدول المتقدمة فقد توجد الأقسام الطبية والصحية الأخرى في الكليات المختلفة ذات العلاقة، كالتركيز مثلا على أقسام ومناهج التغذية الطبية والصحية في كلية الزراعة والتأمين الصحي والطبي في كلية العلوم الإدارية وكالاستفادة من قسم الأحياء والكيمياء في كلية العلوم مثلا بالتركيز على المنهجيات والأقسام التي تخدم الطب والصحة. كذلك يمكن التوسع في الإحصاءات الحيوية والطبية في الكليات والأقسام المشابهة كقسم الإحصاء أو الأساليب الكمية.
أما المزايا في اتباع السياسة «الأفقية» هنا فحدث ولا حرج وهي:
أولا: هذا هو الوضع القائم في أغلب الدول المتقدمة والصناعية.
ثانيا: يؤدي إلى زيادة الطلب على جميع خريجي الجامعة وليس قسماً أو كلية محددة بعينها.
ثالثاً: يقلل العطالة بين خريجي الكليات الأخرى.
رابعا: تخفيض التكاليف حيث يتم الاستفادة من إمكانات الكليات الأخرى.
خامسا: تخفيف ضغط القبول والتسجيل على كلية الحاسب أو الطب وتوزيع الضغط على كل الكليات.
سادسا: تخفيف ضغط التحويل وضغط الواسطات في الانتقال لكلية الحاسب أو الطب.
هذه إذا أردنا هذه السياسة الشاملة، أما إذا اتبعنا السياسة النفعية في كل شيء وهي أن تكون قراراتنا أو لجاننا أو استشاراتنا أو حتى مناصبنا يحكمها عوامل أخرى كعوامل المصلحة المادية أو المعنوية أو عوامل القرابة أو الزمالة أو المعرفة الشخصية فنستمر على تعثراتنا في التخطيط وسيكون الضحية هو البلد ككل وشبابه الذين ما زالوا يعانون من مشاكل وعيوب ونتائج السياسات النفعية السابقة.
|