Saturday 12th October,200210971العددالسبت 6 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

وقفات مع «ديوان أريج» وقفات مع «ديوان أريج»
- 1 -
بقلم د. عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر

كلمة: «أريج» لها تاريخ عندي، ولها عندي مكانة، ولديّ لها قصة، تبدأ أني لا أشم الأريج من أنفي، و«أتصعطه» إلى رأسي بلذة ونشوة، لأني ولدتُ وحاسة الشم عندي مفقودة، ومع ذلك فأنا أشم الأريج بعيني مع احساس غامر بطيبه وشذاه.
أول مواجهة لي مع كلمة أريج كانت قبل أربعين سنة تقريبا عندما ولدت لصديق لي ابنة، وهو طبيب وسيد، ويجب ان يداعِبَ وأن يداعَب، وسألني رأيي في اختياره اسم «أريج» لابنته، ووجدتها فرصة أن أداعبه، وأن أجور في المداعبة، مسوداً الأبيض، وطامساً النور البهيج، قصداً وإصراراً، فقلت له: إن في الاسم حرف «ج»، وصوت الجيم صوت مدفع، وصوت المدفع لا يليق برقة البنت، ففطن لقصدي، وأني متحامل وغير صادق فيما قلت، فقال إنك لا تزال بدوياً في ذوقك، ثم استدرك فقال: لماذا أظلم البداوة فيك، وعندي ما هو أوضح، أنت لا تشم، ومن لا يشم لا يدرك، ومن لا يدرك ليس من العدل ان يُفتي، وإذا أفتى لا يؤخذ بفتواه، ومع الحماس نسي أنه هو الذي سألني عن رأيي في الاسم.
ومرت الأيام، ورزقتُ بابنة وبحثت عن اسم، ورصدت عدداً من الأسماء، ومن بينها «أريج»، وبعد تفكير وتدبر وجدت ميلاً شديداً نحو اسم «أريج»، واستخرتُ الله واخترتُ الاسم، ويبدو أن لصديقي الطبيب السيد دعوة مستجابة، وعلم بالخبر، وتذكر حديثنا فقال لي: الآن أصبحت مدنياً، واعتلى ذوقك، وتهذب طبعك.وتأتي صلتي الثالثة بكلمة «أريج» عندما تسلمتْ «أريج»= ديوان الأخت نورة الشبيلي، فإذا كانت الجوهرة الأولى ابنة الصديق، والجوهرة الثانية ابنتي، فالجوهرة الثالثة هو هذا الديوان المهدى لي، ونعم الهدية ونعم المهدي.
الديوان وصل إلى بيتي في الرياض منذ شهور وأنا خارج المملكة، ومنذ أن وصلتني إحدى النسخ، وما أكثر ما وصلني منها، حتى بادرت بقراءته. وهذا الكتاب وأمثاله لا يكفي له قراءة واحدة، وإنما يحتاج الى عدة مرات، الأولى على نمط «ماسح الروض»، وهو طائر يمر بسرعة على الروضة ليفزع ما فيها من عصافير، أو طيور صغيرة، والقراءة الثانية قراءة متأنية، تقلب كل حصاة لترى ما تحتها، وتعرف كُنه ما تجد، ثم تأتي القراءة الثالثة لتوائم بين ما جاء مفرقاً من أفكار، أو اتجاهات في الأسلوب، أو نمط هو طابع الشاعر أو الكاتب. فإذا ما أراد الشخص أن يدون ملاحظات في ضوء ما تبيَّن له فقد يحتاج الى قراءة رابعة، بل وخامسة.
تعالوا معي لنرى بعض ما يوقف القارىء، فلا يستطيع أن يخطو حتى يَرْوَى من نمير القول، وأريج النغم، وحرارة العاطفة، وتحاسد المعاني، وتدافع الأفكار، والبصمة الثابتة، والنهج المتقن، قصائد تترى، كل واحدة تلمس أمراً، وتسجل شعوراً، وتكشف عن مكنون، وتلمس ولا تبعد، أو توغل وتغوص، فتحتاج لمعرفة كنهها الى غواص ماهر.
بعد قصيدة قدمت بها الشاعرة ديوانها «أريج»، وبعد محادثة شعرية نبيلة جاءت المقدمة. ثم بدأت أقسام أربعة، أولها:«الوطنيات»، شاركت الشاعرة فيها بذكرى المواقف المضيئة في حياة الوطن، ومنها ذكرى مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، استهلتها بالبيت الآتي ص«27»:


يا خالق الدنيا ورافع سماها
نصرك لنا يا واهب الخير آيه

وأعطت صورة عما كانت عليه الجزيرة، أبرزت فيها ظلمة ذلك الزمن، وقالت عن نجد في الماضي:


ذياب وحوش البر وكلن نصاها
سَرْق ونهب وخوف ما له نهاية
جهل وبدع، والجوع فتت حشاها
وواليٍ سقاها المرّ كره ونكاية

وصورت بعد ذلك نجدة الملك عبدالعزيز لها، والاستجابة لاستغاثتها، وما قام به، وما لاقاه من صعاب، وما جناه بعد ذلك من نصر أعقبه ملك فاء بالخير على البلاد:


شمس على الدنيا شعشع سناها
وحّد جزيرتنا بحزم ودراية

وتختم القصيدة بهذا البيت:


ذكرى مائة عام فيها انتباهي
ذكرى البطولة والفخر والولاية

ثم تتوالى القصائد في ذكرى الأيام الوطنية، وفيها تذكير بالانجازات المتتالية على مدى السنين والأيام. وفي بعض هذه القصائد تأتي صور رسمت بإتقان لحياة الناس في الماضي. وقد أدركت الشاعرة انه لا يبين فضل الحاضر السامق إلا بمقارنته بالماضي المتواضع، ومع هذا فهذا الماضي على ما كان فيه من وسائل معيشة محدودة إلا أنه مصدر فخر، لأنه المنطلق والأساس الذي بني على أصالة الحاضر. ص«29»:


نفخر بماضينا والحب له غير
وبيت طين من نخلنا طمامه
وحصيرة مع مسندة تبن تصير
مجلس ومرقد نِهتني في منامه
وعريشة في وسط بستان صغير
يجلي هواها كل همّ وسآمه
تمرٌ وبنّ وهيل مع موية الزير
غذا لنا مع قرص سمنٍ إيدامه

الى آخر صور الماضي الجميلة بذكراها، ووقعها في نفوس من عاشوا تلك الحياة، وتؤكد أن ما كان في تلك الحياة من صور جميلة لا تزال باقية مع ما أضيف إليها مما هيأه التطور.
وتستفيد من ذكرى مرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين المُلك، فترسم صوراً صادقة عما تراه في الملك فهد في جوانب الحياة المختلفة، خُلُقه، وتميُّزه، وإدارته، وإنجازه، وما يتصف به من عدل، وحب لمواطنيه، وما قام به تجاه الحرمين، وتختم القصيدة التي بدأتها بالبيت الآتي: ص«31»:


مشكور يا ليث وَفَى بالتزامه
قلوب شعبه حب فهدٍ ملاها

بقولها:


شفنا على ثغر الزمان ابتسامة
عشرين عام ما تكدر بهاها
مجد لنا تاج على كل هامه
شعب الجزيرة بالمعاني تباهى
يا من خلق شمس تبدد ظلامه
اِحم المليك اللي بلادي حماها

وتتخذ من زيارة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز مناسبة لتمجيد زيارة سموه لمنطقة عسير، فتأتي في قصيدتها ان تدل على عمق العاطفة، وتقدير هذه الزيارة حق قدرها، تقول في أحد الأبيات: «ص:37»:


يا ولي العهد ما مثلك حكيم
لاَنْ لك في مملكتنا صخرها
قائد جيوش المعزّة للخصيم
من قيادتكم تحقق نصرها

الى أن تقول:


يا ولي العهد لك حب مقيم
في قلوب الكل جدّد عمرها

وعند عودة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز تقول في أحد أبيات قصيدة لها بهذه المناسبة. «ص39»:


مكارمه فاقت كرم حاتم طي
والجود والمعروف طبعٍ وسيره
ينصاه من ينشد عن العون والفيّ
يجبر خواطرٍ من عناها كسيرة

إلى أن تقول:


نشوف في وجهه تباشير وضَي
ولك مسكن بقلوب شعبٍ تديره

إلى أن تقول:


تطوى هموم الشعب من جيتك طي
داوى قدومك كل عينٍ سهيرة
نهدي لك الغالي والغالي شوي
تفداك يا سلطان نفسٍ بريرة

وسمّت القسم الثاني:«مواقف.. ومناسبات»، ورغم اسمه إلا ان محتواه يقترب في بعض جوانبه من «الوطنيات»، فهي لا تملك نفسها عندما تقترب مما يلمس الوطن من أن تسبح في نهره:
تصفه، وتفتخر به، لأنه يملأ روحها، ويتغلغل في شغاف نفسها، ففي قصيدة «سيف العدالة» الموجهة لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بمناسبة حادث التفجير في شارع العليا، تقول:«ص45»:


جند الوطن لابد يلقى معاديه
يلقى دليلٍ للعدالة على الفور
سيف العدالة كل مخطي يجازيه
نهاية للغدر والحق منصور

إلى أن تقول عن الوطن:


بأرواحنا نفديك يا موطنٍ فيه
بيتين للرحمن، وهداية النور

هذا بعد أن قالت في سمو الأمير نايف:


نايف رفيع الشأن والناس تغليه
شيخ حريص وثابت القلب، ماجور

وتتخذ من أمسية نسائية أقيمت لأول مرة في مركز الأمير سلمان الاجتماعي مناسبة لإلقاء قصيدة تشيد بجهود سموه، وبما يؤديه المركز من خدمات للمجتمع، وتبدأ القصيدة بالبيت الآتي:« ص:47»


أمير نجد كل ثقل ارتكى له
مشكور يا راع المكارم والأمجاد
أميرنا سلمان ياحي فَاله
أنشى لنا مركز وحقق لنا مراد

ثم تصف النادي وحسن إدارته، وما يقوم به تجاه من يستفيدون منه من رواده وأعضائه، تقول عن بعض ذلك:


نادي ثقافي ساميٍ له رساله
ونادي رياضي فيه ترفيه وارشاد
نادي اجتماعي كل خير سعى له
واللي يجون أجداد وأولاد وأحفاد

ثم تقول بعد أبيات:


وقسم النسا من جاه عوّد مشى له
قلوبنا للمحتفي فينا تنقاد

وتزور الشاعرة حائل فتطريها، وتطري أميرها، وتثني على طبيعتها وأهلها، وتبتهج بالأيام التي قضتها بين أهلها وربوعها، تقول في بعض أبياتها عن أجا وسلمى. «ص: 49»:


أجا وسلمى شامخات حصينة
وسحر الطبيعة حظ منهو اهتنى به

وتقول عن أميرها صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز:


مقرن عطيّ الله تسلم يمينه
مقرن لأهل حايل مثل السحابة
ظِلّ وهمايل كلنا خابرينه
ما شيف منه إلا الكرم والرحابة

وتقول عن أهل حائل:


ياربع حاتم بالكرم مقتفينه
الضيف إلى جاكم عزيزٍ جنابه

وتستمر في هذا المنحى الى آخر القصيدة.
والطائف بجاذبيته المتميزة، ينال نصيبه من التفاتتها، فقد ألقت في إحدى الأمسيات الشعرية قصيدة، أبرزت فيها بعض الصور للطائف، وألقت أضواء على بعض معالمه.
ومن أبرزها منتزهاته وجباله وواديه، وما تجمعه هذه الأماكن من زائرين وسياح، فهي ملتقى دائم للأصحاب والأقارب، تتحدث عن العسل، وهو ما اشتهر بجيّده الطائف، وعن الورد والطائف معروف برائحته التي لا تنافس.
تبدأ القصيدة بقولها «ص: 53»:


تشرح الصدر ياالطائف عساك العمار
متعة الشوف بجال الهدا والشفا
وادي وج وثقيف والاّ وادي اشهار
بينهم جَمعة الأحباب وصل وفا

الى آخر ما هناك من صور، عن الجو هناك، وعن الفواكه، وعن أهل الطائف، وما يستقبلون به الضيف الذي جاء ليقضي الصيف هناك.
وتختار في هذا الباب شخصاً أجمع عارفوه على ما يتميز به من خلق، ومن شهامة ومروءة، مما يجعل قارىء القصيدة يُؤمَّن على كل بيت قالته الشاعرة، والصدق فيما قالت يبدأ مع أول بيت في القصيدة التي استُهلت في رسم صور صادقة عن الأخ الدكتور عبدالرحمن الصالح الشبيلي:


يا بوطلال، الطِّيب من طيب مبداك
ويحق لي انظم عن الطيب الأشعار

وتبدي في القصيدة حيرتها، وعجزها عن احصاء الجوانب المضيئة في حياته، ومنها ان مشاغل حياته لا تقف في سبيل صلة الرحم عنده، ولا تمنع من البر بالجار، مع ابتسامة دائمة لا تغلبها أكدار الحياة.
وتشيد بصبره وحلمه ولطفه وعزائمه واصراره على الوصول الى الهدف في سبيل الخير.
وتشعر بالنقص في قولها تجاهه،وتلجأ مثل كل عاجز في مثل هذا المقام الى الدعاء الى من بيده الثواب للمجيدين والخيِّرين فتقول «ص:55»:


يا بوطلال الله يجيرك ويجزاك
خيرٍ على بذل النصيحة والأشوار

ثم تقول في الختام:


يا بوطلال الله يحفظك ويرعاك
ويكفيك ربي من تصاريف الأقدار

وفي هذا الباب قصائد أخرى تشد القارىء لما فيها من ابداع، منها قصيدة بعنوان:«أحاسيس شادي» وأخرى بعنوان:«يَمَّة»، وثالثة بعنوان:«هاجس»، ورابعة بعنوان:«مشاعر أم»، وخامسة بعنوان:«يا فلسطين»، وسادسة بعنوان:«الكرامة»، وسوف أبخس هذه القصائد حقها لو تحدثت عنها باختصار، ولا يفيها حقها من التقدير إلا قراءتها بتمعن، وعناوينها تدل على الأهمية القصوى لمحتواها.
يتبع

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved