أعذروا ضعفي..
أعذروا قوتي المتداعية وعزمي الذي ينهار..
أعذروا عبير يا من تصافح عيونكم المواسم وهي تبكي فما عاد إلا الدمع.. كنت قد لبست ثوباً جديداً للفرح للحياة للسعادة.. للأمل، كنت قد لونت المواسم بلون عمري الجديد.. لكني هذا اليوم انحنى مجدداً للأم وبقوة موجعة..!!!
هل تعرفون السرطان؟؟
«المرض الخبيث» الذي نخشى أن نجلجل باسمه.. إنه يطاردني في كل مكان يؤلمني كثيراً صرت أراه قريباً.. بعد أن عرفته كثيراً..
حين نزل بنضارة أمي قتلني قبل أن يقتلها.. دمرني قبل أن يحتل عواصم أمومتها ويترك لي الموت والفناء بعدها.. حين أخذ أمي مني ترك لي هذا الاسم يطاردني في كل مكان.. ومع كل إنسان أحبه!!
لأول مرة أجرؤ وأعترف للسرطان أنه هزمني!!
لأول مرة أعترف أن ذاك الملاك الطاهر قد انتزعه الموت مني ونزع الحياة والسعادة معه..
لأول مرة أقف وجهاً لوجه مع قاتل سيدة النساء.. فهو يعيد المثول في وجوه أحباب أخالطهم في حياتي ويترك لي كل الصور البائسة الأليمة..
اليوم بعد ثلاث سنوات دامية غابت فيها أمي وتشكلت الحياة صلصلاً أسود بكل الظروف البائسة..
يثقب من جديد السرطان خيمة تماسكي وتبين ثقوب قلبي أمام محاولاتي الضعيفة جداً أن أبتسم.. وينزل في جسد.. وجه آخر
من أحبابي..
فلا أملك إلا نصف الكلام نصف الدمع نصف التماسك..!!!
يعيد السرطان ضعفي وقوتي في وقت واحد.. يهزمني ويعيد صورة فرد ضعيف قوي على ربه في معاصيه.. يعيدني السرطان إلى قوتي أنه يتمدد على قلبي.. وله أبتسم..
أعيد حضور أمي وبحة علت نبرات صوتها..
إلى أمي وهو يعبث بجسدها الحبيب.. ولا أقوى إلا أن أتفرج على ما يحدث بدون إرادة مني يعيدني أن أبكي مع أناتها دما وأخلد عند مواطئ أقدامها أنتظر أن تنهض عبثاً.. لأروي لها مآسي مرت على عمري الصغير وهو يقاوم جيوشه الزاحفة إلى بوابات الحياة ليقيم الموت والحرمان.. والأسى واليتم الذي لا يتكرر.. فليرحم الله أمي مدداً.. فليرحمها رحمة واسعة بقدر هذا البقاء الذي أجدها فيه فلا يمكن أن يتسلل للذاكرة نسيان أو عزاء..
وليكن في عون كل مريض أدماه السرطان..
هذا الذي يجعلني أجرده من ألقابنا وغطائنا لمسماه الموجع..
وليكن في عون زميلتي التي احتل السرطان جسدها بدعوات حارة بالشفاء..
آخر الدمع:
ليس للدمع أخر.. حين كانت هذه المقالة.. كنت أئن وجعاً لصورة ماثلة لوجه من الأحباب وحين تكاملت جراحاً نزل صوت آخر يعزي في موت إحدى معلماتي للمرحلة الثانوية المرض ذاته على جسدها..
عادت الصور وتذكرت ونحن في الصف الدراسي وهي تدرسنا مادة الحديث والثقافة الإسلامية.. بطمأنينة.. ووجه مبتسم..
عدت بصور كثيرة لوجهها المتفائل وقد غيبه الموت هو السرطان وفقد بعض الوجوه الحبيبة..
فليرحمك الله أستاذة منيرة رحمة واسعة.. وليعوض صغارك خيراً بصلاح قلوبهم..
قاتل الله السرطان.. قاتل الله..
www.abeersite.com |