* واشنطون هوارد لافرانشي:
تزخر منطقة الشرق الاوسط بقضايا مثيرة للقلق، قليل منها له طابع عاطفي، خاصة الموضوع المتعلق بمستقبل وضع القدس، ومن المؤكد ان القانون الذي وقعه الرئيس الامريكي جورج بوش الذي يقضي باعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لاسرائيل قد أثار مشاعر متضاربة من الابتهاج والقنوط في وقت واحد، بوش الذي ساند زعم اسرائيل ان القدس عاصمة لها خلال حملته الانتخابية عام2000، يقول انه يرى ان هذا القانون ليس سوى تعبير عن احساس الكونجرس وانه على الرغم من هذا القانون إلا ان السياسة الامريكية بشأن القدس «لم تتغير».
ان هذا الامر يعنى ان الولايات المتحدة لاتزال تنظر الى القدس رسميا على انها قضية وضع دائم يتعين التفاوض عليها بين الاسرائيليين والفلسطينيين في اتفاق سلام نهائي، الا ان القانون الجديد لايخدم هذا الرأي، بل يثيرالشكوك في الدول العربية بشأن الانصاف والعدل في المنطقة، ويأتي هذا الامر في وقت حرج، حيث ان الولايات المتحدة تعمل جاهدة من اجل حشد التأييد بين العرب والمسلمين معا لاتخاذ موقف صارم وتأييد القيام بعمل عسكري في النهاية ضد العراق.
مزيد من النار
يقول مايكل هدسون خبير شؤون الشرق الاوسط في جامعة جورج تاون بواشنطون «ان هذا يعني صب الوقود على زيت الصراع العربي الاسرائيلي» كما ان القانون الجديد ينطوي على خطورة اثارة الاستغراب والدهشة في مناطق اخرى من العالم وليس الشرق الاوسط فقط، حيث ان معظم الدول الاخرى لاتعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل، هذا بالاضافة الى ان بعض المحللين يشيرون الى ان تنفيذ هذا القانون يتطلب من الولايات المتحدة تجاهل سلسلة من قرارات الامم المتحدة الخاصة بوضع القدس التي تدعو اسرائيل الى التراجع عن ضمها للقدس الشرقية العربية.
يقول ستيفن زيونز المتخصص في القضايا العربية الاسرائيلية في جامعة سان فرانسيسكو ان هذا القانون يتضمن فقرة تعترف في الواقع بان ضم القدس الشرقية يتناقض مع ثلاثة قرارات على الاقل صادرة عن مجلس الامن.. ويضيف قائلا «ان هذا الامر مثير للسخرية ولن ينساه العالم في ضوء اننا على وشك غزو دولة ذات سيادة على اساس انتهاكها لقرارات الامم المتحدة».
قانون التفويض
يقضي قانون سلطة تفويض العلاقات الخارجية لعام 2003 الذي وقعه الرئيس بوش بتخصيص مبلغ اربعة مليارات دولار امريكي خلال العام المالي الحالي للانفاق منها على الجهد الدبلوماسي الامريكي في العالم، ويضم هذا القانون عددا من المواد المثيرة للمشاكل بالنسبة للادارة الامريكية التى تنظر اليها على انها مجرد اجراءات استشارية للكونجرس وما عدا ذلك فانها سوف تمثل تدخلا في التفويض الدستوري للرئيس في ممارسة السياسة الخارجية حسبما ذكر الرئيس بوش في رسالة بعث بها للكونجرس.
نقل السفارة.. مرة اخرى!!
وتعتبر الفقرات الخاصة بالقدس من اكثر الفقرات وخزا، فقد مارس الكونجرس ضغوطه على ادارات عديدة من اجل نقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس، الا ان هذا القانون يذهب ابعد منها كثيرا، حيث انه يتطلب ضرورة ان تصف كل الوثائق الرسمية الامريكية القدس على انها عاصمة لاسرائيل، كما يدعو القنصلية الاسرائيلية في القدس الشرقية التي تتعامل مع القضايا الفلسطينية الى تقديم تقارير الى السفارة الامريكية في تل أبيب وليس الى واشنطن مباشرة كما هو معمول به حاليا.
مناورة مكشوفة
يقول زيونز «انها صفقة كبيرة.. انها اكثر المناورات القانونية وضوحا حتى الآن بشأن الاعتراف بضم اسرائيل للقدس الشرقية» ان هذا القانون يعكس حال كونجرس اكثر موالاة لاسرائيل وبصلابة في السنوات الاخيرة، وخلال مرحلة صياغة مشروع هذا القانون، تردد ان عددا من المعاونين بالكونجرس لم يتلقوا أي اعتراضات على مستوى عال من ذلك النوع الذي قامت به الادارات السابقة إزاء استخدام لغة مماثلة.
باوتشر يرد
رد المتحدث باسم الخارجية الامريكية على ذلك الاسبوع الماضي بقوله «ان وزارة الخارجية الامريكية اوضحت باستمرار انها تعارض هذه الفقرات، كما اننا اوضحنا ايضا لكل شخص في الكونجرس اننا نعارض اصدار تشريع يعرقل قدرة الرئيس على اظهار مصلحتنا في التوصل الى تسوية اسرائيلية فلسطينية قائمة على التفاوض».
وقال وليام كوانت المتخصص في شؤون الشرق الاوسط بمجلس الامن القومي في ادارة الرئيس الاسبق جيمي كارتر والذي يعمل حاليا في جامعة فرجينيا «ان فقرات قانون الكونجرس مثل تلك الخاصة بالقدس لن تجبر احدا على الخضوع لشيء لايريد الخضوع له.. ان ادارة بوش تتخذ خطوات لتحسين وضعها في الدول العربية في الوقت الذي تتجه بناظريها الى العراق».
ويشير كوانت على سبيل المثال الى القرار الامريكي الخاص بعدم الاعتراض على قرار بمجلس الامن يدين حصار اسرائيل لمقر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله، ان الضغط الامريكى على رئيس الوزراء الاسرائيلى ارئيل شارون كان امرا مفيدا حيث ساعد على رفع الحصار.
استياء شعبي أمريكي
ويرجع هدسون ماحدث الى حالة السخط المستمرة على الاسلوب الذي تعالج به الولايات المتحدة الموضوعات الفلسطينية، ان الادارة الامريكية تواجه شكوكا قوية ازاء الاهداف الامريكية في العراق والنوايا الاكثر اتساعا في المنطقة ككل، ومن اجل توضيح المتاعب الامريكية في العالم العربي يشير هدسون الى رد الفعل السلبي العربي ازاء التحركات الامريكية الاخيرة لصالح عنصر نشط بارز مؤيد للديموقراطية في مصر هو سعد الدين ابراهيم.
يقول هدسون «ان هذه البادرة كانت لها آثار سيئة حتى بين المدافعين عن حقوق الانسان، واولئك الذين يعارضون نظاما ديكتاتوريا ربما رحبوا بها.. لقد فشلت هذه البادرة بسبب سمعة حاملها».
ويضيف الخبراء ان تحركات الكونجرس التي تتسم بالود تجاه اسرائيل والتي تأتي قبل اجراء انتخابات الكونجرس مباشرة تعد وسيلة سهلة للحصول على التأييد في الدوائر الموالية لاسرائيل، إلا انها تتجاهل الرغبة الجارفة للرأي العام الامريكي الخاصة بضرورة قيام الولايات المتحدة بدور منصف في مفاوضات السلام.
يقول كوانت «ان معظم الامريكيين لايريدون لنا ان نكون نحن الذين نقرر وضع القدس العربية، او ماهية القدس الاسرائيلية على نحو الدقة».
* خدمة كريستيان ساينس مونيتور خاص ب«الجزيرة». |