Thursday 10th October,200210969العددالخميس 4 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

في الإقتصاد في الإقتصاد
اكسب الملايين من التعليم الخاص
د. سامي الغُمري

لا يكاد يمر علينا يوم دون ان نرى او نسمع او نقرأ إعلاناً عن مدرسة او معهد او كلية تعلن الشروع بفتح ابوابها للتسجيل للطلاب الراغبين بالالتحاق باحدى المراحل الدراسية فيها.
وترفق بعض هذه المؤسسات التعليمية الخاصة حملاتها الاعلانية عادة بكثافة منها ماهو رخيص التكاليف مثل الاعلان في لوحات قماشية على الجسور او الشوارع او مطبوعات ورقية يتم توزيعها تحت ابواب المنازل داخل الحارات السكنية او دهانية على جدارها وعلى جذوع النخل والشجر. فيما البعض منها والاقدم تأسيسا وربحا فغالبا ما تظهر اعلاناتها بصورة افضل حضاريا مثلا في صفحات المجلات والصحف المحلية. الى هنا ولا شيء في طريقة الاسلوب والاداة ذلك ان كل نشاط اقتصادي قد يحتاج الى ادوات الدعاية والاعلان والترويج يزيد في تسويق بضاعته وخدماته وارباحه. ولكن الموضوع هنا يرد ويركز في ان ظاهرة التوسع المتسارع الوتيرة والملحوظ في التعليم الخاص وبكل مراحله يبدو وكأنه قد اخذ منعطفاً جديداً مؤخرا. يبدو ان هذه الاعمال الخاصة بالتعليم اصبحت مربحة جدا واكتشف كثير من المستثمرين حاجة هذا القطاع لهذه الخدمة. فبدأ الاقبال يتزايد من المتخصصين وغير المتخصصين يوما بعد يوما. واخذت تتزايد اعداد المؤسسات التعليمية الخاصة بدرجة غير مسبوقة. والحوار هنا ليس مع العلم ولا مع التعليم ولكن مع المستثمرين ورجال الاعمال.
فالظاهرة تستحق الدراسة لانها قد اخذت بعدا سلبيا آخر. بعدا جديدا قد يكون غير مرغوب فيه الا وهي البعد المالي المادي الصرف. نعرف ان الرغبة والتوجه المنشود لدى معظم المستثمرين هو الحصول على الربح السريع المضمون قليل المخاطر والاتعاب. ندرك انه لولا الحافز المالي والربحي لما اقيمت المؤسسة التعليمية الخاصة من اساسها ولا اخذت مخاطر الاستثمار ومسؤولياته بداية من الفكرة الى التنفيذ. لكن كل ما نخشاه هنا ان يصبح العلم سلعة تباع لمن يدفع اكثر وسلعة تشترى بكل سهولة لا يراعى فيها امانتها ولا الضمائر فيما تحجب اصول المهنة كما ينبغي فيها. يخشى ان نستقيظ يوما نجد فيه مؤسسات تعليمية خاصة تكون اكبر همها الحصول على رسوم مالية سنوية من الطلاب مقابل اصدار شهادة علمية لهم في نهاية العام ختم عليها ناجح بتفوق وبنسبة 98% المستثمر يقول ان الطالب يريد ذلك ويريد شهادة نجاح في نهاية العام تنقلة لمرحلة تالية ويعتقد ان الطالب لا يعبأ كثيرا بمستواه وتحصيله العلمي العام لنفس السنة بقدر ما يهمه حصوله على النجاح وبأي شكل كان. والطالب يقول بدوره ان المستثمر يهمه الحصول على رسوم المقعد والدراسة قبل اي شيء آخر وطالما الرسوم مدفوعة في حينها فان امر شهادة النجاح اصبح أيضا مضمونا بل مفروضا على المستثمر الى حد كبير، واذا حاول وتجرأ المستثمر على ترسيبه فقد يجد من الاحراج ومن المشاكل مع ولي امره مالا يحمد عقباه «على الاقل ماليا في عدم دفع الرسوم» ورغم معرفة بعض المستثمرين من تدني المستوى في مؤسساتهم التعليمية الخاصة الا انه درءاً للمشاكل ويغض الطرف عنها وتصريفها بكل حنكة فلا يسعهم الا ان ينجحوا معظم الطلاب ان لم يكن الكل ويتم نقلهم الي المرحلة التالية وبتفوق في نهاية كل سنة حتى ولو كانوا في مستوى اقل عند مقارنتهم بطلاب المدارس الحكومية. العامل الآخر المؤثر على عقلية المستثمر الخاص هو استمرار تدفق الاموال من الطلاب بالدرجة الاولى لدفع رواتب المدرسين والايجار السنوي للمبنى وتجنب اي مشاكل قد تؤدي الى انخفاض ارباحهم السنوية. واما كل هذه المتغيرات فإننا قد نتوقع على المدى البعيد ان تطغى الناحية المادية على الناحية التعليمية وينحدر بالتالي المستوى العام للطلاب في المؤسسات التعليمية الخاصة. حيث ان جل الاهتمام لدى المستثمر يبدو حاليا ليس في الارتقاء بالمستوى التعليمي لبعض هذه المؤسسات الخاصة ولا في التركيز على نوعية الطلاب انما كل التركيز والاهتمام هنا يكاد يكون منصبا على الكمية وعلى العدد.
فالفكرة لدى البعض من المستثمرين حاليا لاقامة مشروع مدرسة خاصة هو المبنى آلشامل على اكبر عدد من الفصول وفي حالة عدم توفر السيولة النقدية اللازمة لبناء المشروع فان الافضل هو استئجار مبنى يحتوي على عدد مناسب من الغرف التي يمكن تحويلها الى فصول دراسية. اي انه كل ما على المستثمر المندفع سوى دفع الايجار السنوي للمبنى المستأجر على ثلاث او اربع دفعات مالية. هذا كل ما عليه وسوف يجني ارباحاً طائلة قد تصل الى عدة ملايين من الريالات في بضع سنين لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة. هذا هو الاعتقاد السائد في الوقت الحاضر. والتأكيد على ذلك ان الاستثمار في القطاع التعليمي الخاص ذو عائد مضمون ومخاطر لا تذكر وتكاليف يمكن تجاوزها فالخسائر هنا تكاد تكون معدومة وبعملية حسابية غير معقدة نعرف ارباحها وعادة ما تحسب بعدد الطلاب في المدرسة الخاصة مضروبا في قيمة المصروفات السنوية لكل طالب مخصوما منه رواتب المدرسين والناتج ربح جيد.
ولكن اذا كان يعتقد المستثمر المشارك في القطاع التعليمي او التعليمي العالي ان يجني الارباح بأقل تكلفة واكبر عائد وبأدنى مستوى واداء فعليه ان يعيد النظر في مشاركته لهذا القطاع الحساس في بناء انسان المستقبل المسؤول واذا كان حال المستثمر ما يقوله وما يردده في ان الطالب يريد شهادة نجاح في نهاية العام الدراسي وان البعض منهم قد تهرب من المدارس الحكومية المجانية خوفا من الرسوب فيها وجاء بقدميه الى المدارس الخاصة لشراء شهادات النجاح فيها فالافضل لهذا المستثمر المندفع الا يشارك في القطاع التعليمي الخاص.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved