* القاهرة - مكتب الجزيرة - عثمان أنور - محيي الدين سعيد - طه محمد علي السيد:
اجتاحت موجة من الاستياء والغضب شعوب الدول العربية والإسلامية بعد تصديق الرئيس الأمريكي بوش الابن على قرار الكونجرس الأمريكي الذي يقضي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.
وندد السياسيون وخبراء الاستراتيجية بمشروع القانون الأمريكي واعتبروه تلويحاً بتنفيذ التهديدات الأمريكية لضرب العراق، واستغلاله كوسيلة ضغط على الدول العربية لتأييد الضربة الأمريكية المقررة على العراق.
وعلى الرغم من أن السياسيين اعتبروه ليس جديداً، وأنه يشابه القرار الذي تم استصداره قبل عدة سنوات وتحويل السفارة الأمريكية إلى القدس بدلاً من «تل أبيب»، فإنهم يؤكدون أن ذلك يعكس تحيزاً أمريكياً واضحاً للدولة العبرية كشفت عنه الإدارة الأمريكية أخيراً.
وطالب السياسيون في التحقيق الذي أجرته «الجزيرة» بعقد قمة عربية وسحب السفراء العرب من العاصمة الأمريكية في حال اقدام واشنطن على تنفيذ قرارها.
وعلى الرغم من اعلان إدارة الرئيس الأمريكي أنها ستتجاهل توجيهات جديدة من الكونجرس تتطلب منها الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل، إلا أن موافقة بوش وضعت الإدارة كلها في وضع حرج، إذ إن القانون الموقع ينص على عدم امكانية انفاق أية أموال على وثائق أمريكية رسمية من دون الاشارة إلى أن القدس عاصمة لإسرائيل وأنه يمكن للأمريكيين المولودين في القدس المحتلة المطالبة بتسجيل إسرائيل كمحل ميلادهم في جوازات سفرهم وتسجيل القدس في اشارة إلى إسرائيل.
وفي ذلك اشارة أيضاً إلى تأكيد الكونجرس والإدارة الأمريكية عزمهما على تسجيل القدس في الأوراق الرسمية باعتبارها عاصمة لإسرائيل، وهو الموقف الذي تعهد به الرئيس بوش في حملته الانتخابية بأن تكون القدس عاصمة لإسرائيل.
وهو ما يفسر أن ذلك القانون أيضاً ما هو إلا اضافة أو محاولة لاكتساب الأصوات الانتخابية في الانتخابات المقرر اجراؤها للحصول على الأصوات اليهودية بالولايات المتحدة.
يشابه مشروعاً سابقاً
يقول الدكتور أحمد يوسف - عميد معهد البحوث والدراسات العربية - أنه لم يطلع حتى الآن على مشروع القانون الذي يراه البعض استشارياً في الإدارة الأمريكية، إلا أنه يرى عدم الاختلاف بينه وبين المشروع السابق والخاص بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
وعما إذا كان القانون يعد تراجعاً من الإدارة الأمريكية عن رعايتها لعملية السلام، فإنه يؤكد أن عملية السلام حالياً لم تعد إلى المربع الأول فقط، بل عادت إلى ما قبل المربع الأول، الأمر الذي ينذر بتحولات وتداعيات خطيرة في المنطقة، ويقول يبدو أن الإدارة الأمريكية لا يشغلها حالياً سوى الترويج لضرب العراق والحصول على موافقة من مجلس الأمن.
ورقة ضغط
ويرى الدكتور محمد السعيد ادريس الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن القانون يعد رسالة واضحة متعلقة بالتهديدات الأمريكية لضرب العراق، إذ إنه يفسر على أنه ورقة ضاغطة على الدول العربية يمكن استخدامها في أي وقت إذا أعلنت هذه الدول رفضها للضربة الأمريكية ضد العراق.
ويقول د. ادريس إنه كان ينبغي أن تكون المواقف عادلة، وخاصة ما يتعلق بمدينة القدس لحساسية الموضوع، وأنه كان أولى بالإدارة الأمريكية أن تنظر إلى وحشية الممارسات الإسرائيلية وجرائم قوات الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، بدلاً من إثارة هذا الموضوع المتعلق بالقدس الشريف.
أما الدكتور فؤاد عباس - رئيس اتحاد الكتَّاب والصحفيين الفلسطينيين بالقاهرة - فيؤكد أن الموقف الأمريكي سيفتح نار الغضب على الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم العربي، إذ إنه موضوع حساس للغاية ويثير كثيراً من أشكال الغضب ضد الولايات المتحدة وحليفتها الأولى في المنطقة وهي إسرائيل.
ويقول إن أمريكا لديها مخطط واسع لتأييد إسرائيل، وجعلها أكبر قوة في المنطقة، وأن تكون الحليف الأول لها لحماية مصالحها في المنطقة، وأن الولايات المتحدة ترى في فلسطين والقدس الشريف رأس جسر للهجمة الصهيونية الأمريكية على الوطن العربي في الوقت الذي أعلنت فيه الدول العربية تمسكها بالسلام.
ويعتبر المستشار مأمون الهضيبي نائب المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين أن الخطوة الأمريكية هي حلقة في سلسلة الانحياز الأمريكي الكامل والشامل لصالح إسرائيل التي تعتبر «عميلة» لواشنطن في المنطقة.
ويشير إلى أن النفوذ الصهيوني في دوائر السياسة الأمريكية مع الكونجرس رأى أن يرسل بهذا القرار كاعتماد مالي لوزارة الخارجية الأمريكية.
ويقول الهضيبي إن أي خطوة أمريكية لصالح الكيان الصهيوني هي خطوة متوقعة، فأمريكا هي التي تدعم هذا الكيان بالمال والسلاح، وهي التي تحميه في المحافل الدولية وتمنع صدور أية قرارات تحمل إدانة له حتى أصبحت المنظمات الدولية شريكة في هذا الانحياز.
ويتساءل إذا كان العرب متفرقين بهذه الصورة وليس لديهم أية ارادة سياسية حقيقية لاتخاذ موقف قوي في مواجهة إسرائيل وأمريكا فما الذي يمنع السفاح شارون من التمادي في قتل الشعب الفلسطيني وما الذي يمنع أمريكا من اتخاذ قرارات وخطوات جديدة في طريق الدعم الكامل للكيان الصهيوني؟!
أما سيف الإسلام حسن البنا أمين عام نقابة المحامين فيحذر من أن مثل هذه الخطوة الأمريكية من شأنها الاضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة العربية والإسلامية خاصة أنها تمس العقيدة والمقدسات ليس للمسلمين وحدهم ولكن للمسيحين أيضاً.
ويرى البنا الخطوة الأمريكية بأنها تمثل منتهى الاستهانة والاستخفاف بالأمة العربية والإسلامية وتقطع كل أمل لدى شعوبها في تعديل الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل أو في عودة واشنطن إلى العدل والشرعية واحترام قوانين ومبادئ الاتفاقيات الدولية وحقوق الدول الأخرى، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تمثل ان كل المثل والقيم الانسانية وقطع السبيل على أية مفاوضات موجودة لتحقيق السلام وذلك بطريقة غير لائقة وغير مهذبة وتنافي حتى أبسط مبادئ الدبلوماسية الدولية.
ويؤكد البنا أن مثل هذه الخطوة من شأنها تعبئة الشعور لدى شعوب الأمة العربية والإسلامية ضد كل ما هو أمريكي ويزيد من الحماس لمقاطعة السلع والبضائع الأمريكية ويجعلها هدفاً لكل فرد عربي ومسلم.
ويؤكد البنا أن أمريكا سوف تتكلف مئات المليارات من الدولارات في الدفاع عن مصالحها في حين لن تتكلف الشعوب العربية والإسلامية شيئاً في تهديد هذه المصالح ومقاومة المساعي الأمريكية للهيمنة على المنطقة.
ويدعو البنا دافع الضرائب الأمريكي إلى الانتباه لإنفاق حكومته لأمواله فيما لا يفيد بلاده شيئاً وإنما يعود عليها بالضرر ويدفع إلى فقدان السوق العربية والإسلامية كواحدة من أكبر الأسواق المستهلكة للانتاج الأمريكي، مؤكداً أن اصدار أمريكا لمثل هذا القرار يمثل أيضاً تحدياً سافراً للقانون الدولي لارادات الدول الأخرى وفي مقدمتها الدول الأوروبية التي يعني مثل هذا القرار بالنسبة لها أن الإدارة الأمريكية لا تضع في اعتبارها أية قوى أخرى في العالم وتلقي بارادتها في وجه هذه القوى دون اهتمام بردود أفعالها.
وأعتبر حسين عبدالرازق الأمين العام المساعد لحزب التجمع أن هذه الخطوة من جانب الولايات المتحدة سوف تدفع إلى مزيد من التصعيد في الشارع العربي والإسلامي ضد القرار الأمريكي، مشيراً إلى أن الشعوب العربية ورغم كل القيود المفروضة عليها لن تعدم وسيلة في اعلان رأيها في مواجهة حكومتها المتهاونة في الدفاع عن الحق العربي في فلسطين المحتلة.
وقال عبدالرازق ان القرار الأمريكي والطريقة التي تعامل بها بوش مع هذا القرار تكشف عن مدى الاستهانة بالحكومات العربية وأن توقيع بوش على القرار هو خطوة جديدة، في مساندة إسرائيل وفي اعطاء الإسرائيليين ورقة جديدة في حالة بدء مفاوضات سياسية مع الجانب الفلسطيني.
ورأي عبدالرازق أن التلاعب الأمريكي في وضع عبارة أن الموقف الأمريكي لم يتغير وأن تحديد مستقبل القدس يتم في مفاوضات لا يعدو أن يكون مناورة أمريكية تعطي الحكومات العربية الحليفة لأمريكا فرصة في الادعاء بأن الإدارة الأمريكية لم تتخذ موقفاً جديداً محذراً من أن الحكومات العربية جميعها إذا لم تتخذ موقفاً في هذا الأمر فسوف تجد نفسها في مواجهة جديدة مع شعوبها.
ومن ناحيتها عبرت جامعة الدول العربية عن مخاوفها من القرار الأمريكي الجديد باعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل أشار بيان صادر عن الجامعة إلى أن تحفّظ الرئيس بوش على بعض بنود القرار الذي استصدره الكونجرس الأمريكي في هذا الشأن، لا يقلل من خطورة القرار الذي يتضمن عناصر جديدة وغير مسبوقة في تعامل الكونجرس مع وضع القدس المحتلة.
ونوه البيان إلى أن هذا التحول يثير العديد من علامات الاستفهام حول الضغوط التي تتعرض لها الإدارة الأمريكية من قبل بعض الجماعات للابقاء على الاحتلال الإسرائيلي والتوتر في الأراضي المحتلة والشرق الأوسط.
وكان عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية قد نبّه قبيل مشاركته في الاجتماع التحضيري للقمة العربية الذي استضافته البحرين، إلى تزامن القرار الأمريكي الجديد بشأن القدس مع تدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية نتيجة رفض إسرائيل الامتثال للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن.
ومن جانبه كشف السفير محمد صبيح مندوب فلسطين الدائم لدى جامعة الدول العربية على مشاورات تجريها السلطة الفلسطينية مع الجامعة العربية للتعامل مع تداعيات القرار الأمريكي.
وأضاف صبيح أن التحرك الفلسطيني يهدف إلى عقد سلسلة من الاجتماعات الطارئة للبرلمانات العربية والإسلامية في مواجهة الهجمة الأمريكية الجديدة.
أوضح مندوب فلسطين أن قرار الكونجرس الأمريكي ربط لأول مرة ميزانية القنصل الأمريكي في القدس بميزانية واحدة مع السفير الأمريكي في القدس مباشرة لوزارة الخارجية الأمريكية.
وقال صبيح إن الربط الجديد هدفه الضغط على الإدارة الأمريكية وتخييرها بين قبول الميزانية أو رفضها جملة واحدة، وأضاف صبيح أن الرئيس الأمريكي تحفظ على هذه الفقرة لأنها تشكل تعدياً صريحاً على صلاحياته، إلا أن مندوب فلسطين حذّر في الوقت ذاته من نجاح الكونجرس الأمريكي في تنفيذ مخططه بسبب انتخابات التجديد النصفي.
|