عندما نستمع أونشاهد أونقرأ للأمير نايف بن عبد العزيز في لقاءاته المجلسية والاعلامية تنطبع في ذاكرة المتلقي فكرة جوهرية ترسخ دائماً عن فكر المسؤولية الذي يضطلع به الأمير دائماً، وهي أن هناك ثنائية لا تنفصل عن بعضهما البعض هما ثنائية الأمن والاعلام.. وهما متصلتان ببعضهما البعض من ناحيتي الرؤية الاستراتيجية للمصالح الوطنية والترتيبات اللوجستية لصناعة الرسالة المزدوجة في الأمن والإعلام.
وخلال تشرفنا - أعضاء مجلس ادارة الجمعية السعودية لعلوم الاتصال - بلقاء سموه الأسبوع الماضي، وفي ثنايا حديثه عن الاعلام والأمن تتجدد دائماً تطلعات سمو الأمير في أن يكون لنا إعلام سعودي «نافذ» يخدم المصالح الوطنية على المستويين الداخلي والخارجي، بما في ذلك المصالح الأمنية العليا للبلاد.. وقد عكس حديث الأمير في ذلك اللقاء وفي غيره من مناسبات اعلامية كثيرة تصدر أجندة الاعلام في تفكير سموه.. وهذا التصدر ليس للاعلام بحد ذاته ولكن لما يمكن أن يقوم به الاعلام في مختلف نواحي الحياة في المملكة، وما يمكن أن يساهم به الاعلام في خدمة مشروع التنمية السعودي بما في ذلك المشروع الأمني الكبير الذي وفر قاعدة الاستقرار والأمان لهذه البلاد.
والأمير نايف يحمل تجربة أمنية طويلة بدأت بإمارة الرياض قبل حوالي الخمسين عاماً (1373هـ) ثم تدرج سموه في مهام أمنية عديدة الى أن تسلم المسؤولية الأمنية الأولى في المملكة وزيراً للداخلية 1395هـ.. وهذه التجربة الطويلة التي تعد أكبر تجربة أمنية لشخصية عربية على مدى عدة عقود من الزمن ولا سيما خلال فترة بناء وتأسيس تنموي شامل في مختلف قطاعات التطوير في المملكة أكسبت الأمير تجربة تراكمية كبيرة وأهلته للحديث في سياقات متنوعة وتجارب مختلفة، فعندما يتحدث عن الأمن فهو ينطلق من تاريخ طويل وقاعدة معروفة واسعة بالمسؤولية الأمنية في المملكة والمنطقة العربية والإسلامية.
ومن المعروف ان مجالي الأمن والاعلام يتضادان في كثير من المجتمعات، وفي أحسن تقدير يتعارضان، فالمؤسسات الأمنية تحاول أن تتحكم في التدفق المعلوماتي عن الأحداث والوقائع، بينما تسعى وسائل الاعلام الى النشر والبث الفوري عن تلك الوقائع والأحداث، ولم يكن من باب المصادفة ان يكون الشخص الذي تناط به مسؤوليات الأمن في المملكة هو نفس الشخص الذي يعمل جاهداً في تكريس مفاهيم وقيم مهنية جديدة في مجال الاعلام الذي يعد من الأدوات الأساسية التي ينبغي توظيفها بوعي كامل في خدمة المجتمع والدولة.. وكلا المسؤوليات «التنفيذية» في المجال الأمني و«التنظيمية» في المجال الاعلامي هي من المهام الصعبة التي قد يراها البعض من المسؤوليات المتناقضة والمتعاكسة في المصالح.. فرجل الأمن يتردد في النشر للقضايا الأمنية، ورجل الاعلام يرى أهمية النشر للتوعية والتبصير.. وكلاهما يعمل على أداء مهامه المناطة به على أكمل وجه.. والأمير نايف جمع بين طرفي المعادلة الصعبة.. فلديه أمنيون يرون التريث دائماً.. ولديه مؤسسات اعلامية ترى سرعة الاعلان عن الأحداث.. ويظل الأمير نايف يحمل في داخله هما أمنياً على مستوى الوطن، وهاجساً اعلامياً على مستوى الصحافة والاعلام.. وهذه مهمة قد تبدو مستحيلة نظرياً، ولكنها ممكنة قولاً وفعلاً من خلال التجربة التي أسسها الأمير نايف في أحداث ومناسبات عديدة.
ومنذ أن تولى سمو الأمير نايف رئاسة المجلس الأعلى للاعلام عام 1400هـ، وهو يعمل جاهداً بكل الطرق في سبيل تكريس مفاهيم جديدة في اعلامنا تواكب التطورات التقنية والمستجدات العصرية في صناعة الاعلام.. فتم أولاً اعتماد وتحديد السياسة الاعلامية السعودية، التي تمثل وثيقة بما تحتويه من خطوط عامة وتوجهات أساسية لمضامين الاعلام كما ينبغي أن يكون عليه.. وهذه الوثيقة -لا شك - مثلت عصارة تجربة الاعلام السعودي خلال العقود التي مر بها.. وهي امتداد للسياسة السعودية عامة، بشقيها الداخلي والخارجي.. التي تعكس الثوابت الدينية والقيم الوطنية التي أصبحت معياراً نحتكم إليه ونبراساً نهتدي به.
ومما يسترعي الانتباه دائماً في الأحاديث والمؤتمرات الصحافية واللقاءات المجلسية للأمير نايف هو درجة الصراحة التي تعد سمة مميزة للأمير.. فهو يتكلم بصراحة معهودة في شخصيته.. سواء مع أو ضد الأجهزة الأمنية..وسواء مع أو ضد المؤسسات الاعلامية.. وحديث الأمير دائماً يحمل هذا التوجه الذي يمثل شفافية عالية في التعامل مع الأحداث والمواقف.. وهذه الشفافية الأمنية هي لا شك مهمة من وجهة نظر الرأي العام عامة ووسائل الاعلام خاصة.. وهي تمثل انفتاحاً اعلامياً واعياً تجاه المستجدات الاتصالية التي أخذت تتأسس في مفاهيمنا نحن كمسؤولين واعلاميين ومتلقين.
إن التطور الجديد في وسائل اعلامنا خلال الأعوام الماضية يأتي ثمرة ونتيجة واضحة لجهود شخصية يبذلها الأمير نايف في سبيل تحقيق المعادلة الصعبة بين الأمن والاعلام.. فقد سجل اعلامنا تطورات نوعية في متابعته للاحداث المحلية والدولية.. حيث استطاع أن يقدم اعلامنا سبقاً اعلامياً وصحافياً في أكثر من مناسبة وأكثر من حدث.. وكذا لا ننسى أن الإعلام لم يكن ليحقق هذا التطور النوعي في خدماته دون أن يكون هناك توجيهات واضحة من سموه للاعلان عن هذه الأحداث وإعداد التحليلات المناسبة والتقديرات الواقعية للوقائع.. ومن هنا دخل الاعلام السعودي مرحلة جديدة من التطور والنمو بما يتمشى مع ثوابت المجتمع ويواكب مستجدات التقنية وتطلعات المتلقي الاعلامي.
ولكن ينبغي التأكيد هنا إلى أن كل هذه الانجازات التي تحققت على أصعدة الاعلام المختلفة -رغم اهميتها التاريخية - تظل دون سقف توقعات الأمير نايف، فهو يطمح دائماً إلى أن يقفز الاعلام الى مساحات جديدة ويتوسع في المعالجات الاجتماعية والسياسية في مختلف القضايا والاهتمامات.. وما أكده سمو رئيس المجلس الأعلى للاعلام في حديثه الخاص مع مجلس ادارة الجمعية السعودية لعلوم الاتصال هو أن قاعدة التطوير في المجال الاعلامي تبدأ من الدراسات والبحوث التي يمكن أن توفرها الجمعية من خلال اعضائها في الجامعات السعودية وفي المرافق الاعلامية الأخرى.. وهذه مهمة ستحاول هذه الجمعية الفتية بإذن الله ان تضطلع بها في المرحلة القادمة من خلال برامجها العلمية والثقافية التي سيعلن عنها قريباً بإذن الله تعالى.
(*)رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم الاتصال أستاذ الاعلام بجامعة الملك سعود |