Monday 30th September,200210959العددالأثنين 23 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أناس لا بدائل لهم أناس لا بدائل لهم
د. محمد أبوبكر حميد

لا أعتقد أن في هذه الدنيا ما هو أجمل وأعظم من أخوين أو اختين خرجا من بطن أم واحدة وعاشا يجمع بينهما الحب ويكمل كل منهما الآخر في كل شيء، فلا يكبر في نفس أي منهما على أخيه شيء إلا بذله له، وآثره على نفسه، وهذا النوع من الإيثار أعلى مستوى ترتفع به الاخوة لأن الاخ لا بديل له بعد موت الأبوين. ولقد مر بي في قراءاتي قبل حوالي عشرين سنة كلمة رائعة عن جمال الاخوة وقوتها وعظمتها للأديب الرائع المشاعر معالي الأستاذ حسن محمد كتبي - وزير الحج والأوقاف السابق - أطال الله عمره في كتابه «هذه حياتي» (الذي شرفني في مقتبل حياتي الأدبية في سن الحادية والعشرين بكتابة مقدمة طبعته الثانية). كتب الاستاذ حسن كتبي في هذا الكتاب صفحة واحدة يصف فيها محبته لأخيه سامي تجعل الإنسان يشتاق لهذه الاخوة العظيمة قال عنه:
«أما أخي سامي فكان صدى لإحساساتي ومرآة نفسي، عشنا معاً ولم نفترق لحظة واحدة في طفولتنا، وقد وحدت بين قلبينا جميع أسباب الحياة.. ونعمل أي عمل مشتركين كما لو كنا شخصاً واحداً وقد امضينا الفترة الأولى من عمرنا على هذه الحال حتى خرجنا الى الحياة الكادحة العاملة». ثم يقول الاستاذ حسن: «وفي هذا الميدان تجلت وحدة أرواحنا ومشاعرنا وأصبحت اشعر ان شخصيتي لا تتم إلا به.. فقد غلبت روحه على روحي واتحدت إرادتنا وافكارنا في الحياة العامة، كما كنا في عهد الطفولة ومراحل الدراسة». ثم كتب أجمل ما قرأت في حب أخ لأخيه هو أبلغ في شدة عاطفته وصدقها من أجمل قصائد الشعر، يقول: «ولقد احببته حباً طغى على قلبي حتى غلب على حبي لنفسي، ولست اعرف أي تأثير لإنسان في الحياة يفوق تأثيره عليّ، وسيطرته على مسارب تفكيري وطرائق حسي. وهو في حياتي كالقوة الخفية التي تسيرها على القرب والبعد ولا تستطيع الإفلات منها، ولقد وجدت في إخائه فضل الاخوة وكرامتها وجمالها وقوتها». «ص 130».
وتمنيت وقتها ان لو كان لي اخ في مثل سني لجعلت ما بيني وبينه ما كان بين حسن كتبي وأخيه، فقد كنت اصغر اخواني صبياً، وفارق السن كبيراً يجعلني أقرب ما اكون لهما كالابن لا كالأخ. ثم أدركت مع مرور السنين ان هذه نعمة أخرى أنعمها الله عليّ، فقد حُرمتُ منذ باكر طفولتي من عطف الأبوة «في سن الثالثة» فعوضني الله في اخوة أخوين كبيرين كريمين أبوة كاملة لم أحرم فيها من شيء قط -ولله الحمد- إلا من كلمة «بابا» التي لا اذكر انني قلتها في حياتي قط، ثم اكتمل عوض الله لي حين صرت اسمع هذه الكلمة الرائعة «بابا» تغرد بها افواه اطفالي فتتفاعل معها كل مشاعري، فكان هذا من تمام نعمة رب العالمين على عبده، هذا ظل ظليل من شجرة الاخوة الوارفة الظلال.. الاخوة التي ترتفع الى درجة الأبوة كما عشتها بنفسي في ظلال أخوين كريمين.
وفي مضرب المثل بكمال الاخوة وقوتها اخرج ابن ابي حاتم عن عروة ان عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رجلاً يقول: «اني لا أدري أي أخ في الدنيا كان انفع لأخيه من موسى حين سأل الله لأخيه هارون النبوة، قالت أم المؤمنين: صدقت والله».
وفي قصة يوسف وإحسانه الى اخوته الذين أرادوا قتله والغدر به أعظم مثل على ان حق الاخوة لا يسقط بإساءة أخ لأخيه، لان هذا الحق يحدد منزلة الاخ عند ربه ويجعله من «المحسنين» وهو ما فعله هابيل ويوسف وضربا به المثل في التسامح وإعلاء الاخوة الى أعلى المنازل.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved