* القاهرة - عبدالله الحصري - مكتب الجزيرة:
رغم الجهود الدولية المبذولة لمنع الحرب الأمريكية ضد العراق إلا أن كل التحليلات تصب في اتجاه الحرب رغم ان اللجنة الدولية للطاقة أعلنت استعدادها إرسال مفتشين دوليين للعراق إذا وافق مجلس الأمن على ذلك.. وإذا كانت الحرب لم تقم بعد أو حتى اتخذ قرار نهائي بشأنها إلا أن أول انعكاس لبوادرها ارتفاع أسعار البترول إلى 30 دولاراً للبرميل ثم هبوطه مرة أخرى إلى 50 ،28 دولاراً بعد اعلان اللجنة الدولية للطاقة استعدادها ارسال مفتشين دوليين للعراق مما يؤكد ان اشتعال الحرب سيشعل أسعار البترول.
وتجدر الإشارة إلى ان العراق في منتصف ابريل الماضي امتنع عن تصدير النفط لمدة شهر تعاونا مع الفلسطينيين مما أدى إلى ارتفاع أسعاره حتى أن المواطن الأمريكي العادي شعر على الفور بالزيادة في أسعار وقود السيارات، ورغم انها زيادة طفيفة إلا ان البيت الأبيض حاول استغلالها للتدليل على ما اعتبره خطر النظام العراقي.وتبلغ صادرات النفط العراقية إلى السوق الأمريكية 40% تقريباً من إجمالي صادرات النفط العراقية تصل عن طريق عدد من المشترين للنفط العراقي، حيث تستورد أمريكا من العراق نحو مليون وربع مليون برميل يومياً، بما يعادل 12% من واردات النفط الخام الأمريكية،.. فماذا ستفعل أمريكا في حالة قطع البترول العراقي عنها إلا إذا كانت ستفعل في العراق ما فعلته في أفغانستان بوضع يديها على البترول العراقي!
وفيما يتعلق بالبترول فالعراق ثاني أكبر بلد في احتياطياته البترولية البالغة 50 ،112 مليار برميل بعد السعودية التي يبلغ احتياطيها 50 ،263مليار برميل وهو ما تسعى أمريكا إليه لمواصلة احكامها على البترول وللسيطرة على مقدرات العالم الصناعي: أوروبا واليابان والصين وجنوب آسيا. وبدأ الاستراتيجيون الأمريكيون وكأنهم يعيدون اكتشاف أهمية العراق من جديد كقاطرة لهيمنتهم على المنطقة فهي البلد البترولي الوحيد الذي يمتلك أنهاراً وإمكانيات زراعية ضخمة ومقومات حضارة متكاملة كما يمكن ان يكون ركيزة الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
وتسعى أمريكا إلى السيطرة على بترول العراق تمهيدا للسيطرة على بترول الشرق الأوسط كله حيث تؤكد تقارير منظمة الأوبك ان الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) وبالأخص دول الشرق الأوسط، تعتبر أغنى دول العالم في النفط، ففي عام 1985 بلغت احتياطات دول المنظمة 7 ،509مليار برميل وارتفعت في عام 1990 إلى 6 ،771 مليار وفي عام 1995 ارتفعت إلى 07 ،816 مليار وفي عام 1999 إلى 92 ،819مليار برميل أما الاحتياطات المذكورة في نفس العام فهي على التوالي 8 ،68،99،76 و33،79% مما يظهر ان منطقة الشرق الأوسط ليست الأغنى في العالم فحسب، بل ان ثروة المنطقة النفطية تظهر ازدياداً واضحاً...
وتسعى أمريكا لضرب العراق بزعم أحداث 11 سبتمبر والبترول وأسلحة الدمار الشامل ثم اسرائيل التي تسعى من خلال تحريضها على الحرب ضد العراق، إلى صرف الأنظار، على المستويين الدولي والإقليمي، عن الحرب المدمرة التي تشنها ضد الشعب الفلسطيني، بهدف تقويض الكيان الفلسطيني وصولاً لفرض إملاءاتها السياسية على الفلسطينيين وبالتالي فرض سلامها على العرب بشروطها هي. كما ان الحرب ضد العراق بالنسبة لاسرائيل لاتعني فقط المساس بالنظام فيه وتغييره، وإنما إضعافه خاصة وأنه يشكّل لها دائما، تهديدا تقليديا، بحكم قوته العلمية والتكنولوجية والاقتصادية وبنيته التحتية وامتداده الجغرافي وكتلته البشرية، وهي ترى في إضعاف العراق إضعافاً للوضع العربي لصالح تعزيز مكانتها فيه، من مختلف النواحي: السياسية والاقتصادية والأمنية.
وقد تسبب قطع العراق للبترول لمدة شهر في ابريل الماضي إلى زيادة أسعار البترول في أمريكا حتى ان مجلة (ايكونومست) أكدت ان كل مايشير إلى تراجع دور النفط في الاقتصاد العالمي، هو أبعد مايكون عن الحقيقة لأن التصاعد الأخير في أسعار النفط ليس مؤقتاً، وإنما قد يستمر لفترة أطول مما يتصور البعض ومن هنا يأتي التخوف من الآثار التضخمية لأسعار النفط على الاقتصاديات الغنية الغربية، والأثر الذي سوف يتركه ذلك في معدلات النمو لتلك الاقتصاديات.ويعكس ماتقوله ال (ايكونومست) تخوفات تتعلق بالوضع الاقتصادي في أوروبا خاصة معدلات التضخم والأسعار، ومعدلات البطالة والنمو، وهناك مقارنة مع الوضع الذي عليه الاقتصاد الأمريكي، فهذا الأخير تمتع خلال السنوات الثماني الماضية بمعدلات غير مسبوقة من النمو المتواصل مقرونة بانخفاض غير مسبوق أيضا في معدلات التضخم والبطالة، الأمر الذي ترتب عنه ازدهار اقتصادي كبير وتوفر فرص عمل باعداد كبيرة، أيضا ترافق مع ذلك وربما نتيجة له، ان تدفقت رؤوس الأموال من خارج الولايات المتحدة إلى أسواق المال الأمريكية في محاولة للاستفادة من الازدهار الاقتصادي هناك، وهذا بدوره أيضا زاد من دفع عجلة النمو إلى التسارع عما كانت عليه، وربما ان المعادلة السحرية للاقتصاد الأمريكي في العقد الأخير تتمثل في الظاهرة الفريدة التي تجمع بين الاتجاه التصاعدي للنمو الاقتصادي والزيادة المطردة لفرص العمل، واتجاه معدلات التضخم نحو الاستقرار في الوقت نفسه.
وتسعى إدارة بوش في تعاملها مع الملف العراقي، إلى إيجاد الأجواء الملائمة التي تسمح لشارون بتوجيه ضربة قاصمة لمليون فلسطيني من عرب 48 وترحيلهم إلى غزة والضفة، وهو ما لن يتم إلا في ظل محاربة العراق حيث يتحول التركيز الدولي إلى مايجري في العراق، وليس في فلسطين خاصة وان مركز جافيه للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب قد أصدر تقريراً ينبه فيه إلى أهمية استغلال المواجهة العراقية - الأمريكية كأفضل خطة للتخلص من أعداد كبيرة من العرب، وتصحيح الميزان الديموجرافي في مصلحة اليهود في اسرائيل وهو ما يصب في مصلحة سياسة شارون ومخططاته الهادفة إلى ان يأتي الحكم في بغداد بنظام متعاون يقبل بتوطين ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني.
وفي دراسة أعدتها باحثة يهودية تدعى دونا أبرزت بطلب من الإدارة الأمريكية اقترحت توطين اللاجئين الفلسطينيين في عدد من الدول بما فيها العراق ومصر والسعودية والكويت وسوريا ولبنان. واشتمل المشروع الذي أعدته الباحثة إلى مطالبة الأردن باستيعاب 168 ألف لاجئ في العام 2005. وكذلك مطالبة سوريا بتوطين 75 ألفاً، ومثلهم في لبنان إضافة إلى توزيع 519ألفاً في مصر والسعودية والكويت والعراق، فضلاً عن 446 ألفاً موجودين حالياً في الدول الأربع الأخيرة.
تقرير راند
ويؤكد تقرير راند (وهي مؤسسة تابعة للبنتاجون) ان السعودية عدو لأمريكا لأنها تمول بناء المساجد والجمعيات الخيرية الإسلامية في فلسطين وسائر البلاد الإسلامية ولاتزال متمسكة بالمذهب الوهابي الذي يتعارض مع أمريكا ومصالحها لانه يضع هوة سحيقة بين الإيمان والشرك ويعلم أتباعه عقيدة الولاء والبراء. ولأن أتباع هذا المذهب انتقلوا من الأمور التعبدية التي لاتخشى منها أمريكا في حد ذاتها إلى تخريج صفوف من المجاهدين المستعدين للبذل والتضحية دفاعا عن الإسلام والأمة الإسلامية وأراضيها المحتلة. وكذلك لأن الحركة السلفية في السعودية وخارجها أصبحت تضع في مقدمة اهتماماتها طرد الوجود الأجنبي في جزيرة العرب والصهيوني في فلسطين.
أمريكا تخشى الإسلام
وترى أمريكا ان الإسلام هو الخطر الرئيسي على مملكتها العالمية، ليس إسلام الشعائر ولكن إسلام الاستقلال والجهاد وربط العقائد بالأفعال وبناء حضارة مستقلة لأن ذلك يؤثر سلبا على حضارتها المنهارة لذلك فإن البلدان الإسلامية المستقلة الإرادة هي هدف العدوان الأمريكي منذ قرابة عقدين من الزمان وهي إيران والسودان وطالبان وماليزيا وسوريا والعراق وليبيا. ثم الحركات الإسلامية المجاهدة التي وضعت على لائحة الإرهاب - حتى قبل 11 سبتمبر - وعلى رأسها حماس والجهاد وحزب الله والأحزاب الكشميرية والأحزاب المجاهدة في البوسنة وكوسوفا ومقدونيا حيث تدخلت القوات الأمريكية والأوروبية للحيلولة دون قيامها بتأسيس دولة إسلامية في عقر أوروبا وكذلك الحركات المجاهدة في الفلبين الساعية لاستعادة الدولة الإسلامية على جزء من أراضي الفلبين التي كانت دولة إسلامية قبل مجيء الاستعمار الأمريكي إلى أراضيها 1898.
وفي منتصف شهر فبراير من العام الماضي، حدث عدوان أمريكي صاروخي على أهداف عراقية قرب بغداد، جربت فيه القوات الأمريكية 24 صاروخا موجهة بالليزر عن بعد يطلق عليها اسم (Joint Standoff Weapon)، ينفجر من كل صاروخ منها عدد آخر من الصواريخ، وكلفة الصاروخ الواحد منها كما أوردت التقارير العسكرية الأمريكية في حينها مايعادل 300 ألف دولار حيث سقط من هذه الصواريخ أكثر من نصفها آنذاك دون ان يصيب الهدف المحدد له بحسب المحللين العسكريين الأمريكان، الأمر الذي أثار جدلا في وزارة الدفاع الأمريكية حول أسباب فشل هذه الصواريخ في إصابة أهدافها، وإلى يومنا هذا ووسائل الإعلام الغربية والعربية المختلفة، تنشر تسريبات أمريكية، من وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكية، أو من المخابرات (سي.آي.أي) حول السيناريوهات العسكرية المحتملة لضرب العراق وكلها تؤكد ان العدوان قادم لا محالة.
واستعداداً للحرب ضد العراق تم إرسال معدات متطورة عسكرية، وأقمار صناعية عسكرية أمريكية - صهيونية جديدة إلى منطقة المثلث العراقي الإيراني التركي، كما يجري حاليا إرسال 20 ألف عسكري مع معداتهم إلى إحدى الدول المجاورة للعراق أو إلى شماله، إضافة إلى تواجد عدد من الخبراء العسكريين الأمريكان في تلك الدولة، تحت مسمى تقديم المساعدات الطبية، جاؤوا لإجراء مناورات مشتركة كما قيل في حينها، ثم خرجت بعد الانتهاء من تلك المناورات، ولكنها أبقت خبراء ومتخصصين في مجالات الرصد والتنصت مع معداتهم المتطورة، وقد تم اكتشاف ذلك بالصدفة من خلال حفر آبار للمياه في المنطقة الصحراوية التي يتمركزون بها، كما ان أجهزة التنصت والتجسس الصهيونية والأمريكية وعناصر من جهاز (الموساد) متواجدة منذ عدة سنوات في شمال العراق، وتحديداً في المناطق المحاذية لسورية وتركيا من جهة، ومن جهة ثانية مع إيران.. وقد كشفت بعض الوسائل الإعلامية الغربية منذ عدة أشهر، عن زيارات لوفود خبراء ومهندسين عسكريين أمريكان إلى منطقة الحكم الذاتي في شمال العراق، منهم عدد من الخبراء الصهاينة، أنهوا تجهيز ثلاثة مطارات عسكرية مهجورة في تلك المنطقة لاستقبال طائرات ولنقل المعدات العسكرية والجنود.
وفيما يتسبب الحصار المفروض على العراق منذ عشر سنوات في معاناة الشعب العراقي فإن الأمم المتحدة مازالت تقتطع الأموال العراقية المتحصلة من برنامج «النفط مقابل الغذاء» حسب قرارات مجلس الأمن التي تسمح باقتطاع ثلث عائدات النفط تقريباً كتعويضات حيث تسلم صندوق تعويضات حرب الخليج حتى الآن 5 ،7 مليارات دولار، صرف منها 7مليارات كتعويضات و175 مليون دولار مصاريف إدارية وتشغيلية والباقي يمثل فائضاً.
ويفيد الملحق الذي أدرج في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة ان مكتب برنامج العراق الذي يشرف إدارياً على تنفيذ برنامج «النفط مقابل الغذاء» حصل على 536 مليون دولار منذ انشائه قبل ثلاث سنوات تقريباً انفق منها 263 مليون دولار كمصاريف تشغيلية فيما فاض من ميزانيته 273 مليون دولار.
أما لجان التفتيش فتقتطع من عائدات النفط العراقية حوالي 8 ،0%، وقد حققت ميزانية اللجنة الجديدة «انموفيك» فائضاً بلغ 106 ملايين دولار حسب ما أكده رئيس اللجنة هانز بليكس ورغم توقف أعمال اللجنة السابقة أونسكوم منذ أواخر 1998، وعدم قيام اللجنة الجديدة انموفيك بأي عمليات تفتيش استمر اقتطاع مبلغ 8 ،0% من عائدات النفط العراقي لصالحهما مما سبب الوفر السابق.وبدأت بعض الدول تتساءل: لماذا يحق ل «انموفيك» الاستمرار في اقتطاع 8 ،0% من العوائد النفطية العراقية رغم أنها لاتقوم بأي مهام أصلاً. وأخذت هذه الأرقام تثير علامات استفهام كبيرة حول أعمال الأمم المتحدة واقطاعاتها من برنامج «النفط مقابل الغذاء» كما تساءلت دول أخرى عن أسباب تراكم فائض مالي يصل إلى 400 مليون دولار من العائدات النفطية العراقية فيما تبلغ حصة المواطن العراقي منها 250 دولار فقط سنوياً. وعلى أي أساس تقتطع هذه الأموال؟ وكيف ستتصرف الأمم المتحدة بفوائض الأموال؟
|