عندما طُلب مني أن أكتب عن والدي الشيخ محمد العبودي، احترت بماذا ابدأ فهو شخصية مميزة، فريدة، كأب او كعالم او اديب او رحالة، ثم فضلت ان اكتب عنه كأب، اما الجوانب الاخرى فتتحدث عنها اعماله.
والدي اب عطوف ومربٍ حازم، ونعم القدوة في الصدق والصراحة والوضوح والتنظيم، فهو منظم جداً يخطط لحياته ولا يترك اي امر للظروف، فكنا مثلا نعلم قبل بدء الاجازة متى سنسافر، في اي يوم وفي اي ساعة، ومتى نعود، والسفر معه بالسيارة متعة، فأحاديثه الشيقة، وقصص التراث تجعلنا نصل الى مبتغانا دون ان نشعر بعناء السفر، مع حصيلة جيدة من القصص التي تربطنا بماضينا وتشعرنا بنعمة حاضرنا.
كما ان والدي انسان متفائل، مستشعر لنعم الله عليه دائم الشكر له، فنشعر ونحن بصحبته ان كل شيء جميل، واننا نعيش في نعمة من الله، ويذكرنا بما يعانيه اخواننا المسلمون في انحاء العالم من حرمان، ويحثنا على عدم الاسراف.
اكتسبنا منه حب القراءة وتذوق الادب حتى وان كانت تخصصات بعضنا علمية، ولم يكن يفرض علينا دراسة تخصص بعينه بل كان يوجهنا برأيه ان سألناه. وغرس فينا الرغبة في التفوق والسعي لنيله، واذكر انه اذا رآني ساهرة للمذاكرة يبتسم لي مشجعاً ويقول «عند الصباح يحمد القوم السُرى». وكان يحثنا على كتابة مذكراتنا اليومية واذكر مرة اني تذمرت من تشابه ايام الإجازة فلا يوجد ما اكتب عنه، فقال اكتبي رأيك في آخر كتاب قرأتِه.
كما اكتسبت من والدي حفظه الله الوعي الغذائي، فكثيرا ما استعيد كلماته لوالدتي وانا اعد الطعام، حين يقول «قللي الملح»، ازيلي الشحم عن اللحم قبل طبخه، لا داعي للمخللات على السفرة، والسكر ضار بالصحة، والتمر افضل من الحلوى..
ومما لا يعرفه الناس عن والدي هواياته واهتماماته المتعددة، فالى جانب حب القراءة والاطلاع والتأليف والرحلات، فهو يهوى الصيد، بل هو صياد ماهر، ففي وادي العاقول في المدينة المنورة يمارس هوايته في موسم هجرة الطيور، وكنا نرافقه يوميا بعد العصر ونعود محمّلين بأنواع مختلفة من الطيور كالبط والغرانيق والقميري والخواضير وغيرها.
وعلى الرغم من ان والدي كثير الاسفار منذ ان كنا صغاراً، حيث وفقه الله الى اعمال تتطلب السفر لتفقد أحوال المسلمين، إلا أن له أثراً كبيراً في حياتنا، هو ورفيقة دربه والدتي حفظهما الله، فقد كانا نعم القدوة، ومهما عملنا من عمل او حققنا من نجاح، فاننا نحس بأن ما عملنا يتضاءل امام ما قاما به، فنسعى جادين نحو الافضل.
وفي ختام مقالي اقدم شكري وتقديري لثلوثية المشوح التي عودتنا على مثل هذه المبادرات الرائدة في تكريم الرواد ولجريدة الجزيرة على جهدها المشكور.
د. فاطمة بنت محمد العبودي |