سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
قرأت في جريدتكم الموقرة عدد رقم «10917» وتاريخ 10/6/1423هـ في صفحة محليات زاوية «جداول» التي يكتب فيها الأخ الكاتب حمد بن عبدالله القاضي، موضوعاً بعنوان «ظاهرة تفسير الأحلام وتلك المرأة التي يقبلها عرفات ويحتضنها».
وأنا لا أخالف بأن منهج تعبير الرؤى السائد في الوقت الراهن بحاجة الى وقفة علمية وسطية ليست كوقفة الأخ الكاتب.
فتعبير الرؤى وتأويلها علم شرعي له مكانته واعتباره، والمعبرون الشرعيون المؤهلون هم الآخرون لهم مكانتهم واعتبارهم، ولن استرسل في هذا الموضوع فليس لأجله كتبت، لكن لاحظت على مقال الأخ الكاتب حمد القاضي بعض الملحوظات العلمية، مع ما في ذلك المقال من اعتداد بالنفس ومدح للذات، فأحببت بيان ذلك والتنبيه له فالميدان رحب، والمجال واسع، فأقول وبالله التوفيق.
أولاً: اتسم المقال بالعجب والاعتداد بالنفس:
فقد صدَّر مقاله بمدح نفسه، وختمه بالثناء عليها، يقول في أول المقال «لعلني من أوائل من كتب عن مسألة تفسير الأحلام التي ازدادت كثيراً وكادت ان تصل الى ادعاء علم الغيب..» فياليته صدّر هذا المقال بالذي سيصل إليه؟ وما الذي يرومه من كونه من أوائل من كتب؟
كما أنه ختم المقال بقوله «لقد امتلأت بالارتياح من تلك الغيرة المباركة التي تمثلت في تلك الاصداء الكثيرة التي تلقيتها من عدد كبير من القراء إثر ما طرحته في جداولي الاثنين الماضي حول اعتراضي على ذلك الكاتب من بلاد الحرمين الذي كتب معلنا استياءه من اعتزال بعض الفنانات للفن، وتألمه من هدايتهن وتركهن أوحال الفن..» ثم قال «وشكر خاص لذلك المسؤول الكبير الذي جسّد غيرته بكلماته المعبرة، وأبدى ارتياحه من تناولي للموضوع بشكل موضوعي دون تعرض لشخص الكاتب..».
أقول: هل هذا هو موضوع المقال؟ وما المناسبة؟ أم هو العُجْبُ وحب الثناء على النفس ومدحها؟ وهل سيستمر على هذا المنوال يكتب في «جداول» فإذا جاء «جداول» الآخر اثنى على «جداول» السابق، وذلك بذكر الأصداء الكثيرة التي تلقاها وما قاله المسؤول الكبير ونحو ذلك.
وهذا ذكرني بالإعلانات التجارية والشخصية التي تقحم إقحاماً في ثنايا الأخبار مع وجود الفارق وهو ان تلك بمقابل وهذا بالمجان.
ثانياً: أسلوب التعميم، وذلك من خلال:
1 يقول الكاتب «لعلني من أوائل من كتب عن مسألة تفسير الأحلام التي ازدادت كثيراً أو كادت أن تصل إلى ادعاء علم الغيب بل وصلت إلى ذلك، واسمعوا وشاهدوا واقرأوا تفسيرات المفسرين للأحلام أو بالأحرى لأضغاث الأحلام هذه الأيام».
أقول: فهل كل هذه الرؤى التي تقع من الناس والتي عبّر عنها، هل كلها أضغاث أحلام؟ علماً أنه كرر ذلك، فلم التعميم؟ ولم الجزم؟ علماً أن التعميم أسلوب خاطئ، ولما ذكر الله جل وعلا أهل الكتاب قال: «منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون» وقال: «ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً».
2 ومن صور التعميم، قوله «والذي يعطي لهذه الظاهرة أبعادها الخطرة هو أن الذين يقومون بمسألة التفسير من أولئك الذين عليهم سيماء الدين.. بل ينطلقون في تفسيرهم لهذه الأحلام وعلم الغيب من منطلق الدين الحنيف، ومن هنا كثر المقبلون عليهم والمقبلات على أساس مصداقية تفسيرهم ».
وأسأل الكاتب عدة أسئلة:
* هل كل من في الساحة لا يجيدون التفسير في نظر القاضي؟
* هل كل تلك التعابير ليست لها مصداقية؟
* ما الذي يقصده ب«سيماء الدين»؟
3 ومن صور التعميم قوله: «وأصبحت ظاهرة تفسير الأحلام تثير البلبلة والقلق في قلوب بعض الناس، وبعض النساء خاصة، فهذا يتم تفسير حلمه بأنه سوف يفصل من عمله، وهذا سوف يصاب بمرض، وهذه سوف تطلّق، وتلك سوف يموت ولدها».
أقول: هل كل التعابير التي تصدر من المعبرين هي على هذا النمط؟ فإن كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لاتدري فالمصيبة أعظم، وإن قلت: هذا على سبيل التمثيل لا الحصر.
أقول: مثل لكل نوع، التأويل بالخير، والتأويل بالشر، لنُسَلّم لك بذلك.
ثالثاً: التناقض: وذلك فيما يلي:
1 يقول الكاتب «وشكر خاص لذلك المسؤول الكبير الذي جسد غيرته بكلماته المعبرة، وأبدى ارتياحه من تناولي للموضوع بشكل موضوعي دون تعرض لشخص الكاتب..»
أقول: هذا الثناء من المسؤول دافعه كما قال الكاتب أمران:
1 انه تناول الموضوع بشكل موضوعي.
2 انه لم يتعرض لشخص الكاتب، وذلك في زاوية «جداول» السابقة.
أقول: لعل هذا المسؤول الكبير سيغضب عليه، لأنه في جداوله هذه، تخلف هذان الأمران، فلم يتناول هذا الأمر بموضوعية، ولم يوفر لحم المعبر، حيث قال: «فهذه امرأة تطلب تعبير رؤيا رأتها تم نشرها في مجلة سعودية معروفة، والمجيب عليها شخص معروف، ولا أقول «شيخ» بتفسير الأحلام..».
أقول: لِم التعدي على الأشخاص؟ ولم التحقير والتقليل من شأنهم؟ ومن تقدَّم إليك يسألك هل هو شيخ تفسير أم لا؟ وهل أنت تملك الحكم في هذه الأشياء؟ ففاقد الشيء لا يعطيه، ورب كلمة قالت لصاحبها دعني.
2 انه انتقد المعبرين بأنهم يعبرون رؤى الناس بالشر وذلك من خلال قوله: «وأصبحت «ظاهرة تفسير الأحلام» تثير البلبلة والقلق في قلوب بعض الناس، وبعض النساء خاصة، فهذا يتم تفسير حلمه بأنه سوف يفصل من عمله، وهذا سوف يصاب بمرض، وهذه سوف تطلق، وتلك سوف يموت ولدها» فهذا مع مخالفته للواقع المشاهد والمقروء والمسموع، فهو يناقض نقده للرؤيا التي مثل بها والتي أوّلت بالخير، من أن المرأة سيعانقها الخير، إلى اخر التعبير.
3 أنه جزم في بداية المقال من أن جميع الأحلام هي: «أضغاث أحلام» وكررّ ذلك، ثم قال في وسط المقال «لابد من إرشاد الناس إلى أنه ليس كل حلم يستحق التفسير..» فهذا مع انه تناقض إلا أن فيه استدراكا لم يشعر به الكاتب حيث يُفهم من كلامه «وهو مفهوم المخالفة» ان هناك ما يستحق التفسير، فأعان الله القراء الذين لم يعرفوا له قاعدة.
رابعاً: عدم الأمانة والدقة في النقل: وذلك من خلال:
1 جاء في عنوان المقال ما نصه: «ظاهرة تفسير الأحلام وتلك المرأة التي يقبلها عرفات ويحتضنها».
فقوله: «يقبلها» من أين جاء بهذه اللفظة؟ فهي لم ترد بالرؤيا التي ذكرها لا ألومه، فأرتال القبلات التي يرسلها الرئيس الفلسطيني قد انعقد غمامها بفكره، ولاح طيفها بذهنه، فصار الجو أمامه مليئاً بزخات القبلات، ولذا قال أهل العلم «من غلب عليه البلغم رأى في منامه أنه يسبح بالماء».
2 جاء في العنوان المذكور قوله «ويحتضنها» وهي الأخرى من أين جاء بها؟ والوارد في الرؤيا هو الضم والمعانقة، وفرق بين هذين وبين الاحتضان.
خامساً: عدم الإنصاف:
فالمعبر الذي تعرّض له الكاتب بقوله «والمجيب عليها رجل معروف» فمعروف عند الكاتب بماذا؟ هل معروف بشخصه؟ أم بتعابيره؟ وعلى كل حال وإن كان المعنى والمراد في بطن الكاتب.
فإن المعبر الذي تعرض له الكاتب يعبر منذ مدة طويلة، وتنشر تعابيره من مدة ليست بالقصيرة، فإن كان الكاتب يعرف هذا فقد هضمه حقه، وهنيئاً للكاتب بهذا الملحظ الوحيد من تعبيرات كثيرة، وتأويلات عدة، مع عدم التسليم له بأن ملحظه صحيح، وأما إن كان يجهله، فإن هذا لا ينقص من قدر المعبر، وما ضر الشمس إذا لم يرها الأعمى؟ وبالتالي فليس من حق الكاتب ان يحكم على شيء وبضاعته فيه عدم العلم، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره. ثم إن حكمه الذي قال فيه: «إنه شخص معروف ولا أقول شيخ تفسير» فهل من صميم مهنته، أو من مؤهلات قدرته الحكم في هذه الأشياء، بل يحق لنا الآن ان نطبق عليه منهجه، ونجري عليه حكمه ونقول: إنه ليس أهلاً لأن يتكلم بعلم شرعي ومن ذلك علم الرؤيا لأن ذلك ليس تخصصه، فلماذا يوجه ولا يطبق.
سادساً: الفضول والتعالم: وذلك فيما يلي:
1 يقول الكاتب «ولقد جاء توضيح وبيان سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ في وقته وفقه الله وجاء قوياً وموفقاً بعد استشعاره لخطورة هذا الأمر وقد حذر فيه سماحته معبري الأحلام الخوض في تفسير الأحلام دون علم لأن تعبير الرؤيا من الفتوى، كما بين ان تعبير الرؤى ليس من العلم الذي يحسن نشره بين المسلمين، وبين ان انتشار هذه الظاهرة فيها شر عظيم وتلاعب بهذا العلم..»
أقول: إذا كان سماحة المفتي وفقه الله قد كفاك الأمر وهو أهل لذلك، وهو المتخصص وممن يؤخذ قوله، فما فائدة فضولك ودخولك في الأمر؟ وليتك اقتصرت على الفضول، بل إنك أول من خاض في هذا الأمر بلا علم بعد مقالك، بل أول من تلاعب به بعد تحذيرك، وهذا يتضح من نقدك للرؤيا التي مثلت بها، فالتعبير من الفتوى، كما ذكر المفتي وهو الحق، فهل مثلك جدير بأن ينقد الفتيا؟ فها أنت تضع علم التعبير في حصن حصين، وقرار مكين، من أن تمسه الأيدي العابثة، أو تلوكه الألسن الكاذبة، ويا ليتك صمدت على هذه المثالية، بل نقضتها أسرع ما يكون، لا أقول: بعد شهر، أو بعد أسبوع، أو في «جداول» لاحق، بل في نفس «جداول» الحالي، وبعد أسطر قليلة، وكلمات يسيرة من كلام المفتي وتحذيره.
فيا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم لاتنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم |
ومن نماذج هذا الفضول والتعالم ما يلي:
1 يقول الكاتب: «فهذه امرأة تطلب تعبير رؤيا رأتها تم نشرها في مجلة سعودية معروفة، والمجيب عليها شخص معروف ولا أقول «شيخ» بتفسير الأحلام...» ثم يقول الكاتب: «أرأيتم إلى ماذا وصل إليه أمر تفسير الأحلام، الذي لايزال يحيرني منذ قراءة هذا التفسير، كيف قرن المفسر الحظ السعيد بالرئيس عرفات صاحب الحظ السيء المعتقل منذ أشهر، لايرى فرحاً ولا يعانق سروراً».
أقول: فمع ركاكة هذا الأسلوب وقد تكرر والذي من صوره قوله «أرأيتم إلى ماذا وصل إليه أمر تفسير الأحلام «وكان الواجب ان يقول أرأيتم الى ما وصل إليه أمر تفسير الأحلام» ف«ذا» تأتي للإشارة وتأتي موصولة، فالإشارة لا تصلح هنا، فلم يبق إلا الموصولة، وهي الأخرى لا تصلح هنا، لأنه ما تحقق أيّ من شروطها المعروفة.
وثمة أمر: وهل ينطلي على مثل هذا الكاتب مسلسل الحصار الذي عايشه الرئيس الفلسطيني.
وأرجع الى الفضول والتعالم، فأقول: يحق لمثله ان يحتار فالذي لا يدرك الشيء ولا يفهمه وبضاعته فيه مزجاة لا مناص من حيرته، وهذا السبب الذي جعله يربط بين الرؤيا وبين ياسر عرفات الحقيقي، وتوجيه التعبير الذي نقده هذا الكاتب كما يلي:
* قال القرطبي رحمه الله في المفهم شرح صحيح مسلم «وقوله ورأيت فيها أيضاً بقراً، والله خير الضمير في «فيها» عائد على الرؤيا المذكورة» الى ان قال «سُمَّيَ ذلك خيراً على جهة التفاؤل» ا.ه. هذا في لفظة الحظ، أما المعانقة فلا إشكال في ذلك فقد وردت في الرؤيا.
2 ان قول المعبر: «هناك أمر يهمك كثيراً وهو متعسر وسيتيسر بإذن الله تعالى في يوم عرفه في شهر ذي الحجة القادم والله أعلم، فأنصحك بنية الحج لهذا العام وإن لم تستطيعي فصومي يوم عرفة، فإن لم تقدري لعذر فسيكتب لك الأجر إن شاء الله تعالى» فهنا المعبر استند في تعبيره لاسم الرجل المرئي وهو «ياسر عرفات» ولا يلزم وجود الشخص بعينه في الرؤيا ان ذلك دلالة عليه، خاصة إذا كان رجلاً بعيداً لا يمت للرائي بصلة، فاسمه الأول جاء رمزاً لليسر والتيسير واسم ابيه استنبط منه المعبر ذلك المشعر العظيم «عرفات» الذي يقف فيه الحجاج في يوم عرفة، فحث الرائية للحج وإن لم تحج ان تصوم ذلك اليوم إلى آخر التعبير.. وهذا المنحى الذي نحى اليه المعبر وهو استنباط التعبير من الاسماء، واستغربه الكاتب، هو قسم عظيم من اقسام تأويل الرؤيا، قال الإمام البغوي رحمه الله في شرح السنة «واعلم أن تأويل الرؤيا ينقسم اقساما، فقد يكون بدلالة من جهة الكاتب، أو من جهة السنة، أو من الأمثال السائرة بين الناس، وقد يقع التأويل على الأسماء والمعاني» وقال رحمه الله في موضع آخر من شرح السنة «والتأويل بالاسامي كمن رأى رجلاً يسمى راشداً يعبر بالرشد، وإن كان يسمى سالماً يعبر بالسلامة» أ.ه. ثم ذكر رحمه الله الحديث الذي رواه مسلم رحمه الله في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع فأتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة وأن ديننا قد طاب»
اقول: استنبط النبي صلى الله عليه وسلم من اسم عقبة العاقبة في الآخرة، ومن اسم ابيه رافع الرفعة في الدنيا، ومن صاحب الرطب وهو: ابن طاب ان الدين قد طاب.
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: «وروى أبو بكر بن أبي شيبة بسند صحيح عن مسروق: أن صهيباً رضي الله عنه مر بأبي بكر الصديق، فأعرض عنه، فسأله، فقال: رأيت يدك مغلولة على باب أبي الحشر، رجل من الأنصار، فقال أبو بكر: جمع لي ديني الى يوم الحشر»أ.ه.
فاستنبط أبو بكر الصديق رضي الله عنه من كون يده مغلولة على باب الحشر، بأن دينه جمع له إلى يوم الحشر.
وقال ابن مفلح رحمه الله في الآداب الشرعية: «قال حنبل: سمعت أبا عبدالله وهو الإمام أحمد رحمه الله يقول: رأيت علي بن عاصم في المنام قبل أن يؤذن لي بالانحدار يعني من العسكر أيام المتوكل بليلتين، فسألته عن شيء نسيته، فقال أبو عبدالله، فأولته عليُّ علوٌّ، وعاصمٌ عِصمةُ الله، فالحمد لله على ذلك» ا .ه. وبهذا يتضح أن أمور التعبير لا تخضع للعقل الإنساني المجرد من المعرفة بهذا العلم الشرعي.
ومماتجدر الإشارة إليه ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا طويلة، كما في صحيح البخاري وغيره، ومن ضمن هذه الرؤيا: «أنه رأى بقراً تنحر» ويا ترى بماذا فسّر النبي صلى الله عليه وسلم هذه البقر؟ والجواب: فسّرها صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه بقوله «ورأيت فيها أيضا بقراً والله خير فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحدٍ..» وهؤلاء النفر هم الصحابة رضي الله عنهم الذين قتلوا في غزوة أحد، قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم «فنحر البقر هو قتل الصحابة رضي الله عنهم الذين قتلوا بأحد»ا.ه. وقد تحدث أهل العلم عن هذا التعبير ووجهوه وإليك بعض أقوالهم:
1 قال القرطبي رحمه الله في المفهم «وأخذ ذلك من أن الرجال المقاتلة في الحرب يشبهون لما معها من اسلحتها التي هي قرونها، ولمدافعتها بها، ومناطحتها بعضاً لبعض بها، وقد كانت العرب تستعمل القرون في الرماح عند عدم الأسنة» ا.ه.
2 ان ذلك من البقر وهو شق البطن، حيث بقرت بعض بطون الصحابة في تلك الغزوة، قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري «وقد وقع في حديث ابن عباس ومرسل عروة «تأولت البقر التي رأيت بقراً يكون فينا، قال: فكان ذلك من أصيب من المسلمين، وقوله: بقر: هو بسكون القاف وهو شق البطن وهذا أحد وجوه التعبير ان يشتق من الاسم معنى مناسب» ا.ه. وقال ايضا رحمه الله «وفي رواية لأحمد حدثنا جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال «ورأيت اني في درع حصينة فأولتها المدينة ورأيت بقراً تذبح فبقر والله خير فبقر والله خير» وهذه اللفظة الأخيرة وهي بقر بفتح الوحدة وسكون القاف مصدر بقره يبقره بقراً»ا.ه.
3 وذكر ابن حجر رحمه الله في فتح الباري معنى ثالثاً قال: «ويمكن ان يكون ذلك لوجه آخر من وجوه التأويل، وهو التصحيف فإن لفظ بقر مثل نفر بالنون والفاء خطأ، وعند أحمد والنسائي وابن سعد من حديث جابر بسند صحيح في هذا الحديث «ورأيت بقراً منحرة وقال فيه فأولت ان الدرع المدينة والبقر نفر» هكذا فيه بنون وفاء». والذي أريد أن أصل إليه من هذا البسط، أن هذا التفسير أي تفسير البقر بالصحابة لو صدر من غير المصطفى صلى الله عليه وسلم لشنع عليه أمثال القاضي ولتحيروا منه، ولتملكتهم الدهشة من هذا التفسير، الذي لم يعرفوا له مبرراً وقالوا: جعل الصحابة رضي الله عنهم بقراً، ونماذج تلك التأويلات التي يعسر على أمثال أولئك فهمها كثير وكثير، وهي مبسوطة في كتب السنة وشروحها، يعرف ذلك من يعتني بهذا العلم، ويلم به، وعلى هذا لو سرنا على منهج الكاتب «القاضي» لضاع علم كبير، ولانتقِد أناس كثير وعلى هذا فأقول:
1 يجب علينا ألا نركب أمراً نجهله، ولا ننقد شيئاً لا نفهمه «والناس أعداء ما جهلوا».
2 لابد من احترام التخصص، «فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم.
3 أن ننبذ التعالم، وألا نتشبع بما لم نعط، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زورٍ».
4 إذا أمرنا بشيء وأكدنا على أمر، فلنكن أول المتمثلين والمطبقين له، يقول الحق جل وعلا «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون».
5 ألا نحاول إيهام الناس أننا ناقدون بارزون، مع أن الفضيحة كل الفضيحة في ثنايا المقال، والتناقض كل التناقض بين سطوره. وأخيراً أقول للأخ الكاتب حمد بن عبدالله القاضي: لا يغرنك ان فتح لك في الصحافة المجال، لتنشر فيها كل مقال: فانظر لنفسك ولا تقلب جداول الى جدال، فالبقاء للنافع والزوال لغيره. ولتعلم ان الناقد بصير، وان التقاط الأخطاء يسير، فكلنا بشر، والدهر قُلَّبٌ والزمان غير.
د. حمزة بن سليمان بن راشد الطيار عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض |