* كتب - إبراهيم بكري:
كان موقف الملك عبدالعزيز رحمه الله في علاقاته مع الدول الإسلامية يقوم على أساس من الود الصادق والتعاون الأخوي المثمر، والوقوف معاً صفاً واحداً ضد أي عدو يتعرض لها، أو خطر يهددها، ومساعدة الدول العربية التي لم تتحرر من قيد الاستعمار ولم تنل استقلالها بعد، وتعزيز استقلال الدول التي نالت استقلالها وتنمية النهضة القومية في البلاد المستقلة.
ومفتاح موقف الملك عبدالعزيز هذا يأتي من اعتقاده ان بلاد العرب والمسلمين يجب ان تكون حرة مستقلة، ومزدهرة لخير أبنائها، وان تعاليم الدين الإسلامي تفرض على كل مسلم قادر ان يجاهد في سبيل استقلال بلاد العرب والمسلمين، فإن لم يستطع ان يسهم في هذا الجهاد لأسباب تخرج عن ارادته بسيفه ويده، فلا أقل من ان يجاهد بماله ونفوذه ولسانه.
أما ركيزته في ذلك تبنيه رحمه الله نظرية واضحة في العلاقات الدولية، هذه النظرية ترتبط في مجاليها الفكري والتطبيقي بأصول المنهج الإسلامي العظيم، إذ كان يرى ان كرامة العرب في اتحادهم، وعزة المسلمين في تضامنهم، وفي ذلك يقول الملك عبدالعزيز: «أنا عربي، وأحب عز قومي والتآلف بينهم، وتوحيد كلمتهم، وأبذل في ذلك مجهوداتي، ولا أتأخر عن القيام بكل ما فيه المصلحة للعرب وما يوحد شتاتهم ويجمع كلمتهم».
وقوله أيضاً: «إن الفرقة أول التدهور والانخذال، بل هي العدو الأكبر للنفوس والاتحاد والتضامن أساس كل شيء، فيجب على المسلمين ان يحذروا التفرقة، وان يصلحوا ذات بينهم ويبذلوا النصيحة».
ومن هنا كان أثر الملك عبدالعزيز المطرد في العالم الاسلامي، حيث تأثرت دعوات الإصلاح الاسلامية بتجربة الملك عبدالعزيز.. ورأت في شخصيته الإسلامية قدوة في التفكير والسلوك والعمل، رأت فيه داعية للتوحيد، ومقيماً للشريعة، وبانياً للوحدة، وهذا ما يتطلع إليه الدعاة المفكرون الصادقون المستنيرون في العالم الإسلامي.
وغرس الملك عبدالعزيز نهجه هذا في أبنائه للسير على منهاجه في الإدارة والإصلاح وسياسة الداخل والخارج.. ويتجلى هذا بوضوح في برقيته «رقم 275 تاريخ 18 محرم 1352هـ» إلى ولي العهد، والتي تُعد وصية منه لأبنائه من بعده، فجاء فيها ما نصه الحرفي: «تفهم اننا نحن والناس جميعاً، ما نعز أحداً ولا نذل أحداً، وإنما المعز والمذل هو الله سبحانه وتعالى، ومن التجأ إليه نجا، ومن اعتز بغيره «عياذ بالله» وقع وهلك، موقفك اليوم غير موقفك بالأمس، ينبغي ان تعقد نيتك على ثلاثة أمور: أولاً: نية صالحة، وعزم على ان تكون حياتك وان يكون دينك اعلاء لكلمة التوحيد، ونصرة دين الله، وينبغي ان تتخذ لنفسك أوقاتاً خاصة لعبادة الله والتضرع بين يديه، في أوقات فراغك، تعبَّد إلى الله في الرخاء، تجده في الشدة، وعليك بالحرص على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وان يكون ذلك كله على برهان وبصيرة في الأمر، وصدق في العزيمة، ولا يصلح مع الله سبحانه وتعالى إلا الصدق، والعمل الخفي الذي بين المرء وربه.
ثانياً: عليك ان تجد وتجتهد في النظر في شؤون الذين سيوليك الله أمرهم بالنصح، سراً وعلانية، والعدل في المحب والمبغض، وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل، والقيام بخدمتها باطناً وظاهراً، وينبغي ان لا تأخذك لومة لائم.
ثالثاً: عليك ان تنظر في أمر المسلمين عامة، وفي أمر أسرتك خاصة اجعل كبيرهم والداً، ومتوسطهم أخاً، وصغيرهم ولداً، وهن نفسك لرضاهم، وامح زلتهم، واقل عثرتهم، وانصح لهم، واقض لوازمهم بقدر إمكانك، فإذا فهمت وصيتي هذه، ولازمت الصدق والاخلاص في العمل، فابشر بالخير.
وأوصيك بعلماء المسلمين خيراً، واحرص على توقيرهم ومجالستهم وأخذ نصيحتهم واحرص على تعليم العلم، لأن الناس ليسوا بشيء إلا بالله ثم بالعلم ومعرفة العقيدة، احفظ الله يحفظك.
جهوده في نشر الدعوة عالمياً
ظلت الدعوة الإسلامية من أولويات الأمور التي تشغل تفكير الملك عبدالعزيز منذ توليه الحكم، فبعد ان وطد دعائمها وركائزها في كل أرجاء المملكة العربية السعودية أخذ في نشرها عالمياً بكل ما لديه من وسائل.
من هذا المنطلق سعى الملك عبدالعزيز إلى الدعوة إلى عقيدة السلف عالمياً عن طريق استغلال مواسم الحج في الدعوة وايصال العقيدة النقية إلى البلدان المختلفة، وقد نشط الملك عبدالعزيز في مجال تصحيح العقيدة عالمياً باجتهاده في اخراج المؤلفات القيمة التي تهتم بنشر العقيدة السلفية وتطهير العقيدة من أدران الشرك لا سيما كتب الشيخ ابن تيمية وابن قيم الجوزية وكتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
وسياسته رحمه الله في طبع الكتب والمخطوطات وتوزيعها مجاناً أخذه بما يشير عليه العلماء، وكانت الكتب التي أسهم في طباعتها تضم كتب الدعوة المعتمدة، والتفاسير المعتبرة، وكتباً في الحديث، والفقه الإسلامي في موسوعاته الكبرى، وكتباً تاريخية عظيمة الفائدة، وكتباً في الأدب ودواوين بعض الشعراء.
ولم تقتصر جهوده في النشر على الكتب العربية وحدها، بل ان هناك كتباً نشرها باللغة الجاوية والهندية لتعميم نشر الدعوة في الأقطار الإسلامية.
واتخذت جهود الملك عبدالعزيز في مجال الكتب ثلاثة مسارات وهي تمويل طباعة الكتب، تدعيم ناشري الكتب مادياً قبل الطبع وبعده، وشراء كميات من الكتب بقصد التوزيع والتشجيع.
وقد حصرت وزارة المعارف في دليل المؤلفات السعودية الكتب التي طبعت على نفقة الملك عبدالعزيز باثنين وسبعين كتاباً، وحرصاً منه رحمه الله على طباعة الكتب لتكون في متناول الدعاة وطلاب العلم في مختلف البلاد الإسلامية اتجه الملك عبدالعزيز للطباعة فيها.
أ الطباعة في الهند:
إن عناية الملك عبدالعزيز رحمه الله بنشر الكتب المتعلقة بايضاح الدعوة السلفية والرد على معارضيها بدأ في عهد مبكر من حكمه، حين كانت صلة نجد بالهند أقوى من صلتها بغيرها من البلاد التي توجد بها مطابع، ولذلك كانت أولى مطبوعاته تطبع في الهند، حيث طبع كتاب «روضة الأفكار والافهام لمرتاد حال الإمام» المعروف بتاريخ ابن غنام طبع في بومباي سنة 1332ه، كذلك ديوان الشيخ سليمان بن سحمان المسمى «الجواهر المنضدة الحسان» ومجموعة كتب من تأليف سليمان بن سحمان في الرد على أناس عارضوا الدعوة.
وهكذا نرى ان الملك عبدالعزيز بدأ بطباعة الكتب في الهند قبل اتجاهه إلى الطباعة في مصر.
ب الطباعة في مصر:
في سنة 1340هـ بدأ الملك عبدالعزيز بطبع الكتب في القاهرة على نفقته في مطبعة المنار، واستمر ذلك مدة طويلة، تم خلالها طبع مجموعة من أشهر المؤلفات، كتفسير ابن جرير، وتفسير البغوي، وكتاب المغني في الفقه، والشرح الكبير، وكتب أخرى في الحديث والتوحيد والفتاوى والآداب الشرعية وكذلك كتاب «البداية والنهاية» لابن كثير في التاريخ.
وعندما توفي الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله سنة 1354ه الموافق 1935م كانت «مطبعة المنار» قد طبعت العديد من الكتب على نفقة الملك عبدالعزيز، ثم انتقلت الطباعة إلى مطبعة «أنصار السنة» حيث قام الشيخ محمد حامد الفقي تلميذ الشيخ رضا بطبع العديد من الكتب السلفية على نفقة الملك عبدالعزيز، وكذلك قامت «المطبعة السلفية» بطبع العديد من الكتب بإشراف الشيخ محب الدين الخطيب.
ويقول الشيخ رشيد رضا في مقدمة كتاب المغني لابن قدامة المقدسي - مطبعة المنار:
«إذا يسر الله تعالى لكتاب المغني من يطبعه، فأنا أموت آمناً على الفقه الإسلامي ان لا يموت، ثم مازلت أفكر في السعي لطبعه إلى ان هداني الله تعالى إلى تبليغ أمنيتي هذه إلى السلطان عبدالعزيز إمام نجد وملحقاتها، فبلغت عنه أولاً انه أيد الله تعالى به العلم والدين، وأعز بسيفه الإسلام والمسلمين، عازم على طبع هذا الكتاب، مع كتب أخرى لإحياء العلم وتوسيع نطاقه في بلاده، ثم خاطبني هو آخراً في طبعه، مع كتاب الشرح الكبير، وطبع تفسيري ابن جرير وابن كثير، وكتب أخرى من كتب السنة، والفقه»، وكان طبع كتاب المغني قد تزامن مع طبع مجموعة أخرى من الكتب، كمجموعة الحديث، وتفسير ابن كثير.
ج الطباعة في الشام:
امتدت عناية الملك عبدالعزيز بطبع الكتب إلى الشام، حيث قام بطبع بعض الكتب لدى مطبعة الترقي بدمشق، منها كتاب «روضة المحبين، ونزهة المشتاقين» للإمام ابن قيم الجوزية، وكتب على غلافه «من مطبوعات صاحب الجلالة السعودية ملك نجد، والحجاز» سنة 1349هـ بتصحيح أحمد عبيد، وكتاب (مختصر طبقات الحنابلة) للنابلسي، في جزء واحد بمطبعة الاعتدال ومطبعة الترقي بدمشق سنة 1350هـ.
هكذا حرص الملك عبدالعزيز على نشر ما ينفع المسلمين في سائر الأمصار، ومما كان له الأثر الكبير في نشر الدعوة الإسلامية الصحيحة في مختلف البلدان حيث تضمنت الكتب والمطبوعات والمخطوطات التي طبعت على نفقته ما يؤكد الدعوة الإسلامية النقية وما يرد على المشككين فيها، ولا شك ان في هذا عظيم الفائدة وأبلغ الأثر لتعميم الدعوة السلفية ونشر العقيدة الصحيحة والإسلام الصحيح بين المسلمين، وهذا التراث الإسلامي العظيم الذي كان من نتاج الملك عبدالعزيز كان أعظم خدمة للدعوة الإسلامية ونشر الثقافة والوعي الإسلاميين عالمياً.
الملك عبدالعزيز واستقلال سوريا ولبنان
اهتم الملك عبدالعزيز بالقضية السورية وبالمصير السوري، ورأى في استقلال سوريا وسيادتها واجباً قومياً ودينياً، وعليه كملك عربي مسلم ان يعمل على تحرير سوريا العربية المسلمة من الانتداب الفرنسي، وان يعينها على نيل سلامتها وسيادتها.
وبدأت صلة الملك عبدالعزيز رحمه الله بالقضية السورية منذ ان كان سلطاناً على نجد، ومن قبل ان ينجز توحيد وبناء المملكة العربية السعودية.. إذ ان الملك عبدالعزيز كان من طليعة الحكام العرب الذين اتصل بهم قادة الحركة الوطنية في سوريا، ولما لمسوا استعداده للعون وإيمانه الصادق بحق سوريا في التحرر والاستقلال، وطدوا علاقاتهم معه.
وكان أول دعم مادي قدمه الملك عبدالعزيز إلى القضية السورية اسهامه بتزويد الثورة السورية الوطنية عام 1344هـ «1925م» بكل ما استطاع من مال وسلاح.. رغم ان موارد بلاده إذ ذاك كانت أقل من القليل، حيث نظر الملك عبدالعزيز إلى الثورة الوطنية السورية وكأنها جزء من حركته العربية الإسلامية التحريرية.. وهذا ما جعل الحركة الوطنية السورية على صلات طيبة بالملك عبدالعزيز في كل أطوار النضال السوري، كما انه كان دائماً يرعى رجال الحركة السورية رعايته للنضال السوري، وقد بلغت هذه الرعاية الذروة عندما قامت الحرب العالمية الثانية.
وعندما أخذت احداث الحرب تتطور لصالح الحلفاء، فراح يلقي بوزنه كله لدى الحكومتين الأمريكية والبريطانية لتقرا استقلال سوريا وسيادتها التامين، مستفيداً في ذلك من استسلام فرنسا لألمانيا، فأعلن في كل مكان وبقوة، ان الوسيلة الوحيدة الفعالة لجعل الجماهير العربية تتجاوب مع الحلفاء وتقلع عن التعلق العاطفي بأعدائهم مرهونة بتعهد الحلفاء للبلاد العربية بالاستقلال والحرية، وان يباشر حالاً بتحقيق استقلال سوريا ولبنان، لكي تكون لعهود الدولة الحليفة قيمة عملية موثوقة لدى الجماهير العربية في كل مكان.
وكانت لنصائح الملك عبدالعزيز هذه الأسباب التي جعلت حكومة فرنسا الحرة تعلن استقلال سوريا ولبنان بضمانة الحكومة البريطانية، ومن الأسباب التي مكنت الحركة الوطنية السورية من رفع شكري القوتلي إلى مصاف الزعيم الأول في سوريا وانتخابه رئيساً للجمهورية ليقود خطوات سوريا في سبيل الاستقلال والسيادة والتأمين، دون ان تكون هناك حاجة لمعاهدة انتقالية مع أية دولة أجنبية.
ولما اشتد الاحتكاك بين الحكم الوطني الذي كان يتزعمه الرئيس القوتلي وبين القوات الفرنسية لابقاء نوع من السيطرة الفرنسية على سوريا ولبنان، قصفت القوات الفرنسية عام 1356ه «1945م» مجلس النواب السوري وأحياء العاصمة دمشق، وراحت تطارد زعماء سوريا الوطنيين، فضغط الملك عبدالعزيز على الحكومتين الأمريكية والبريطانية لوقف العدوان الفرنسي، وأبرق إلى ابنه الأمير فيصل بوصفه رئيساً للوفد السعودي في مؤتمر سان فرانسيسكو «ليبذل جميع الوسائل من أجل نصرة سوريا ولبنان والتمكين لاستقلالهما وسيادتهما».
فتدخلت القوات البريطانية وأوقفت العدوان الفرنسي على سوريا، وجمعت القوات الفرنسية في ثكنات بعيدة عن دمشق ومنعتها من القيام بأي عمل عسكري ضد سوريا.
ولم تتوقف جهود الملك عبدالعزيز بل أمر ابنه الأمير فيصل بالتعاون مع رئيس الوفد السوري في مؤتمر سان فرانسيسكو فارس الخوري لوضع مادة صريحة في ميثاق الأمم المتحدة تحقق اعتراف هذه المنظمة وأعضائها باستقلال كل دولة اشتركت بتأسيسها ونالت عضويتها وتمنع اخضاعها للوصاية، وقد استفادت كل من سوريا ولبنان من بعد ذلك من هذه المادة فائدة كبرى، عندما شكتا إلى مجلس الأمن بقاء القوات الفرنسية في كل منهما، ثم تطورت الشكوى حتى وصلت إلى اتفاق يضمن جلاء القوات الأجنبية كلها عن أراضيها.
وبذلك كانت سوريا ثم لبنان أول دولتين عربيتين حققتا استقلالهما وسيادتهما التامين في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
عدالة عبدالعزيز في قضية فلسطين
عاش الملك عبدالعزيز ما يزيد عن سبعين عاماً وأمضى نصف قرن وهو في موضع المسؤولية الأولى في بلده وعلى الرغم من انه كان رجل دولة واقعياً ومهتماً بشؤون مملكته وتطويرها والنهوض بها أولاً إلا انه كعربي ومؤمن ومسلم، كان يعتقد ان بلاد العرب والمسلمين يجب ان تكون حرة مستقلة ومزدهرة لخير أبنائها، وان تعاليم الدين الإسلامي تفرض على كل مسلم قادر ان يجاهد في سبيل استقلال بلاد العرب والمسلمين فإن لم يستطع، فإنه يسهم بماله ونفوذه ولسانه.
في أواخر الحرب العالمية الثانية، وبعدما مالت كفة الحلفاء كانت أهم المواضيع الأساسية التي شغلت بال الملك عبدالعزيز قضايا العرب القومية وفي مقدمتها قضية فلسطين وتصفية ما خلفته الحرب العالمية الأولى من ويلات نزلت بالبلاد العربية كالاحتلالات العسكرية والانتدابات.
ولذلك رحب الملك عبدالعزيز بفكرة الاجتماع مع الرئيس الأمريكي روزفلت وكذا الاجتماع مع رئيس وزراء بريطانيا تشرشل في مصر عام 1365هـ «1945» وكان أهم ما دار بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي بحث قضية فلسطين حيث كان روزفلت مهتماً بمصير اليهود الذين اضطرتهم النازية إلى الرحيل عن أوطانهم في أوروبا.
وعندما سأل روزفلت الملك عبدالعزيز عن الحل الذي يقترحه لهذه المشكلة قال جلالته: إن الحل الطبيعي هو اعادة اليهود إلى أوطانهم الأصلية لأن انتصار الحلفاء في الحرب سيصفي النازية والفاشية في أوروبا وان من لا تواتيه الفرصة منهم بالعودة إلى وطنه الأصلي، يجب ان تُهيأ له الفرصة ليعيش في أراضي دول المحور التي اضطهدته وشردته.
وحذر الملك عبدالعزيز الرئيس الأمريكي روزفلت من الأخطار التي تنجم عن التفكير بفلسطين كوطن يأوي إليه اليهود، وقال إن العرب واليهود بعد وعد بلفور المشؤوم لا يمكن ان يتعايشوا لا في فلسطين ولا أي بلد عربي آخر.
كما طلب منه التعهد بأن لا تقف الولايات المتحدة ضد العرب في فلسطين ولا سيما عندما تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، وتأثر روزفلت من صراحة الملك عبدالعزيز وقطع له عهداً باسم الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لن تقف ضد العرب في قضية فلسطين، وانها لن تساعد الصهاينة ضدهم، وانها لن تتخذ قراراً فيما يختص بالوضع الأساسي في فلسطين من غير استشارة تامة لكل من العرب واليهود.
ولم يكتف الملك عبدالعزيز بالحديث الشفهي حول قضية فلسطين مع الرئيس الأمريكي وما سمعه منه، فبعدما عاد إلى بلاده أرسل إليه كتاباً يشرح فيه الحق العربي في فلسطين وفند مزاعم الصهيونية وأوضح الحقوق الثابتة للعرب في البلاد المقدسة، وحذر من مغبة وعد بلفور على مستقبل السلام في الشرق الأوسط حيث ان أطماع اليهود ليست في فلسطين وحدها بل في البلاد العربية المجاورة لها.
وحذر بقوة من مغبة الأخذ بما يدعو إليه اليهود من اقامة دولة لهم في فلسطين قائلاً:
«إن إقامة دولة يهودية في فلسطين يكون عملاً يهدد السلام باستمرار لأنه لابد ان يسود الاضطراب بين العرب واليهود، حتى إذا نفد صبر العرب ويئسوا من مستقبلهم فإنهم يضطرون للدفاع عن أنفسهم وعن أجيالهم المقبلة إزاء هذا العدوان بكل الوسائل».
وقد أجابه الرئيس روزفلت على كتابه بكتاب خطي مؤرخ في 5 ابريل 1364هـ/ 1945م، ومما جاء فيه قوله: «تذكرون جلالتكم انه في مناسبات سابقة ابلغتكم موقف الحكومة الأمريكية تجاه فلسطين.. ولا شك ان جلالتكم تذكرون أيضاً انه خلال محادثتنا الأخيرة أكدت لكم اني سوف لا اتخذ أي عمل بصفتي رئيساً للفرع التنفيذي لهذه الحكومة يبرهن على انه عدائي للشعب العربي، وانه لمما يسرني ان أجدد لجلالتكم التأكيدات التي تبلغتموها سابقاً بخصوص موقف حكومتي وموقفي فيما يتعلق بقضية فلسطين، وان أعلمكم ان سياسة هذه الحكومة في هذا المضمار غير متغيرة».
ورغم هذه التأكيدات إلا انه من المؤسف ان الرئيس روزفلت قد مات عندما عرضت القضية الفلسطينية على الأمم المتحدة، وحل محله «ترومان» الذي تجاهل ما قطعه سلفه «روزفلت» من عهود باسم حكومته وبلاده للملك عبدالعزيز، فوقف ترومان موقف انحياز عدائي إلى جانب اليهود ويلقي بوزنه كرئيس لأمريكا من أجل التأثير على بعض أعضاء الأمم المتحدة ليؤمن الأصوات الكافية واللازمة لقرار ظالم تتخذه الجمعية العمومية بشأن تقسيم فلسطين واقامة دولة فلسطينية في جزء منها.
ولم تقتصر جهود الملك عبدالعزيز في قضية فلسطين على الدفاع عن حقوق العرب في العواصم العربية والمنظمات الدولية بالإضافة إلى التضامن مع بقية العواصم العربية، بل انه كان دائماً على صلة وثيقة بزعماء العرب في فلسطين إذ انه ما فتئ يقدم لهم كل عون يستطيع، ويكرر دائماً ان قضية فلسطين ليست قضية عرب وفلسطين فحسب بل هي قضية كل عربي وكل مسلم.
الملك عبدالعزيز والوفد البريطاني الأمريكي
في الخامس عشر من ربيع الآخر 1365هـ/ 18 مارس 1946م وصل إلى الرياض أعضاء الوفد البريطاني الأمريكي للمناقشة في قضية فلسطين وقد قابلهم الملك عبدالعزيز صباح اليوم التالي وتحديداً يوم الثلاثاء 16 ربيع الآخر 1365هـ/ 19 مارس 1946م وكانت مؤلفة من رئيسها السير جون سنجلتون وعضويها الميجر مانتجهام بولور والسيد باكستون، وقد سملهم مذكرة خطية تلخص الآراء التي سبق ان أعرب عنها في هذا الشأن للحكومتين البريطانية والأمريكية في مذكرات متعددة ومتكررة.
وننقل هنا ما دار بين جلالته وأعضاء الوفد كما جاء على لسان السيد/ عبدالحميد الخطيب في كتابه الإمام العادل الجزء الأول: فلقد أعربت اللجنة بعد تبادل التحية عن رغبتها في ان تستمع إلى آراء جلالته في موضوع فلسطين الذي حضرت من أجله.. فتفضل جلالته بقوله: إن عليهم وقد حضروا للسؤال ومعرفة الآراء ان يبدؤوا بأسئلتهم.
فقال رئيس الوفد: إن اللجنة كما يعلم جلالتكم قد أوفدتها الحكومتان البريطانية والأمريكية لتحقق وتسعى للوصول إلى حل مرضٍ لمشكلة فلسطين الحاضرة، وبعد انتهائها من زيارة مختلف البلدان العربية وغيرها سنقدم ما يتجمع لديها من معلومات وتقارير إلى الحكومتين البريطانية والأمريكية.. كما انه ليس لديها الحق في ان تؤيد فريقاً دون آخر أو تفضل في القضية بحكم في صالح قوم دون آخر.. وقال: انهم يعلمون ان موضوع فلسطين يهم جلالة الملك كثيراً ولذلك فهم يقدمون شكرهم لجلالته على قبوله لهم ليسمعوا آراء جلالته الشخصية في هذا الموضوع.
وبعد سماع كلمة الرئيس أبان جلالة الملك عبدالعزيز ان أمر فلسطين يهمه كثيراً، وذلك لأنه عربي مسلم قبل كل شيء، والعربي للعربي والمسلم للمسلم، وقال جلالته: إن قضية الصهيونية في فلسطين تهم المسلمين والعرب بصورة عامة وتهمني بصورة خاصة، إن العداوة بين اليهود والمسلمين ليست وليدة عهد جديد وإنما هي نتيجة عداء قديم يرجع إلى آلاف السنين وقد ذكرها الله في كتابه حيث قال: {لّتّجٌدّنَّ أّشّدَّ النَّاسٌ عّدّاوّةْ لٌَلَّذٌينّ آمّنٍوا اليّهٍودّ وّالَّذٌينّ أّشًرّكٍوا وّلّتّجٌدّنَّ أّقًرّبّهٍم مَّوّدَّةْ لٌَلَّذٌينّ آمّنٍوا الذٌينّ قّالٍوا إنَّا نّصّارّى" ذّلٌكّ بٌأّنَّ مٌنًهٍمً قٌسٌَيسٌينّ وّرٍهًبّانْا وّأّنَّهٍمً لا يّسًتّكًبٌرٍونّ..}. الآية، ثم قال جلالته: اليهود أعداؤنا في كل مكان وزمان وهم في كل بقعة يأتون إليها يفسدون ويعملون ضد مصلحتنا وإني على يقين..
أولاً: ان اليهود الصهيونيين لا يدخرون وسعاً في احداث الاختلافات بين العرب وصديقتهم بريطانيا وأمريكا وهذا يتجنبه العرب ولا يريدونه.
ثانياً: ان هجرة اليهود إذا استمرت على ما هي عليه وتوسعت أملاكهم في فلسطين فسيكونون خطراً على العرب كافة.. وهو في نفس الوقت فيه اشكال على البريطانيين وإذا رأى الوفد ان يسأل عن أسباب ذلك فإني اخبره بالأسباب التي أوصلت الفريقين إلى ما هم فيه.. فتفضل رئيس الوفد راجياً الملك ان يتفضل بذكر الأسباب وما يراه مناسباً لمعالجة الحالة في فلسطين.
فأجاب جلالته: بأنها تتلخص في جملة واحدة، وهي ان العرب نهضوا للدفاع عن بلادهم والمطالبة بحقوقهم واستعادة ما سلب منهم، ثم تكلم جلالته عن الأسباب التي جعلت اليهود يتقدمون في مرافقهم من زراعة وغيرها والتي جعلتهم يسبقون العرب.. فقال: كيف يتسنى للعرب ان يبادروا اليهود، وهم ما بين مصلوب على أعواد المشانق وسجين وشريد ومغرب؟.. بينما اليهود يسهل لهم جميع الوسائل وكلما تكلم العرب مطالبين بحقوقهم لم يجدوا من يعينهم على أمرهم أو يسمع شكواهم؟ أما اليهود فهم على مسمع ومرأى منكم أيها الإنجليز يقتلون عساكركم وكبراءكم ويحاربونكم بشتى الأشكال، وانتم لا تجيبوهم إلا بإطلاق الرصاص في الهواء كأن لم يكن بينكم وبينهم حساب فقال رئيس الوفد: إن الإنجليز متساهلون كثيراً، وهذا ما يجعل الناس يطمعون فيهم، فقال جلالة الملك: ليس الخبر كالعيان، إن التساهل في بعض الأحوال يجعل الخطر أعظم والبلية أعم، واضرب لكم مثلاً بإنسان تحلق فوق رأسه الطائرات ويده مغلولة وخالية من السلاح وإنسان آخر عنده سلاح ويده طليقة فهل يتساوى الشخصان؟ تلك هي حالة العرب واليهود في فلسطين.. وأشار جلالته إلى مجموع الاعتداءات التي كانت من اليهود وفي جملتها الاعتداء على اللورد موين، وقال: إن وفاته خسارة فادحة على العالم لأنه كان صديقاً للعالم أجمع، ثم وجه جلالة الملك كلامه إلى الوفد قائلاً: واذكر لكم امراً واقعاً وهو ان الوزير البريطاني المفوض بجدة زارني بعد انتهاء الحرب بمدة وجيزة وقال لي: إن حكومتي ترى تحركات اليهود الحاضرة ربما تكون من العرب، لأنه كلما ازدادت تحركاتهم انكشفت نياتهم، ورجاني ان أبذل جهدي لدى العرب لالتزام الهدوء وأقنعني بأن هذا خير لمصلحتهم فلم ادخر وسعاً في هذا السبيل إلى ان وصلنا للموقف الذي نحن فيه.
فقال جلالته: «نحن ما تعدينا على اليهود ولم نأخذ أملاكهم وبلادهم، وإنما أخذنا فلسطين من الرومان، والعرب حكام فيها منذ ألف وثلاثمائة سنة وأكثر، لا نعرف اليهود ولا هم يعرفوننا والبلاد بلادنا بحق الفتح».
ولقد واجه عبدالعزيز بحدة وحزم مندوبي الولايات المتحدة وبريطانيا لبيان مشروعية حكم العرب لفلسطين كما كشف عبدالعزيز نوايا بريطانيا أمام مندوبيها بحكمة بالغة وعدالة إنسانية منقطعة النظير من رجل مسلم يملك الغيرة على دينه وعلى المسلمين في كل مكان، إذ وجه سؤالاً مباشراً لمندوبي بريطانيا.
لماذا تعمل بريطانيا بمساعدتها للصهيونية على تأليف مجموعة ضدها من كل مسلم يوحد الله في الشرق والغرب؟
فرد مندوب بريطانيا قائلاً: إن بريطانيا دخلت حربين في ربع قرن لأجل احلال السلام والحرية وبريطانيا يهمها كثيراً ان لا تضيع صداقة العرب في الوقت الذي ندعو فيه للسلام على صعيد العالم.
غير ان عبدالعزيز لم يجد في الاجابة على سؤاله ما يشفي صدور المسلمين سوى تلك الشعارات المزيفة التي يرددها البريطانيون آنذاك مما جعله يكشف نواياهم بوضوح ويرفض اغراءاتهم واستمالته إليهم بكل الوسائل ويعلنها صراحة بقوله: نحن يهمنا وجود السلام العالمي ونريد ان نعيش في هذا العالم بسلام ولكن مادام اليهود يؤتى بهم لبلادنا وعددهم في فلسطين يزيد يوماً إثر يوم فمن المستحيل ان يستريح لنا بال أو يصلح لنا حال.
عبدالعزيز والمؤامرة الدولية
وظلت خيوط المؤامرة الدولية على فلسطين تحاك في الخفاء حتى انتهت في 17 من محرم سنة 1367هـ «26 نوفمبر 1947م» بإقرار منظمة الأمم المتحدة مشروع تقسيم فلسطين وتسابقت الدول الرأسمالية والشيوعية على تبني إسرائيل واحتضانها ومدها بأسباب القوة والحياة..
حيث أيّدت 33 دولة من أعضاء الهيئة المذكورة قيام إسرائيل وعارضها 13 دولة وامتناع الباقين عن التصويت، وبذلك تقرر التقسيم بأغلبية ثلثي الأعضاء، وقد رفضت الدول العربية القرار وأعلنوا سخطهم واحتفاظهم بحقهم ومضيهم في تحرير فلسطين.
ونصح الملك عبدالعزيز قادة العرب بألا تقوم الجيوش العربية بحرب نظامية، لأنه كان يعلم اختلاف الأهداف والغايات التي كانت تحرك بعض الدول العربية في هذا المضمار، ورأى جلالته ان يتركز العمل العربي على المقاومة الشعبية ومدها بالمال والسلاح والمتطوعين.
وقد أمر الملك عبدالعزيز وفده في هيئة الأمم المتحدة بمغادرة نيويورك والسفر إلى مصر للاشتراك في اجتماع الجامعة العربية المقبل، كما استدعى وزير أمريكا المفوض في جدة إلى الرياض على عجل وأفضى إليه ببعض التصريحات عاد على إثرها إلى جدة.. وأصدرت رئاسة القضاء في الرياض فتوى شرعية بتاريخ 27 محرم بوجوب الجهاد على جميع المسلمين ضد اليهود المعتدين على فلسطين.
وهاج الشعب وماج وقصد نوابه أعضاء مجلس الشورى القصر الملكي في مكة حيث تشرفوا بالسلام على صاحب السمو الملكي الأمير سعود ولي العهد وعرضوا على سموه استعداد الأمة لبذل النفس والنفيس تحت اللواء السعودي لانقاذ فلسطين، فتفضل سموه وألقى عليهم كلمة قال فيها: «إننا مهتمون بقضية فلسطين أكثر من كل أحد، ونحن جادون في انقاذهم بحكمة بالغة وهمة نادرة، وقد تعودنا العمل في صمت، وان تكون أعمالنا اكثر من أقوالنا كما تشهد بذلك سيرتنا..».
فشكر المجلس لسموه هذه التصريحات، ولكنه رغب في تأليف لجان لجمع التبرعات في هذا السبيل وان يتفضل سموه فيقبل رياسته العليا لجميع اللجان بالمملكة وان يكون أخوه الأمير فيصل نائباً له، وان يكون أخوه الأمير محمد رئيساً للجنة الرياض، وأخوه منصور رئيساً للجنة المركزية بمكة، وسمو الأمير عبدالله الفيصل نائباً عنه، وان تكون رئاسة لجان المقاطعة والملحقات لأمرائها.
ووافق سموه على ذلك وبوشر حالاً بجمع التبرعات فبلغت في الأيام الأولى 2391041 ريالا عدا حلي النساء الذي تبرعن به وعدا التبرعات الأخرى من السيارات والأرزاق واستمرت اللجان في عملها واسرعت اللجنة العليا بتحويل أول دفعة إلى مجلس جامعة الدول العربية وقدرها مائة ألف جنيه مصري ومليون ليرة سورية وذلك أوائل شهر ربيع الأول 1367هـ.
وأعقبتها أيضاً بمبلغ مائة ألف جنيه مصري أخرى أرسلتها إلى مجلس الجامعة في أواخر جمادى الأولى 1367هـ.
وأخذ المتطوعون من كافة أنحاء المملكة يسارعون إلى السفر إلى فلسطين بمحض ارادتهم وباختيارهم للجهاد في سبيل الله على حسابهم الخاص دون ان يساعدهم أحد بأي شيء من النفقات والتكاليف من سلاح وأرزاق ووسائل النقل، وقد ذهب أولئك المجاهدون الأبطال وانضموا إلى فرقة اليرموك فكونوا الأغلبية الساحقة فيها بنسبة 80%.
ومع اصرار القادة العرب على زحف الجيوش العربية لتحرير فلسطين في السابع من رجب سنة 1367هـ/ 15 مايو 1948م وهو اليوم الذي حددته بريطانيا لانهاء الانتداب على فلسطين وانسحاب جيشها منها، قرر الملك عبدالعزيز اشتراك المملكة مع شقيقاتها، وجند في سبيل ذلك جميع قواها المادية والبشرية.
واقتحمت الجيوش العربية فلسطين حتى أشرفت على مدينة تل ابيب، وقامت السعودية بواجبها الديني ببطولة فائقة أقضت مضاجع اليهود وأفسدت خططهم حتى تمركزوا في أهم المراكز المنيعة وسيطروا على أغلب المواقع الاستراتيجية بمهارة وشجاعة نادرتين أشادت بهما الصحف وعلم بهما القريب والبعيد، وأثبتوا للعالم كيف يكون الجهاد في سبيل الله وقد استشهد منهم عدد كبير لا يستهان به، اسكنهم الله فسيح جناته.
وأمام تقدم الجيوش العربية هذا ثارت ثائرة مندوبي الدول الكبرى في الأمم المتحدة وفي مقدمتهم مندوب الاتحاد السوفيتي الذي اعتبر دخول الجيوش العربية إلى فلسطين عدوانا أجنبيا يهدف إلى القضاء على «حركة التحرير الوطني اليهودي»!! فقررت منظمة الأمم المتحدة انتداب لجنة للوساطة برئاسة «الكونت برنادوت» ثم اقرت بناء على اقتراح عقد هدنة بين الفريقين، فاضطرت الجيوش العربية إلى ايقاق تقدمها المطرد لفلسطين وانتهز الصهيونيون فرصة الهدنة للحصول على مساعدات كبيرة من الدول الاشتراكية التي أبدت حماساً لا مثيل له في تأييدهم وتثبيت دعائم دولتهم، بحجة انها دولة تقدمية اشتراكية النزعة تواجه دولاً رجعية اقطاعية!!.
وقد كان لموقف مندوب الاتحاد السوفيتي ومندوبي بقية الدول الاشتراكية أثره الفاجع في النهاية التي آلت إليها حرب 1948م، واكتساب إسرائيل مناطق جديدة من الأراضي لم تكن على خارطة التقسيم، وعبثاً حاول مندوبو الدول الممثلة في مجلس الأمن اتخاذ قرار بارغام إسرائيل على العودة إلى ما وراء الحدود المعينة لها في قرار التقسيم إلا ان مندوبي روسيا والدول الاشتراكية الأخرى قد حالت دون ذلك.
وقد سئل الملك عبدالعزيز في وقتها عن رأيه في حماسة السوفيت لقيام إسرائيل ومدهم إياها بكل مقومات الحياة، وتشجيعها هجرة اللاجئين المتطوعين الذين قدموا إليها من روسيا والدول الاشتراكية في أوروبا، فأجاب جلالته: لقد أراد الشيوعيون خلق أزمة في منطقة الشرق الأوسط، وهم سينتظرون لاستغلال هذه الأزمة الوقت الذي تكون فيه القضية الفلسطينية قد أوقعت المقدار الكافي من الشقاق بين العرب والأمريكيين!!.
قضية فلسطين إرث الأسرة السعودية
لقد اعتبرت المملكة العربية السعودية القضية الفلسطينية منذ أن وجدت، قضية القضايا، وهاجسها الدائم، ومرتكز تحركها عربياً وإسلامياً ودولياً.. وليس أدل على ذلك من قول الملك فيصل رحمه الله : «إن القضية الفلسطينية فضلاً عن كونها قضية شعب شرد، وقضية مقدسات عربية استبيحت، فقد كانت دائماً إرث الأسرة السعودية».
والواقع ان المملكة قد عاشت هذه القضية يوماً بيوم، منذ بروز الخطر الصهيوني حتى ظهور الدولة الإسرائيلية، وقد أمد الملك عبدالعزيز رجال الثورة الفلسطينية بالعتاد والسلاح بشكل دائم لمقاومة الزحف الاستعماري والاستيطاني الجائر.. ومما رواه الملك فيصل بن عبدالعزيز عن والده: انه حول صفقة السلاح التي اشتراها من المانيا لتسليح جيشه بها، إلى المجاهدين الفلسطينيين وعلى رأسهم ذلك الوقت الحاج الحسيني.
وأضاف الفيصل: «ان ما فعله الملك عبدالعزيز كان السابقة التي سار ويسير عليها الحكم السعودي، وهي سياسة تتجاوب مع شعور المواطنين في المملكة وتتلاقى مع ميولهم القومية وأهدافهم الوطنية».
وحين تنادى العالم العربي إلى مقاومة الكيان الدخيل بهدف القضاء عليه في مهده، كانت المملكة في مقدمة الدول العربية التي اشتركت في معركة الانقاذ ودخلت بجيشها لفلسطين إلى جانب الجيوش العربية، ولكن المساعدات المادية والبشرية التي تتلقاها الدولة الصهيونية من دول المعسكر الاشتراكي حالت دون الدول العربية وهدفها المشروع، وهكذا حلت النكبة في العالم العربي.
وقد اقتفى أبناء عبدالعزيز البررة أثر والدهم العظيم إلى يومنا هذا.. متابعين المسيرة التي خاض غمارها.. بقلوب يغمرها الإيمان.. وان الحق لابد ان يعود إلى نصابه ويعود المشرد إلى وطنه.
|