Monday 23rd September,200210952العددالأثنين 16 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الهجمة الإعلامية الغربية ضد الإسلام والمملكة الهجمة الإعلامية الغربية ضد الإسلام والمملكة
د . ساعد العرابي الحارثي

اسمحوا لي في البدء أن أشكر جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ممثلة في مديرها معالي الدكتور عبدالعزيز الدخيل والزملاء أعضاء هيئة التدريس والطلاب والشكر والتقدير للقائمين على مركز الأمير نايف بن عبدالعزيز العالمي للثقافة والعلوم في هذه الجامعة على اتاحة هذه الفرصة للحديث عن موضوع (الهجمة الإعلامية الغربية ضد الإسلام والمملكة.. وكيفية التصدي لها).. وقد أحسن مركز الأمير نايف بن عبدالعزيز العالمي للثقافة والعلوم في انتهاج التعامل مع قضايا الساعة في بداية نشاطاته المعرفية.. وهو المركز الذي نتطلع أن يكون حاضراً في ساحة الثقافة والعلوم والمعرفة برؤية معاصرة ومعايشة للجديد الذي يهم الناس ويؤثر في حياتهم ويتأثر بها.. متواصلاً مع معطيات العصر ومتغيراته السياسية والثقافية والعلمية والاجتماعية.. وأحسب أنه سيكون كذلك إن شاء الله وأفضل.
أيها الإخوة الأفاضل:
إن علاقة العالم الإسلامي وبخاصة العالم العربي مع الآخر لم تكن خلال القرن الميلادي الماضي وحتى ما قبله تعيش الهدوء والثبات دون تقلبات ومد وجزر.. كانت هذه العلاقة تشبه كل فصول السنة من حرارة وبرودة واعتدال.. لعبت الظروف السياسية والدولية والتوازن بين القوى قبل سقوط الاتحاد السوفيتي دوراً رئيساً فيها.. كما كانت المصالح من أبرز محددات هذه العلاقة في وقت لم تكن فيه الإملاءات ممكنة بحكم توفر فرصة الاختيار.. إضافة إلى أن الأمة العربية كانت في ظاهرها كتلة واحدة.. أو هكذا ينظر لها بصرف النظر عن الخلافات البينية.. حتى كانت نكبة 1967م ثم (أم المصائب) عام 1990م عندما تحكم النزق والهوس والغباء السياسي في سلوكيات بعض الزعماء العرب أفرزت انهيارات قاتلة فضربت الهيبة العربية والقيمة وحتى التاريخ.. ضربت في مقاتل طرحتها الفراش فأغرت فيها الآخر.. وتجددت بالمشكوف أطماعه.. وتحركت آلة صوته وأفعاله.. وجاء الحادي عشر من سبتمبر 2001م.. فتغير العالم رأساً على عقب.. لم يكن كما كان قبل ذلك.. شهدنا متغيرات كثيرة.. وافرازات طالتنا شرورها.. وانكشفت نوايا وأفعال قد لا تكون حديثة النشئة ولكنها وجدت الفرصة السانحة للظهور إلى العلن.. بجرؤة عمياء.. واندفاع لا يستحي.. لتحقيق مآرب ومقاصد ليس بالضرورة أنها جديدة.. هناك من هذه المقاصد ما يستند إلى التاريخ ويجتر وقائع كنا نعتقد أن الذاكرة المعاصرة قد نسيتها.. وأن الخلافات أو الاختلافات التاريخية قد عفا عليها الزمن.. وأصبحت في عالم النسيان.. وهناك مقاصد حركتها عوامل الاقتصاد.. وذلك أن أطماع القوى الكبرى في الثروة المتوفرة دافع للإمساك بالعصا من الطرف والنفخ في النار والبارود لانتزاع إرادة التحكم في المصادر الاقتصادية.. وهناك مقاصد النظرة الفوقية التي لا تحكمها أخلاق وقيم.. منطلقها قوة الانا واسقاط الحكم على الآخرين بعدم أهليتهم في المشاركة والحياة الكريمة.. وهناك المقاصد السياسية بحكم القوة والتفرد في الساحة للهيمنة على المقدرات والفكر والرأي السياسي وفرض التبعية.. وقبل هذا وذاك لا نستطيع بأي حال من الأحوال اسقاط أو تجنب البعد العقدي.. وهذه اشكالية تفت عضد أي مفكر في السلام والاستقرار العالمي.. أي مفكر يحلم ببيئة عالمية يسودها الوئام والتعايش في إطار إنساني.. يحفظ للفرد والأمة أياً كانت معتقداتها الكرامة والحياة الآمنة المستقرة.. وما ذكر سالفاً ليس إلا ما اعتقد أنه الأساس.. إذن - أيها الأفاضل - المقاصد كثيرة للهجمة الإعلامية الغربية ضد الإسلام والمملكة.. سواء ما كان منها تاريخي أم معاصر.. وقد لا يكون من المناسب في هذه الندوة الكبيرة في موضوعها.. القصيرة في وقتها.. تفكيك هذه المقاصد وتحليلها.. غير أن ما يمكن التأكيد عليه هو أن الآخر كشف رأسه وأعلن أهدافه.. وجاهر بصوته.. وماضٍ في طريقه لما يعتقد أن يحققه من أهداف.. وبكل أسف أنه يملك أدوات صناعة رسالته بصرف النظر عن معايير الحق والباطل.. ويملك أدوات الوصول إلى الناس أينما كانوا وأياً كانت مشاربهم..
وفي المقابل - بكل أسف أيضاً - يقف العالم العربي الإسلامي في خانة الأضعف.. .فعلى الرغم من امتلاكه لمقومات الحق.. وقوة الحجة.. وصدق المنطق.. فهو يبدو عاجزاً إلى درجة كبيرة في التعامل مع الصناعة الصحيحة للمضمون.. وفقاً للمكونات الأساس للمجتمعات العقدية والفكرية والسياسية والمعرفية في عمومها.. وان حالفه الحظ واسعفته القدرة على صناعة المضمون أخفق في الوصول إلى مستهدفه من مجتمعات الآخر.. اما لعدم امتلاكه للوسائل الإعلامية العالمية باللغات الحية للوصول إلى مبتغاه أو لضعف وسائله.. فانكفأ داخلياً يخاطب نفسه بنفسه بمضامين تدفع مجتمعه في معظم الأحيان إلى الهروب إلى ساحة الآخر متلقياً ومن ثم متأثراً.. وهنا تكمن اشكالية أخرى.. فبدلاً من مخاطبة الأمة للآخر لتصحيح مفاهيمه وتجسيد الحقائق واجتذابه للحق وتجنيبه الباطل.. فقدت مجتمعها وأسهمت في تغريبه عن غير قصد.. وهو الأمر الأكثر خطورة.. مكمن الخطورة أن تبتعد المجتمعات عن بيئة النشئة ومصادر التكوين.. لتخرج من عباءتها لترتمي في أحضان الآخر.. هذا في رأيي ما يجب التنبه له.. وذلك ما يوجب التميز في صناعية المضمون.. وامتلاك الوسائل.. والقدرة على التعامل الصحيح معها وهذه ليست دعوة إلى الانعزالية والانغلاق على الذات.. وإنما ليكون الانفتاح على الآخر مبنياً على وعي ومعرفة وقدرة على التميز والاختيار.. نحن نعيش في عالم تميز بصناعة تقنية الاتصالات.. فانهارت مع ذلك كل الحواجز التي تفصل بين المجتمعات.. ألغيت الحدود الجغرافية.. وتلاشت المسافات.. ولم تعد للمجتمعات القدرة على الحياة في خصوصية تبعدها عن الاخرين.. لم يعد في المقدرة تغطية الفضاء المكشوف.. أو الغربلة للفرز بين الغث والسمين.. لم يتبق للمجتمعات إلا التحصين بفعل ما تصنعه من رسائل تلقى الاجتذاب والقبول والتأثير في التكوين الثقافي لأفرادها.. والتنافس في ساحة المتلقين بجودة إعلامها وتميزه.
أيها الإخوة:
كان لا بد من التفكير في الذات ونحن نتحدث عن الآخر فليس من الانصاف تبرئة النفس في محاولة لإدانة الآخر.. فحدوث الهزيمة لا بد له من شرطين؛ شرط القوة.. وشرط الضعف.. الانتصار للقوي والهزيمة للضعيف.. هذه حقيقة لا جديد ولا جدال فيها.. غير أننا في العالم العربي لا ننظر إلا من زاوية واحدة.. زاوية التذمر من القوي واللجوء إلى الشكوى واللوم والاتهام دون النظر إلى مكامن الضعف فينا وعلاجها..
فالحل لا يستجديه من الخصم إلا الضعيف.. ذلك الذي انهارت قواه وتهاوى العزم فيه.. وتمكن الاحباط منه.. ويخطىء من يعتقد أن الخصم القوي سيجود بما لا يعزز انتصاره.. ويحقق أهدافه.. ولم يرو لنا التاريخ على الأقل فيما أعرف أن خصماً قوياً أنصف من نفسه الآخرين طواعية.. أو عدواً اغتصب بالقوة ملك آخر فتنازل له عن طيب خاطر من أجل عيون العدل والانصاف.. فمنذ عرفت الأرض الصراع الإنساني فإن القوة - بصرف النظر عن الحق - هي من يحدد النتيجة النهائية.وفي رأيي - وأرجو أن يكون صواباً - أن محاسبة النفس لمعرفة جوانب القصور ومكامن الضعف هي ما يجب أن تسبق النظر في قوة الآخر.. هي أساس الحركة باتجاه ساحة الندية والبروز فيها وامتلاك أسباب المواجهة.. ولعل ذلك سيكون منطلق التعامل العربي مع قضاياه في الساحة العالمية.. وفي عصر يبدو أن مواجهة الاستقطاب.. وتشويه الحقائق.. وهيمنة القوى أصبحت سمة تتسع ابعادها مع اشراقة كل يوم..في مثل هذه الحالة والحديث عن الهجمة الإعلامية الغربية ضد الإسلام والمملكة لا مفر من الأخذ بأسباب القوة الإعلامية.. فقد أصبح الإعلام القوة المهيمنة في تكوين الرأي.. وبناء التوجهات وبلورة المواقف.. قوة أدرك أسرارها الآخر.. فاستثمرها في تحقيق أهدافه في مجتمعه وعلى مستوى العالم.. قوة اتقن فنها فرسم الصورة التي يريد لنفسه ولأصدقائه ولخصومه.. أصبح الإعلام أداة المعركة في ساحة الفكر والرأي والمعرفة.. للهدم كما هو للبناء.. وفقاً للغايات المصممة سلفاً.. هذه حقيقة مدركة.. الكل يعرفها.. المأساة أن هذا الإدراك لم ينتج عنه فعل.. لم يتحرك الإعلام العربي إلى مستوى المواجهة.. ظل يجتر نفسه في وقت الشدائد كما هو في وقت الرخاء.. ولم يتوجه إلى الآخر على أساس من المقدرة والكفاءة.. واقتصرت مخاطبته للأمة على الإطراء والنقد وجلد الذات كما هو حال بعض الفضائيات العربية.. بل ان بعض وسائل الإعلام العربية أصبحت مصدراً للاحباط والانكسار والشعور بالدونية.. وبعضها أصبح مؤازراً بإدراك أو بدونه في رسم الصورة الذهنية للإنسان العربي المسلم التي أجاد تصميمها الآخر.. وهي الصورة التي يظهر فيها الإنسان العربي.. إنساناً ليس سوياً ولا متحضراً.. وصلته بالعقل والعلم ضعيفة.. والأهم من ذلك أنه شيطان يحب لعق الدماء.. متهور لا يمكن الثقة فيه.. وهو في المجمل ارهابي بينه وبين السلام عدواة.. صورة سوداء - بكل أسف - بعضنا اسهم ويسهم في رسمها.. تجاوز عرضها بيئة الآخر إلى ساحتنا لاقناع أجيالنا بها.. ونحن - بكل أسف مرة أخرى - نكتفي بالوقوف في خانة المتفرج والواصف والشاكي والطلب من الآخر الانصاف.. هذا لا يعني أن ليس لأمتنا مواجهات إعلامية ملحوظة.. ومواقف مشرفة لإيضاح الصحيح.. غير أن الفعل أقل بكثير مما يجب.. ولا يزال بعيداً عن الآمال والطموح.. ولم يكتمل بعد بما يستجيب لما نملك من حق وحقائق.. ومع هذا وذاك فلا يجب بأي حال من الأحوال أن نفقد الأمل والطموح والثقة بأن في مقدورنا أن نفعل في ساحة الإعلام وننافس..
وفي السياق نفسه ونحن في نهاية هذه المشاركة لماذا انبرى الإعلام الغربي يهجم هجوماً إعلامياً على المملكة غير مسبوق..؟ ما هي مبررات ذلك..؟ ولماذا نشهد أباطيل إعلامية لا صلة لها بالحق والحقيقة؟
(38)}.. إذن مرة أخرى لماذا المملكة؟ الاجابة طويلة.. إلا أن ظروف الندوة والزمن المتاح لها لا يسعف على ذكر التفاصيل كاملها.. ولذا فإن ما يمكن قوله باختصار هو أن المملكة مهبط الوحي.. وموطن إشعاع الإسلام.. وقبلة المسلمين.. وأرض الحرمين الشريفين.. فكانت بذلك هدفاً لخصوم الإسلام.. ومن أراد النيل من العقيدة لا بد أن يتجه بسهامه إلى موطن مصدرها.. وليس بخاف أن أعداء الإسلام كثر.. وأن محاربيه لا يدخرون جهداً للاضرار به.. كان ذلك عبر التاريخ ولا يزال.. وفي ظل هذه الحقائق عانت المملكة كثيراً.. وشحذ أعداء الإسلام سلاحهم للإساءة للمملكة فقط بحكم علاقتنا الصحيحة والصادقة بعقيدتنا.. تاريخاً وحاضراً وإلى أن تقوم الساعة إن شاء الله.. وامتداداً لهذه الحقيقة إصرارنا على الاعتزاز بخصوصيتنا والحفاظ عليها دون انعزال عن معطيات العصر ومنجزاته.. وفي عالم هيمنة القوى والاخضاع للتبعية لا يعجب الآخر تميز أمة بخصوصيتها.. فكان ذلك سبباً آخراً لما نشهده من هجوم إعلامي غير أخلاقي.. ثم تأتي مواقف المملكة من قضايا امتها العربية والإسلامية.. فالمملكة عبر تاريخها لم تعرف تغليب مصالحها الذاتية على مصالح أمتها.. تخبرنا الوقائع والأفعال أن المملكة في المواجهة دائماً لنصرة قضايا أمتها قولاً وفعلاً.. قضية فلسطين احتلت صدر همها واهتماماتها.. وقفت مناصرة بكل طاقاتها.. عاشت قضايا أمتها الإسلامية في كل مكان.. أدركت المملكة مسؤولياتها نحو أمتها.. فاوفت بمستوجباتها.. نافحت في المحافل نصرة لأمتها.. وهذه مواقف لم تعجب الآخر.. فكانت الفرصة لشن حملته الإعلامية.. تحين الفرصة فوافته بعد أحداث 11 سبتمبر.. استثمر الإعلام الغربي الحدث على غير وجه حق.. فانهال هجوماً على وطن التزم بالإسلام والسلام.. والانتصار للحق والحقيقة ومع أن هذه الهجمة الإعلامية الظالمة لن تجد لها صدى لدى المواطن والملتزم بالحق والمدرك لحقائق المملكة.. إلا أنه لا يمكن الإنكار أن تشويهاً متعمداً قد أصاب الصورة.. وبخاصة في مواطن هذه الهجمة.. وأن الحملة الإعلامية متواصلة لرسم صورة لبلادنا لا صلة لها بالواقع.. ولا علاقة لها بالحقيقة.. ونخطىء كثيراً إذا انتقصنا من القوة الإعلامية.. ونخطىء أكثر إذا تركنا الساحة لإعلام الآخر دون حضورنا واستثمار القوة نفسها.. مبرزين ما نملك من حقائق تفضح أباطيل الآخرين.. فالغايات نبيلة والحقائق مشرقة.. وواقع المملكة وتاريخها مصدر اعتزاز ومنبر افتخار..

(*) محاضرة ألقاها مساء أمس في جامعة الملك فهد للبترول

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved