Saturday 21st September,200210950العددالسبت 14 ,رجب 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أحلام وأوهام عبر الفضائيات أحلام وأوهام عبر الفضائيات
ماذا يريد المستفسرون عن الأحلام وماذا يفعل المفسرون..؟
د. بريكان: عدم الضوابط يعني آثاراً سلبية خطرة
د. المنصوري: الأحلام تتحول إلى نصوص يمكن قراءتها

تحقيق : سارة الازوري - الطائف
ظروف الحياة وما فيها من احداث سيطرت على النفوس وعبثت بها مخلفة وراءها الكثير من الاضطرابات والقلق والصراع والخوف من القادم، كل ذلك كان له الاثر الكبير على تفكير المرء وعلى احلامه، اذ ان هذه الأحلام اصبحت بمثابة الكابوس الذي يؤرق الكثيرين فما كان من البعض الا ان لجأ الى فئة من الناس في محاولة لفهم نفسه عن طريق مفسري الأحلام، والذين زاد عددهم بشكل ملحوظ في هذه الفترة.. الجزيرة التقت بالعديد من القراء واصحاب الرأي للتعرف على ادائهم حول هذه الظاهرة.
مكافآت الفضائيات
الدكتور بريكان الشلوي اوضح ان الأحلام موجودة في الطبيعة البشرية لكن تفسيرها وتأويلها كان محدوداً اما الآن فقد وجدت ميدانا تنتشر به عن طريق وسائل الاعلام المختلفة، وافراد زوايا لها في الصحف وعقد الندوات والمحاضرات، وبالطبع انتشار مفسري الأحلام بدون ضوابط محددة له آثاره السلبية على الفرد وعلى الاسرة.
الاستاذ خلف سرحان القرشي يرى الأحلام افراغات لشحنات نفسية، وتتفاوت بتفاوت بيئة الشخص وظروفه وخلفياته الثقافية، واخذ الرؤيا دليل على ما سيحدث من الغيبيات من التطاول والتزيد والرسول صلى الله عليه وسلم قال في الرؤيا غير السارة «فلينفث عن يساره» وكأنها دعوة الى عدم الاهتمام بتفسيرها.
اما سبب انتشار مفسري الأحلام بهذا الشكل.. لانها اصبحت صناعة تم التسويق لها جيدا وبخاصة عبر القنوات الفضائية وما يتقاضونه من مكافآت جزلة أدى الى هذا الانتشار.
ورغم ذلك فهناك مفسرون ثقات فتح الله عليهم لصلاحهم وصلاح نياتهم ولا يبتغون بعملهم البحث عن ذات او سمعة وانما يبتغون بذلك وجه الله تعالى وهم قلة.
عند النساء أكثر:
ويرى الاستاذ رشيد مسلط البقمي انه نظرا لتشتت الانسان وتمزقه في هذا العصر ورؤيته لنفسه بين عوالم مختلفة ومتعددة.. كل ذلك ادى بالانسان الى ان يحاول ان يجد طريقا واضحا لمساره، ومن هنا نجد الانسان يمعن في الاسئلة ومحاولة الحصول على كيفياته المحددة، فنجده في كثير من الامور يستفتي عن امور عملية وحياتية لا تصل الى درجة الاستفتاء فنجد بعضهم عندما تعرض له الرؤيا تجده يدخل الرؤيا في هذا الباب ويحاول ان يسأل عنها من يتصلون بهذا العالم وخاصة من المؤولين فيجد عندهم ما يقنع نفسيته ويريحها.
ولاحظ عايض عبد الله الطفيلي ان اللجوء الى مفسري الأحلام منتشر بكثرة بين طائفة النساء اكثر من الرجال.. ويرجع السبب الى ان المرأة تعاني الكثير من المشاكل النفسية والاسرية، وكمخرج لها تلجأ الى الأحلام كنوع من التنفيس اما سبب كثرة انتشارهم فيعود الى وسائل الاعلام والتي اعطتهم فرصة الظهور دون قيود، ولا يعني ذلك انني ارفض تأويل الأحلام وتفسيرها .. لكن لا مانع من ذلك اذا كان على بصيرة ومتوافق مع احكام الشريعة وعلى يد من يثق في علمهم وفتواهم.
لها شروط:
الشيخ عبد الله ناصر القحطاني «مؤول ومفسر للاحلام» حدد شروطا قال انها يجب ان تتوفر في مفسر الأحلام وهي: ان يكون حافظا لكتاب الله عالما بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وموثوق بدينه وصاحب فراسة وذكاء اما بالنسبة للرؤيا فهي على ثلاثة انواع اولها حديث نفس واضغاث احلام ورؤيا تكون جزءاً من ستة واربعين جزءا من النبوة وغالب من يأتي لتفسير احلامه تكون حديث نفس واضغاث احلام ولا يوجد قاعدة معينة او وقت معين لتفسير الرؤيا ولا يحدد ذلك الا من يستعين بالشياطين.
اما موقف مفتي عام المملكة من التفسير والمفسرين فلا غبار عليه لانه رأي تطاولهم وتجاوزهم الى حد ادعاء المغيبات واصبح الناس يسألون في الرؤيا اكثر من سؤالهم في العلوم الشرعية وقد غاب عن هؤلاء اننا امة تقوم على الواقع وليس على الأحلام.
أسباب اجتماعية:
الدكتور جريدي المنصوري له رؤية لخصها واختصرها بالتالي:
يبدو ان ثمة مجموعة من الاسباب تقف وراء هذه الظاهرة، فالجو العام على المستوى الاجتماعي يهيىء لذلك مساحة الحرية التي بدأ يأخذها الناس في التعاطي مع كثير من الامور ليست غائبة عن الموضوع.
قبل سنوات قليلة لم تكن وسائل الاعلام تعطي لظاهرة الأحلام وتفسيرها هذه المساحة اما اليوم فالفضائيات والصحف والمجلات وكذلك الاذاعة المسموعة تفرد برامجها ومواقعها لهذا النوع من الفكر ما يجعله يزاحم الفكر الجاد والفكر المرتبط بالحقائق.
والواقع ان الضغوط الاجتماعية والنفسية تجعل المرء يعود الى ذاته يتأملها، يحاول ان يخترق الداخل ويغوص في الاعماق ليفسر اسباب القلق الذي يعتور النفس البشرية الآن بشكل يتأتى على حقائق العلم كالطب مما سبيله المعرفة اليقينية هكذا يلجأ المرء الى البحث في هذه الافرازات الاجتماعية كظاهرة الأحلام باعتبارها تمثل استبطاناً للحالة.
والمفسرون والمعبرون يمارسون دورا نفسيا واجتماعيا لعقل الجماعة وهم يتعاملون مع الأحلام ان الأحلام ثقافة من ثقافات الشعوب فنحن هناك نسمع عن ساحرات رومانيا اللاتي يحاولن ان يمنعن الدولة من الانضمام الى الاتحاد الاوروبي حسب قولهن، وهناك نجدهم ينظرون في الابراج.. وهذه الانواع من المعارف قد لا تكون عند طائفة من الناس ذات قيمة اعتبارية ولكنها عند آخرين تتجاوز مستوى الترف الاجتماعي الى التلاحم مع بنية المجتمع الداخلية في نفسيات افراده وعلاقات التوازن بينهم.
ولهذا فان مفسري الأحلام حين يعتمدون على شاهد من القرآن او نص من الحديث او حادثة يربطونها بالتفسير ويعتمدون عليها في التأويل فانما يلجأون الى تأليف القلوب واعادة التوازن للنفوس التي تهددها المعاناة من أمر ما.. ولا بأس ان نجد التعدد في تفسير الحلم والجمع بين المتباعدات من مفسر الى آخر تبعا لزوايا النظر، ولكن ينبغي الا يغيب عنا ان انتشار الظاهرة مرتبط بهذا القدر من الحرية والانفتاح والتسامح مع كثير من القضايا التي كان القوم يتعاملون معها بصراحة حادة.
ضحك على الذقون
وقال تميم مضحي في هذا الزمن العجيب نجد ان البعض لا ينحرج من أي شيء حتى في ادعاء ما لا علم له به، فالتعبير عن الرؤيا لا يؤتى إلا لاصحاب الكرامات من ذوي الدين والعلم والزهد والورع وهذا نادر جدا اما الآن فنجد ان هذه العملية خرجت من الحد الطبيعي، واصبح الواحد من هؤلاء لا يأنف من قول اعلم، وقد اولت اضغاث احلامي لدى العديد من هؤلاء فوجدت ان العملية منذ البداية ضحك على الذقون كما يقول العامة.
ومن هنا يجب توخي الحذر في احلامنا ولا نخبر بها أحداً سواء كان هذا محزناً او مفرحاً لان تأويل الحلم وتفسيره يقع حسب ما يؤول فربما فسر هذا الحلم حاسد لا يريد لك الخير.. وربما جاهل أراد ان ينفعك فضرك من حيث لا يعلم لان بعض الأحلام حديث النفس نتيجة موقف او حدث معين مر به الإنسان في يومه ومن الافضل اتباع قول الرسول: ان الرؤيا الصالحة من الرحمن والرؤيا السيئة من الشيطان اذا رأها الإنسان نفث عن يمينه وشماله.. ولا يخبر بها أحدا.
* ليلى الثعيري أدلت بدلوها معبّرة عن مرئياتها في المسألة فكان ملخصها ان القلق والتوتر والخوف من المستقبل وتطلع الإنسان لمعرفة الغيبيات واحداث العصر وما فيه من مفاجآت، والملل من الواقع وحسب التغيير كل ذلك جعل الناس يفضلون اللجوء الى وسيلة مباحة كتفسير الأحلام بدلاً من التطلع الى ابراج الحظ، وحتى يهيئ نفسه لاستقبال الفرحة: والصدمة، وليشعر نفسه ان هذا الحلم هو اقرب وسيلة تنقله من عالمه الى عالم آخر يحمل في جعبته ما يغير ايقاع حياته الروتينية.. ولو لم يتحقق هذا الحلم فيكفي التلذذ به.
أيضاً وسيلة نفسية علاجية بدلاً من الذهاب الى مختص نفسي ودفع التكاليف، اما عن انتشار هؤلاء المفسرين فهناك عدة أسباب منها:
حب الشهرة ومتعة التجول في اذهان الرائين والتمتع بحكاياتهم، ونوع من النرجسية فيما يشعر المفسر باهتمام الناس به وسؤالهم عنه، ووسيلة لكسب العيش، وشهادة يمنحها الآخرون لشخص قليل الارتقاء في درجات التعليم وشعوره بالزهو لإتقانه فنا يعجز منه الآخرون وعن تعلمه حتى في أكبر الجامعات.
إلهام وليست موهبة
فوزية يحيى أوضحت ان كثيرا من الناس يمر بمراحل من اليأس والقنوط والارتكان.. فربما كثرت المشارب على الناس واوردتهم حياضا ليست لهم.
فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على امر أمته فأخبرهم بما سيكون الى آخر الزمان ولان النفس البشرية تتعجل معرفة المستقبل، كان لا بد من رابط يبشرهم ويهديهم لاستقصاء ومعرفة ما يستعجلونه.. فشرع لنا تصديق الرؤيا الصالحة قال صلى الله عليه وسلم: (انقطعت النبوة وبقيت المبشرات «رؤيا المؤمن») إلا ان الرؤيا من الأمور التي لا يرتكز عليها حكم قاطع ولا يؤخذ منها أمور عقدية او تشريعية.. فكما انتشر في فترة زمنية المشعوذون.. مع الفارق بينهم وبين المفسرين ايضاً انتشر مفسرو ومؤولو الأحلام الى حد اختلط فيه الحابل بالنابل والسبب هو حاجة الناس وتشبثهم بقشة توصلهم الى بر الأمان هناك امر احببت ان الفت النظر اليه وهو ان الرؤيا إلهام وليست موهبة تكتسب بالدراية والمران وهذا الإلهام مختص به فئة من الصالحين يخدم الكل وليس شخص بمفرده.
فيما أشارت حصة الجار الله الى ان لكل فترة زمنية ظاهرة، ففي حقبة مضت لجأ الناس الى كتب تأويل الأحلام حتى انها انتشرت في المكتبات بشكل لافت للنظر.
ثم ان هذه الكتب كانت تشترى وعليها اقبال شديد من قبل فئة من الناس ولا يهم ثمنه.. المهم ان هؤلاء الناس بمجرد: استيقاظهم يلجؤون الى هذه الكتب وينظرون في حظهم هذا اليوم وما تزيدهم إلا اضطراباً لأسباب عدة منها:
- ان كثيراً من أصحاب التأويل ليس لديه دراية بهذا العلم.
- لا يوجد وصف ثابت للرؤيا لان الرؤيا وتفسيرها يعتمد على الرائي وزمنه وظروفه، فقد يرى عدد من الأشخاص نفس الرؤيا فيكون لكل منهم تفسير مختلف جداً عن الآخر.
وهناك وقفة حول كتب تفسير الأحلام، فقد ثبت في الروايات الصحيحة المنقولة عن محمد بن سيرين في كتب طبقات ابن سعد وسير أعلام النبلاء للذهبي عن معاصري ابن سيرين مثل صالح بن احمد بن حنبل وغيره ما يؤكد ان ابن سيرين لم يؤلف كتاباً حول الأحلام وكان يحذر من الكتابة عنها.
منال راضي العتيبي، معلمة، قالت: أرى ان ظاهرة تفسير الأحلام والتي انتشرت هذه الفترة بصورة بشعة انها ترجع بالمجتمع للتخلف والتردي، لأن هؤلاء المفسرين يلجأون الى التفسير بالعموميات والناس تسير مبرمجة حسب تفسير هذا الحلم.. ولا أبالغ اذا قلت انها نوع من الطيرة التي نهى الإسلام عنها، وهؤلاء المفسرون من الفئة التي تدعي علم الغيب ولا هم لها سوى الشهرة والمال فقط.
* وقالت حياة الشريف: تزايدت في هذه الفترة حاجة الناس لتفسير الرؤى، ويعود ذلك الى احوالهم المضطربة وبعدهم عن الله واصابتهم بحالة من القنوط، ومن هنا وجدوا في تفسير الرؤى ملاذاً لتخفيف تلك الاضطرابات، ولا يفوتني ان اذكر ان تفسير الرؤيا من السنة لكن المهم التأكد من الذين نلجأ اليهم في تفسير الرؤى ومدى براعته.. ويكون ذلك عن طريق تزكيته من قبل عدد من العلماء والشيوخ.
ليس جديداً
الاستاذة ام يزن.. محاضرة، تؤكد ان تفسير الرؤى ليس بالشيء الجديد، ففي قصة يوسف نجد الملك لجأ الى تفسير حلمه.. ايضاً الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن تفسير الرؤى وله أحاديث في ذلك يذكر فيها ان الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له وان رأى المرء ما يسيئه ينفث عن يمينه ويساره ولا يخبر بها أحداً. أيضاً ابوبكر الصديق رضي الله عنه كان مفسراً إلا ان السؤال الذي يطرح نفسه متى نلجأ لتفسير هذا الحلم؟.
في وجهة نظري اذا تكرر الحلم بشكل ملح عدة مرات وبنفس الحدث دون تغيير.. فمن الملاحظ الان ان البعض لا يكاد يستيقظ من نومه إلا واطلق ساقيه للريح ولا يستتب به المقام إلا أمام بيت المفسر او الاسراع بمهاتفته ناهيك عن يومه كيف يبدأه، فإما متفائلاً في انتظار تحقيق الرؤيا او متشائماً في انتظار ان تحل الكارثة به.
وأولاً وأخيراً لا ننسى دور الإعلام في انتشار كل من هب ودب من هؤلاء المفسرين.. مستغلين حاجات الناس النفسية الى ما يريحهم من ضغوط الحياة.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved