باتريك ج. بوكانن
لقد قام نائب الرئيس ديك تشيني بتوجيه أقوى تصريح عن توجه سياسة بوش وذلك بشن حرب وقائية. فقد قال تشيني موجها كلامه لخبراء الحروب الخارجية انه لا شك في أن صدام «يحشد أسلحة دمار شامل لاستخدامها ضد أصدقائنا وضد حلفائنا وضد الولايات المتحدة نفسها» وعندما يحصل صدام على سلاح نووي، فإنه «من المتوقع أن يسعى إلى الهيمنة على كل الشرق الأوسط ويعرض الولايات المتحدة إلى الابتزاز النووي».
وديك تشيني رجل جاد، وربما يكون محقا بشأن نوايا صدام، وأنه إذا ما فشلنا في قتل ذلك الأفعى ربما ندفع ثمنا باهظا للغاية، ولكن اقتراحات تشيني تبدو أنها تعارض تاريخ الحرب الباردة والفهم العام، وذلك للنقاط التالية: إذا كان صدام يشكل «خطرا مميتا» على الولايات المتحدة، والذي يبعد عنا6000 ميل، هل لا يشكل خطرا مميتا على جارته إسرائيل؟ وحتى الآن فإن إسرائيل الصغيرة أقل انزعاجا من تشيني ولم تشن حربا وقائية، إذن ما الذي يعلمه آرييل شارون ولا نعلمه نحن الأمريكيين؟.
وإذا كان صدام ينوي أن يستخدم الأسلحة النووية لكي «يهيمن على كافة الشرق الأوسط» لماذا لم تقم إيران بشن حرب وقائية ضده قبل أن تصبح دولة تابعة لصدام حسين؟ هل إيران ربما تسبق العراق في سباق التسلح النووي، ومسرورة بأن الأمريكان بصدد نزع أسنان عدوهم العربي في الخليج؟
الأتراك، الأكراد، الإيرانيون، السعوديون، الكويتيون، الأردنيون، الإسرائيليون، لا يبدو على أحد من أولئك الناس الخوف من صدام حسين مثل نائب رئيس أقوى دولة على الأرض. لماذا؟
ويقول تشيني انه في حالة تملك صدام للسلاح النووي، سوف «يعرض الولايات المتحدة إلى ابتزاز نووي».
معذرة، ولكن هناك شكوكا حقيقية بأن صدام قريب من السلاح النووي وشكوك حقيقية أنه سوف يجرؤ لابتزاز الولايات المتحدة، فقد تملك ستالين السلاح النووي في عام 1949، ولكنه لم يبتز الولايات المتحدة بسبب برلين، وكذلك حصل ماو على السلاح النووي في عام 1964، ولكنه لم يبتزنا بسبب تايوان، وخروشوف كان لديه أسلحة دمار شامل أكثر بمقدار ألف ضعف من تلك التي من المحتمل أن يتملكها صدام حسين، وحاول أن يهددنا بالصواريخ الكوبية، ولكن إلى أي مدى نجح في ذلك؟إن التاريخ يؤكد على أن الأمم التي صنعت أسلحة نووية لم تسر نحو طريق الحرب، ولكن استخدمتها كوسيلة لردع أعدائها، وقد استخدمت كوريا الشمالية ترسانتها النووية ولكن ليس لمهاجمة الولايات المتحدة، ولكن لتبتز منها مفاعلات الطاقة النووية والمساعدات الخارجية والاعتراف الدبلوماسي.
وحتى لو حصل صدام على معدات نووية خام، فإن مجرد تهديده لنا يعتبر بمثابة الدمار الشامل له، واستخدامه لها يؤكد دماره التام، فلماذا يقوم صدام حسين الذي يضطر إلى أن ينام في سرير مختلف كل ليلة لكي يبقى على قيد الحياة بالمخاطرة بدمار نفسه وعائلته وحكمه وصروحه وتراثه؟
ويحذر تشيني بأنه ربما يعطي صدام الأسلحة النووية إلى الإرهابيين، ولكن لماذا يضع صدام مصيره بين يدي أسامة بن لادن، الذي يمكن أن يفجر تلك القنبلة ويقول ان صدام هو الذي أعطانيها، لكي يشعل الحرب الأمريكية الإسلامية، التي يتمناه ابن لادن من أعماق قلبه؟.
إن سلوك صدام على مر السنوات يؤكد على أنه يتمنى أن يتجنب كل الحروب الشاملة مع الولايات المتحدة، وإلا لماذا لم يستخدم أسلحته الكيماوية في أثناء غزو الولايات المتحدة له في عام 1991؟ لأن جيم بيكر أخبر طارق عزيز ما يمكن أن ينتظر صدام كرد فعل من الولايات المتحدة. وفي المقابل قبل صدام أعظم هزيمة من طرف واحد في التاريخ الحديث.
ولكن دعونا نفترض أن تشيني يمكن أن يكون محقا، وأن هناك خطراً من صدام، وأنه في حالة تملكه سلاحا نوويا يمكن أن يقدم على الانتحار باستعماله، ولكن ما يبدو أن هذه الإدارة لا تراه هو أن مخاطر التصعيد الكلامي لتلك الحرب العدوانية يمكن أن يكون أعظم بكثير، فمع سلسلة التهديد اليومي من الرئيس بوش بشن حرب على أي من دول «محور الشر» التي تسعى إلى حيازة أسلحة دمار شامل، سوف تقوم كل الأنظمة المارقة الأخرى إلى السعي الحثيث من أجل شراء تلك الأسلحة، على الأقل لتحصل على نفس نسبة الأمان التي حصلت عليه كوريا الشمالية نظرا لحيازتها للسلاح النووي،والرئيس وحكومة الحرب اليوم يعطون أعداء الولايات المتحدة أكبر الحوافز على الاطلاق، أي الرغبة في البقاء، وذلك بسعيهم للحصول على كل الأسلحة الممكنة التي نتمنى عدم انتشارها.
وبدعوته إلى شن حرب وقائية، فإن تشيني يردد نفس كلمات كيسنجر: «إن الانتشارالوشيك لأسلحة الدمار الشامل والمخاطر العظيمة التي تنطوي عليها، مع الرفض بقبول نظام تفتيش فعال، والسلوك العدائي الذي أبداه صدام حسين، كل تلك الأسباب تجتمع لتعطي أمرا مباشرا باتخاذ إجراء وقائي».
ولكن وصفه هذا لا ينطبق فقط على صدام حسين، ولكنه ينطبق أيضا على زعماء آخرين في دول العالم الثالث، كل منهم سوف يستنتج أنه بعد سقوط صدام فإن دوره سيكون هو التالي. وطبقا لمعادلة كسينجر فيجب علينا أن نستهدفهم جميعا لنقوم ب «إجراء وقائي ضدهم».
إن منطق سياسة بوش لشن حرب وقائية معناه ببساطة: حرب بلا نهاية.
(* ) مرشح سابق لانتخابات الرئاسة الامريكية كما عمل مع ثلاثة رؤساء سابقين المصدر: ذي وورلد نت ديلي |