استطاع أن يحفظ ماله وأن يحفظ عرضه، ولكنه لم يستطع أن يحفظ لسانه، فقد ترك له العنان يتيه في أودية الآفات، يتدخل فيما لا يعنيه، يكثر السب والشتم واللعن، لايتورع عن فاحش الكلام، ولا يحتفظ عن بذيء القول، كثير الاستهزاء والسخرية، أما الجدل فحدث ولا حرج، صار ميزة يعرف بها، وهواية يتقنها، أجتمعت في لسانه جميع الآفات، فلا تكاد تبحث عن آفة من آفات اللسان إلا وتجدها فيه، ولذلك قل من يسلم من أذيته، فبسبب لسانه، صار من يعرفه يكره مجالسته، وإن جالسه فإنه لا يأمن بوائق لسانه، فلا يجلس مجلسا إلا ويضحي بعدد من جلسائه، ولكنه سريع الندم، يندم فيأتي ويعتذر، يحرج نفسه ويحرج غيره، وقد رأيته مرة وهو يعتذر لأحدهم، في وضع لايحسد عليه، رأيته بين يديه مطرقا برأسه، ينظر في إبهام قدمه.
فيا ليته يتأمل الكلمة قبل أن تخرج من فيه، ويفكر بالعواقب وما يترتب على كلامه، وما ينتج عنه، فيحفظ لسانه حتى لايقع بما لاتحمد عقباه، وأيضا يسلم من كثرة الاعتذار، ليته يعلم بما في اللسان من شرور عندما يترك له العنان، فيدرك بأنه من أشد الأعضاء خطرا، وأحوجها حفظا، وأولاها اهتماما، فيحفظه ويعتني به، لأن حفظه من أوجب الواجبات، والعناية به من آكد المهمات، ومن الخطر أن يستهان بشأنه، فكم من لسان تسبب في إنشاب حرب، وتمزيق وحدة، وتشتيت شمل، وقطيعة رحم، بل كم نقل مسلما لكفر، ومؤمنا لنفاق، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أكثر خطايا ابن آدم في لسانه» ولما سأل صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار قال:«الفم والفرج».
إن على المسلم أن يحذر من فلتات لسانه، وأن يعمل على حفظه عن كل آفة من آفاته فلا يخض فيما لايعنيه، وفي هذا دليل على حسن إسلامه، وصدق إيمانه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم«لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس» ويقول ابن مسعود رضي الله عنه «أنذركم فضول كلامكم، حسب امريء من الكلام ما بلغ به حاجته».
وكذلك يجب على المسلم أن يحذر الجدل، وأن يحفظ لسانه منه وإن كان محقا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا..» والجدل غالبا لا يأتي بخير، إنما يقسي القلب ويورث الضغائن، يقول ابن مسعود: ذروا المراء فإنه لا تفهم حكمته ولا تؤمن فتنته.
وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم أمرا ينبغي لنا أن نجعله شعارا لنا، ومبدأ نتمسك به عندما نريد الكلام وهو أن المسلم الصحيح، المسلم الحق، هو الذي يسلم المسلمون من لسانه ويده، قال صلى الله عليه وسلم:«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».
حائل، ص ب 3998 |