إن وجود جهاز قوي للحسبة في الدولة الإسلامية يقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصفة رسمية أمر مهم للغاية لأسباب عديدة أهمها:
أولاً: أنه أداة لمراقبة ما يحدث في المجتمع المسلم من ظواهر وسلوكيات مخالفة للشرع المطهر، ومنعها والحيلولة دون انتشارها، بالأساليب والطرق الشرعية حفاظاً على المجتمع وأفراده، وتحقيقاً لمصالحهم ودرء المفاسد عنهم، فإن المنع أولى من الرفع وأسهل،
أو كما يقال:«الوقاية خير من العلاج». ولاشك أن وقاية المجتمع من المخالفات الشرعية والجرائم الأخلاقية وغيرها من المنكرات أولى وأسهل من علاجها بعد حدوثها وانتشارها وأقل تكلفة مادياً ومعنوياً.
ثانياً: أنه وسيلة الدولة للقيام بأداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي تعد وظيفتها المحورية ومن أوجب واجباتها الشرعية ومن خلالها تحافظ على أمن المجتمع المسلم من الناحية العقدية والأخلاقية والفكرية بوقايته من العقائد الفاسدة والأخلاق الرديئة والأفكار الهدامة ولاسيما في هذا الزمن الذي انتشرت فيه هذه الأمور وتعددت وسائلها الإعلامية وغير الإعلامية.
ثالثاً: أنه من أهم أسباب صلاح الأمة واستقامة أفرادها على دين الله، ومن أبرز ضمانات أداء فرائض الدين وإظهار شعائر الملة في المجتع المسلم بصفة دائمة وتنفيذها على نحو شرعي سليم، الأمر الذي يضفي على الدولة والمجتمع الطابع الإسلامي الذي يميزها على سائر الدول والمجتمعات، والصبغة الدينية التي يجب أن تسود الحياة بجوانبها المختلفة:{صٌبًغّةّ اللّهٌ وّمّنً أّّحًسّنٍ مٌنّ اللّهٌ صٌبًغّةْ وّنّحًنٍ لّهٍ عّابٌدٍونّ}
ويتضح من ذلك أهمية الحسبة ودورها في حياة الأمة، ولذلك يميل الفقهاء الى تعريفها تعريفاً وظيفياً. يقول الماوردي- رحمه الله-:«الحسبة:
هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله»«الأحكام السلطانية:484».
أما ابن خلدون فإلى جانب تركيزه على الجانب الوظيفي للحسبة فإنه يؤكد في تعريفه لها على كونها احد واجبات الحاكم المسلم فهي عنده«وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين»«المقدمة:249».
وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبر وظيفة الدولة الإسلامية وحاكمها فإن كل أجهزتها وولاياتها المختلفة ومؤسساتها يجب أن تسخر في خدمة هذه الوظيفة لتصبح الدولة برمتها جهازاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمفهومه الشامل الذي يتناول جميع جوانب الحياة. وفي ممارستها لهذه الوظيفة الجليلة ولتحقيق هذه الغاية العظيمة على الدولة أن تقوم باستخدام كافة الطرق والوسائل والأساليب الوقائية والعلاجية والعقابية اللازمة وأن تستخدام التعزيزات والحدود، فإن إقامة هذا الأمر وأداء هذه المهمة لايتم- كما يقول ابن تيمية رحمه الله-:«إلا بالعقوبات الشرعية، فإن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن.
وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور، وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات»«مجموع الفتاوي 28/107».
ص.ب: 61647 الرياض: 11575 |